يراهن كبار المستثمرين فى بورصة مصر على أن موجة الارتفاع الماراثونية للسوق ستستمر لبعض الوقت.. لكن صغار المستثمرين الذين احترقت أصابعهم بنيران خسائر جسيمة للبورصة فى 2011 يترقبون بخوف هبوطا حادا للسوق فى أى وقت.
ورغم أن الاضطرابات السياسية منذ ثورة 25 يناير 2011 التى أطاحت بالرئيس حسنى مبارك كانت السبب الرئيسى فى خسائر السوق فقد كانت أيضا وراء صعودها مرة أخرى حيث ارتفع المؤشر الرئيسىEGX30 نحو 68 بالمئة منذ عزل الرئيس المنتخب محمد مرسى فى منتصف العام الماضى وحتى الآن.
وعقب 25 يناير هوى المؤشر الرئيسى للسوق نحو 50 بالمئة خلال 2011 قبل ان يتعافى بعض الشىء فى 2012. وفى الفترة بين مارس 2011 وحتى 30 يونيو 2013 بلغت خسائر المؤشر الرئيسى للسوق 7.6 بالمئة.
"طبعا السيسى هو سبب الصعود هذه الفترة. هناك راحة نفسية لدى كثير من المستثمرين مما حدث فى مصر وما هو قادم." هكذا رد نادر إبراهيم من آرشر للاستشارات على سؤال عن سبب صعود السوق خلال الفترة الأخيرة.
وبعد عزل الرئيس محمد مرسى المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين حظى وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى بشعبية كبيرة ويرى كثير من المصريين إنه يستطيع إعادة الاستقرار والتصدى للأزمة الاقتصادية وفوضى الشوارع والعنف، خاصة وأنه يعتزم الترشح للانتخابات الرئاسية.
وكسبت الأسهم منذ عزل مرسى 168 مليار جنيه (24.14 مليار دولار) لتصل القيمة السوقية للبورصة إلى نحو 490 مليار جنيه مقابل خسارة 85 مليار جنيه منذ مارس 2011 وحتى 30 يونيو الماضى.
ويبدو أن أجواء التفاؤل والمعنويات الإيجابية هى المحرك الأساسى لمستثمرى بورصة مصر الآن.
يقول إبراهيم الذى يعمل فى آرشر للاستشارات منذ أكثر من عام "السوق لا يتميز بالمنطقية فى هذه الفترة. السوق يمر بحالة من العشوائية. أتمنى أن يكون الصعود فى السوق مبررا وأن تكون الشركات قائمة على أسس مالية قوية تستحق هذا الصعود".
وبالفعل تحسنت أغلب أسعار الأسهم فى بورصة مصر ووصلت لمستويات ما قبل 2010 بل منها ما شهد مضاربات عنيفة وخاصة الأسهم الصغيرة والمتوسطة وأيضا الأسهم المتداولة فى سوق خارج المقصورة حتى تضاعفت أسعارها عدة مرات.
لكن كريم عبد العزيز الذى يدير صناديق استثمار الأسهم فى البنك الأهلى المصرى يقول "لدينا أكثر من 40 بالمئة سيولة.. ننتظر حدوث جنى أرباح فى السوق خلال أى وقت للدفع بجزء من هذه السيولة. مازلنا نرى أن هناك ماراثون صعود سيحدث فى بورصة مصر."
ورغم أن كثيرا من مديرى المحافظ المالية وصناديق الاستثمار والمديرين التنفيذين لأكبر بنوك الاستثمار فى مصر يتكهنون بقفزات غير متوقعة فى السوق المصرى خلال الفترة المقبلة وبعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة خلال شهور.. إلا أن السؤال الذى يتردد بين المستثمرين هو: إلى متى ستستمر موجة الصعود؟
يرد إبراهيم من آرشر للاستشارات على هذا التساؤل قائلا: "لو الناس بدأت تفوق (تتنبه) لحقيقة الأوضاع الاقتصادية فى البلد سنهبط خاصة مع بداية الإضطرابات العمالية من جديد."
