قد يغلب المظهر أحيانًا على المضمون فتخيب فراسة الرائي، وتتحطم على أسوار المظهر والهندام والهيئة، وذلك ما حصل مع أبى حنيفة النعمان الأمام الأعظم الذى ملأ الأرض علمًا وفتوى، ولكن خابت منه الفراسة لأجل المظهر، رغم قوة فراسته ودقة ملاحظته وشدة ذكائه التى لا تقارن مع أحد من معاصريه كان العالم الجليل يجلس مع تلامذته فى المسجد، وكان يمد رجليه بسبب آلام فى الركبة قد أصابته، وقد كان قد استأذن طلابه أن يمد رجليه لأجل ذلك العذر، وبينما هو يعطى الدرس مادّاً قدميه إلى الأمام، إذ جاء إلى المجلس رجل عليه إمارات الوقار والحشمة، فقد كان يلبس ملابس بيضاء نظيفة ذو لحية كثة عظيمة فجلس بين تلامذة الإمام.
فما كان من أبى حنيفة إلا أن عقص رجليه إلى الخلف، ثم طواهما وتربع تربع الأديب الجليل أمام ذلك الشيخ الوقور، وقد كان يعطى درسًا عن دخول وقت صلاة الفجر، وكان التلامذة يكتبون ما يقوله الإمام وكان الشيخ الوقور أو ضيف الحلقة يراقبهم وينظر إليهم من طرف خفي، فقال لأبى حنيفة دون سابق استئذان: يا أبا حنيفة إني سائلك فأجبني. فشعر أبو حنيفة أنه أمام مسئول رباني ذي علم واسع واطلاع عظيم فقال له : تفضل واسأل.
فقال الرجل: أجبني غن كنت عالمًا يُتَّكل عليه فى الفتوى، متى يفطر الصائم؟، ظن أبا حنيفة أن السؤال فيه مكيدة معينة أو نكتة عميقة لا يدركها علم أبى حنيف. فأجابه على حذر: يفطر إذا غربت الشمس.
فقال الرجل بعد إجابة أبى حنيفة ووجهه ينطق بالجدِّ والحزم والعجلة وكأنه وجد على أبى حنيفة حجة بالغة وممسكًا محرجًا: وإذا لم تغرب شمس ذلك اليوم يا أبا حنيفة فمتى يُفطر الصائم؟!!!
وبعد أن تكشّف الأمر وظهر ما فى الصدور وبان ما وراء اللباس الوقور قال أبو حنيفة قولته المشهورة التى ذهبت مثلاً وقد كُتِبَتْ فى طيات مجلدات السِّيَر بماء الذهب: آن لأبى حنيفة أن يمد رجليه.
كنا نجلس أمام التلفاز يوميًا منذ قيام ثورة 25 يناير، نتابع بكل شغف المحاورين والمذيعين والضيوف من كل طبقات المجتمع ما بين صحفيين ومستشارين وأدباء وعلماء، ونجلس أمامهم كما يجلس التلميذ فى حضرة أستاذه.
ومع مرور الوقت وتصاعد الأحداث، نجد أن هؤلاء المذيعين قد اكتسبوا شعبية وأصبحوا يؤثرون فى المجتمع، وفجأة ظهر لنا بعض المتطفلين على الإعلام، وظهروا علينا فى لباس المثقف الواعي الدارس الفاهم، ومع مرور الوقت نكتشف أنهم بلا ثقافة وبلا معرفة.
فهذا يهزئ بأن الإخوان هم سبب خروج المسلمين من الأندلس، فى حين أن جماعه الإخوان أنشئت سنة 1928م وخروج المسلمين من الأندلس كان سنة 1492م، ناهيك عن ما تسمعه من تحليلات أقرب إلى أساطير زيارة سفن الفضاء لأمريكا واختطاف بشر منها.
وبدأنا نكتشف أن مبارك قد قام بعملية تجريف ممنهجة، فلا نجد أحد يسد هذا الفراغ الذى تركه هو ورجاله أنصاف المتعلمين لنجد أننا أمام رجال غير أكفاء بالمرة، لقد ذهب بعض الإعلام فى طريق من الشطط والعشوائية لا تقارن بأي فترة من قبل.
البعض يجلس بالساعات بين ستديوهات مدينة الإنتاج الإعلامى، ينتقل بين القنوات ليأتينا بتحليلات ومعلومات لم ترد إلا فى أفلام الخيال العلمي، ويجلس لابسًا لباس المثقف العالم ببواطن الأمور، فى حين أن نصف كلامه كذب والنصف الآخر لا يرتقى لأن يناقش من أساسه.
ثم يبدأ البعض فى التحول بين منافق للثورة، ثم منافق للمجلس العسكرى، ثم منافق للإخوان، ثم منافق للسيسى، معتمدًا فى ذلك على ضعف ذاكرة الناس، لقد فرز الشعب الكل طيلة 3 سنوات وقد آن له الآن أن يمد رجليه.