وتشهد مصر إضرابات واحتجاجات عمالية وفئوية تؤثر على كثير من القطاعات الإنتاجية. واخفقت الحكومات التى تعاقبت على البلاد بعد انتفاضة 2011 فى وضع حد لهذه الاحتجاجات.
وقال إبراهيم "95 بالمئة من عوامل صعود السوق سياسية بجانب رفع التصنيف الائتمانى لمصر والدعم الخليجى غير المحدود.. لكن الوضع الاقتصادى مازال سيئا."
وعقب عزل مرسى ضخت السعودية والإمارات والكويت مليارات الدولارات لمساعدة الاقتصاد الواهن الذى دفعت به الاضطرابات السياسية إلى حافة أزمة فى ميزان المدفوعات والموازنة العامة.
وقالت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتمانى مؤخرا إن المالية العامة مازالت نقطة الضعف الرئيسية للوضع الائتمانى السيادى لمصر بالرغم من تحسن طفيف فى أداء الميزانية فى النصف الأول من السنة المالية الحالية.
وتوقعت فيتش أن يبلغ عجز الميزانية فى السنة المالية الحالية التى تنتهى بنهاية يونيو المقبل 11.8 بالمئة من الناتج المحلى الإجمالى منخفضا عن العام السابق لكن بزيادة عن التوقعات الحكومية.
وفى أواخر 2013 رفعت مؤسسة ستاندرد آند بورز تصنيفها لديون مصر طويلة وقصيرة الأجل بالعملة المحلية والأجنبية قائلة إنها تتوقع استمرار الدعم من الدول التى قدمت مساعدات مالية للقاهرة.
وتسعى الحكومة المصرية الآن لتدعيم اقتصادها الضعيف بحزم تحفيزية تصل إلى 64 مليار جنيه ومن المفترض الانتهاء من ضخها فى الاقتصاد بنهاية يونيو حزيران 2014.
لكن الفساد والمحسوبية والاختلالات الجسيمة فى توزيع الثروة والفقر والجهل قد يجعل كل هذه الجهود لا يشعر بها أحد وتذهب دون جدوى.
ويرى إبراهيم النمر من نعيم للوساطة فى الأوراق المالية إن "بورصة مصر متأخرة عن بورصات العالم كله فى الصعود."
ويضيف "إذا كانت خارطة الطريق تهدف لوجود استقرار فى البلاد فهذا ما يبحث عنه المستثمر. بانتهاء المرحلة الأولى من خارطة الطريق وصل السوق إلى 7250 نقطة.
"وبنهاية الانتخابات الرئاسية قد نستهدف 8700 -9300 نقطة وبنهاية الانتخابات البرلمانية فى يونيو 2014 سنتخطى مستويات 10700 نقطة بسهولة."
وتضمنت خارطة طريق أعلنت بعد عزل مرسى إجراء تعديلات دستورية وانتخابات تشريعية ورئاسية. وجرى بالفعل أقرار الدستور الجديد للبلاد، ولا يتوقع النمر المعروف بتفاؤله نزول السوق قريبا.
وقال: "قد تحدث عمليات جنى أرباح فقط لكنها لن تكون موسعة ولن تأخذ وقتا طويلا وسنعود بعدها لمستويات أعلى من مستويات حدوث جنى الأرباح."
ووسط تفاؤل وآمال المتعاملين والقائمين على سوق المال فى البلاد تتجاهل البورصة بشكل تام كل أحداث العنف والاغتيالات والإرهاب الذى يحدث بشكل شبه يومى فى بعض شوارع مصر.
لكن إذا كانت السوق تتجاهل أحداث الإرهاب والعنف فى الشوارع ولم تشهد عمليات تصحيح واسعة منذ يونيو حزيران 2013 فهل تحتاج شيئا لمواصلة الارتفاع أم أن مشاعر التفاؤل والآمال فقط تستطيع مواصلة الصعود بالسوق؟
يقول محسن عادل من بايونيرز لإدارة صناديق الاستثمار "حتى تستطيع الصعود مرة أخرى بشكل قوى إلى مستوى 12000 نقطة مثل عام 2008 أنت فى حاجة لوجود شركات قوية ماليا، الصعود القوى الآن فى السوق مبنى على شركات غير قوية ماليا ولا تستحق هذا الصعود."
وتكهن عادل بان السوق سيواصل الصعود "لكن بوتيرة أقل"، وقال "بالتأكيد السوق لازم يواجه عمليات تصحيح سعرى خلال الفترة المقبلة بعد الارتفاعات القوية الماضية".
وكانت البورصة المصرية تكتظ بالشركات الكبرى القوية ماليا ولكن بعد انتفاضة 2011 جرت عدة استحواذات على شركات مصرية مثل استحواذ إلكترولوكس السويدية على أوليمبيك المصرية فى عام 2011. وفى عام 2012 استحوذت فرانس تليكوم على موبينيل كما استحوذ بنك قطر الوطنى على الأهلى سوسيتيه مصر واستحوذت شركة أو.سى.آى ان.فى الهولندية على اوراسكوم للإنشاء فى 2013.
وخرجت معظم الشركات المستحوذ عليه من السوق أو أصبح عدد أسهما لا يزيد عن واحد بالمئة وأصبحت بورصة مصر بها عدد قليل من الشركات الكبرى القوية ماليا.
ومنذ طرح أسهم عامر جروب ومجموعة جهينة الغذائية فى 2010 لم تشهد البورصة المصرية أى طروحات أولية كبيرة جديدة.
وفى الوقت الحالى تسعى مصر لتنشيط سوق المال من خلال أدوات مالية جديدة وإجراء تعديلات على اللوائح والقوانين المنظمة للسوق.
ورغم عدم وجود "بضاعة جديدة" فى سوق المال قد تجذب المتعاملين لضخ سيولة فى شراء الأسهم إلا أن هذا لم يمنع الأجانب والعرب من العودة للشراء بقوة فى سوق المال وهذا قد يعنى أن البلاد تجاوزت منعطفا صعبا.
ومنذ 30 يونيو حزيران الماضى بلغ صافى معاملات الأجانب 1.9 مليار جنيه مشتريات مقارنة مع صافى معاملات 5.8 جنيه مبيعات فى الفترة بين مارس 2011 وعزل مرسى فى منتصف 2013.
ويرى عادل الذى يعمل فى بايونيرز المصرية منذ 2007 أن بوادر وجود نظام سياسى قوى هو ما أدى للتفاؤل الكبير الموجود فى السوق الآن.
ويقول: "السيولة خلال الفترة الماضية جاءت بنسبة كبيرة من مؤسسات أجنبية وعربية وهذا يعنى أن الرهان أصبح الآن من الخارج وليس داخل مصر فقط على قوة النظام السياسى المقبل.. وهو ما يدفع الكثيرين لضخ أموال جديدة فى السوق".
وبلغ صافى معاملات الأجانب فى بورصة مصر منذ مارس آذار 2011 وحتى 30 يونيو 2013 نحو 5.8 مليار جنيه مبيعات لكن فى الفترة بين 30 يونيو حزيران الماضى ونهاية جلسة الخميس الماضى بلغ صافى معاملات الأجانب 1.9 مليار جنيه مشتريات.
وبعيدا عن أجواء التفاؤل والآمال المعلقة على الانتخابات المقبلة يرى عبد العزيز من البنك الأهلى أن لا أحد يملك "عصا سحرية".
ويقول: "الهدم عادة سهل لكن البناء والتحول صعب ويحتاج للمزيد من الوقت.. الفكرة مش فكرة أشخاص بل تحرك بخارطة طريق وبناء دولة ذات مؤسسات. هذا هو الأهم."
رويترز: 168 مليار جنيه كسبتها البورصة منذ عزل مرسى
الإثنين، 24 فبراير 2014 05:03 ص
البورصة المصرية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة