د. سيد محمود الخولى

المتطلبات الأساسية فى قيادة مصر فى المرحلة القادمة

الإثنين، 24 فبراير 2014 06:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في ظل بيئة تنافسية شديدة التعقيد كثيرة التغيرات على نحو يجعل استخدام أساليب الإدارة التقليدية أمرًا لا يتناسب مع ما تمليه هذه البيئة، جاءت القيادة الإستراتيجية كأسلوب إداري يساعد على خلق مزايا تنافسية تسمح للدول التي تأخذ بهذا الأسلوب أن تتفوق على الدول الأخرى من خلال النجاح في تحسين الأداء الاستراتيجي والنجاح في وضع وتنفيذ الخطط الإستراتيجية مع ما يصاحب ذلك من صعوبات تفرضها البيئة التنافسية، وفى هذه السطور نطرح مجموعة من المحاور التى يمكن أن تكون دليلاً استرشاديًا لمن يتولى قيادة مصر فى المرحلة المقبلة.

لابد للقائد الاستراتيجي أن يتأكد من أن الدولة لديها إستراتيجية مستقبلية واضحة ومفهومة ومشتركة ويتم العمل بها، والإستراتيجية المستقبلية ليست مجرد خطة إستراتيجية أو خطة للتحسين، ولكن إستراتيجية للمسح المستمر للأفق، والإستراتيجية المستقبلية تأخذ في الحسبان التنوع في الدولة، والمجتمع وطموحاته. والمخرجات والنتائج هي محور تركيز استراتيجيات المستقبل وإدارة الموارد. والابتكار والإبداع والاستخدام المناسب للتكنولوجيا لابد أن تكون متضمنة في الإستراتيجية المستقبلية للدولة. إلى جانب نشر ثقافة التحدي والدعم وتضمين جميع العاملين ومشاركتهم في المستقبل.

وثاني المبادئ أن يهتم القائد الاستراتيجي بالبراهين وإرشادات الأبحاث، حيث يعرف القائد الاستراتيجي أهمية اعتماد توجههم الاستراتيجي، والتغيير والفعل علي البراهين وممارسات النتائج التي قادت لها الأبحاث. تعني الممارسة المعتمدة علي البراهين أن القادة الاستراتيجيين يجمعون ويختبرون مخرجات البيانات على أساس مستمر لصنع قرارات مناسبة حول اتجاه المنظمة. الممارسة المعتمدة على البراهين هي الحصول على بيانات إستراتيجية من البيئة الاجتماعية، والتكنولوجية، والتعليمية، والاقتصادية، والسياسية؛ وتحليل، وتفسير وتكامل تلك البيانات في صورة معلومات مفيدة؛ واستكشاف الاختيارات المرغوبة.

فالقائد الاستراتيجي يستخدم البيانات والقياس المقارن لمراقبة وإتباع وتحليل التقدم لمعرفة متى يحتاج التدخل الاستراتيجي، والبحث فيما يمكن عمله، لوضع وتطوير طرق واتجاهات ابتكارية، وفعالة، أكثر استجابة للاحتياجات. واستخدام البراهين لبث التحدي في الأداء على كل المستويات والتأكد من الأعمال الفعالة والتصحيحية والمتابعة.والتعامل عن قرب مع الآخرين لتطوير ممارسات لجمع براهين بشكل مستمر، وهذا ينعكس بشكل معنوي وفعال علي الأداء في الدولة. ولابد له من تقدير عمل الآخرين من فريق العمل، وإدراك نجاحاتهم والاستمرار في خلق معرفة جديدة لمشاركتها مع الآخرين.

وثالث المبادئ أن يتمتع القائد الاستراتيجي بالقدرة على الإنجاز، حيث يبذل القائد الاستراتيجي كل جهده من أجل صنع الاختلاف. فلا يتحدث عما قد يعمله، ولكنه ينفذ فهو رجل الأفعال لا الأقوال. وحتى يطلق على القائد أنه "إستراتيجي" يجب أن يعرف بكونه الشخص القادر على "إنجاز الأمور"، ولا يقتصر الأمر على امتلاكه للأفكار الإبداعية و"الصورة المثالية"، ولكن يتميز هذا القائد بما يمكن أن نصفه بأن "قدمه دائمًا على الأرض" بمعنى أنه رجل الإنجازات العملية. فلا يمكن أن نطلق على القائد وصف إستراتيجي إذا كان يفتقد الرؤية الواقعية - أي أنه شخص حالم - أو الشخص الذي لا يدرك ما يمكن تحقيقه وما لا يمكن.

وإنجاز الأشياء يتضمن تطوير قدراتنا وكذلك قدرات العاملين الفنية والعقلية والعاطفية، وحشد هذه القدرات من أجل تحقيق نتائج مهمة. وفي سياق هذا المبدأ، تعد موهبة القائد في "تدبير الموارد الإستراتيجية" أحد المعايير المهمة. بمعنى تدبير القائد للموارد التي تحتاجها الدولة. فالقائد الإستراتيجي لديه "مقدرة خاصة" على "العثور على الأموال المطلوبة" من أجل الحصول على المبادرات.

ويتطلب إنجاز الأمور كذلك بناء الثقة في الإنسان، سواء في شخصه أو في صفته كقائد، وضرب المثل في القدرات الضرورية لإنعاش وتنشيط المجتمع. وتتطلب الثقة التواضع وفهم الذات والقدرة على تحديد الإمكانات الفردية والجماعية والإيمان بأن القائد لديه السلطة والقدرة على صنع اختلاف إيجابي.

فالقائد الإستراتيجي يقوم بخلق ثقافة تنظيمية تُقدر الإنجاز وتُركز على "صنع الاختلاف، ويقوم بمراجعة دستور الدولة بشكل دوري بما في ذلك السياسات والإجراءات لضمان كفاءتها وارتباطها بأهداف المنظمة، ويدير موارد وحدته المالية والبشرية بكفاءة وفعالية لتحقيق أولويات وأهداف الدولة، ويقوم باختيار الوزراء بالشكل المناسب من خلال تعظيم الاستفادة من مهاراتهم ومعارفهم وإدارة أعباء العمل الملقاة عليهم لتحقيق نتائج أفضل، تطوير الإستراتيجيات والإجراءات الفعالة لتدريب العاملين وإدارة الأداء، التأكد من متابعة وتقييم ومراجعة نطاق وجودة واستخدام جميع الموارد المتاحة، الاحتفاظ بقدر من التواضع، والعمل باحترام مع الآخرين بما يظهر تقديره لآرائهم وإسهامهم في الإنجاز الكلي للدولة.
ورابع المبادئ أن القائد الإستراتيجي يفتح الآفاق، حيث يتمثل العمل الاستراتيجي للقائد الاستراتيجي في جمع وكشف الاحتمالات غير العادية لفتح آفاق واتجاهات جديدة للدولة. ونعني بفتح آفاق جديدة مساعدة الآخرين على تخطي المعتقدات التقليدية وتجريب طرق جديدة أكثر فعالية لتلبية الاحتياجات.

ولا نقصد بالإستراتيجي الاندفاع دائمًا بتهور نحو الابتكار، ولكنه قد يعني في بعض الأحيان التريث في التغيير من جهة، ودعم المبادرات المثيرة من جهة أخرى. وأخيرًا، فإن فتح آفاق جديدة يعني أن قادة الدولة هم قادة تحويليون، وعملهم لا يتركز على إدارة الأمر الواقع حاليًا، بل إدارة تلك اللحظات المقدرة للتحول.

فالقائد الإستراتيجي يخلق ثقافة تأخذ بعين الاعتبار ثراء وتنوع مجتمع الدولة. يضع ويعزز إستراتيجيات إيجابية لتقبل الإبداع والتحسين المستمر للمنظمة. يحتفظ بما هو ملائم من الممارسات الحالية ويخطط لتطويرها. ويتحدى التقاليد الموروثة من حيث العلاقات وطرق العمل.

وخامس المبادئ أن القائد الإستراتيجي لابد وأن يصلح للقيادة، فيدير القائد صحته البدنية والذهنية بشكل إستراتيجي حتى يكون لديه المناعة والقدرة على التحمل، والمرونة، ويمكن الاعتماد عليه "أو ما يطلق عليه الموثوقية"، وأن يكون واسع الحيلة. فالمناعة أو القدرة على التحمل هي القدرة على التغلب على العقبات المصاحبة للتغيير والتي لا مفر منها، وضغط العمل مع المجهول، فالقائد من هذا النوع تكون لديه القدرة على المثابرة في مواجهة تحديات المستقبل.

والمرونة وهي القدرة على التكيف مهنيا وعاطفيًا للتغيير والتنوع الذي يتسم به العمل في المنظمات المتوجهة نحو المستقبل.

والموثوقية تعني أن يشعر الآخرون بوجودك عندما تصعب الأمور. فالمستقبل عندما يتكشف تصاحبه درجات عالية من القلق، والتغيرات غير المتوقعة قد تفرض تهديدات ومخاطر تؤدي إلى الشعور بالضغط بل والمرض والتغيب عن العمل، والموثوقية تعني كذلك قدرة الآخرين -بقدر ما- على التنبؤ بأفعالك بما يتيح لهم معرفة أنك لا تأتي بقراراتك من فراغ وأنك دائما ما تقف على أرضية ثابتة.

إن القادة الذين لا يهتمون بأنفسهم لا يمكن الاعتماد عليهم في أوقات الارتباك والضغط. الشخص الذي "يصلح للقيادة" هو من يمكن الاعتماد عليه في أوقات الضغوطات العالية حيث المشكلات التي تحتاج إلى حل، والشخص الصالح للقيادة دائما ما يكون قد اكتسب سمعة بكونه واسع الحيلة أي أنه مستعد ذهنيًا لاستغلال الفرص غير المتوقعة التي تظهر فجأة، والتكيف مع الأجواء غير الواضحة، و"إنجاز الأمور" بالموارد المحدودة، والقائد الإستراتيجي هو الذي يخطط لرفاهته، ولديه إستراتيجيات جاهزة لإدارة مستوى لياقته في الاعتراف بحدوده وإمكاناته.

فالقائد الإستراتيجي لديه توجه إستراتيجي للحفاظ على رفاهته ومدى لياقته التي تمكنه من إنجاز وظيفته بفعالية، ويدير التوازن بين حياته وعمله بما يعزز قدرته على القيادة، ولديه اتجاه إيجابي لأن أكثر الشخصيات تفاؤلا تثبط عزيمتهم إذا هوجموا بمعارضة. القائد يتحمل مسئولية تصرف ما من خلال تفكيره وقوله "ماذا يمكننا أن نفعل" وليس "لا نستطيع"، وهو يتحمل الغموض حتى يحافظ على مرونته، كما أنه يتحمل المواقف غير المألوفة ولديه الاستعداد للتصرف على أساس معلومات غير كاملة أو حتى متناقضة في بعض الأحيان، كما أنه ينمي سلوكيات إنتاجية من خلال إدراك اللحظات التي يكون فيها التغيير حتمي ولا فرار منه ويتحمل المخاطرة على الرغم من النتائج السلبية المحتملة. كما يقوم بصياغة توجهات جديدة للإجراءات المعيارية عندما تواجهه تحديات غير متوقعة. والقائد الاستراتيجي يدرك اللحظات التي تكون فيها رفاهة الآخرين مهددة وبالتالي يكونون في حاجة إلى الدعم ويساعد الآخرين على التكيف مع المواقف الجديدة أو المختلفة، وأخيرًا فهو ينسق المجهود الجماعي وينشئ الجو المناسب للعمل وتنمية السلوك الأخلاقي لدى جميع العاملين فى الدولة.
أما المبدأ السادس فهو أن القائد الاستراتيجي يصنع شراكات ناجحة. إن القادة الاستراتيجيين يتعلمون معًا ويتشاركون رؤية متوافقة مع المستقبل، ويتواصلون بحرية ويحترمون وجهات نظر الآخرين. هذا يتضمن المعرفة والحس الجيد بالثقافات المختلفة.

إن قوة المجهود الجماعي يدعمها الإيمان بالمشاركة في القيادة. ومع ذلك فإن الشراكات -بصورها المختلفة- ليست دائمًا سهلة ومريحة. الشركاء الجيدون لديهم الشجاعة على المواجهة ويقومون بصياغة وجهة نظر مختلفة عن التفكير السائد. ولذلك يحتاج القائد الاستراتيجي كذلك إلى مهارة إدارة الصراع بشكل إيجابي وصياغة علاقات ديناميكية تزيد من الإنتاجية. ولكي تكون شريكًا جيدًا فإن هذا ينطوي على التخطيط لانتقال وتعاقب القيادة. وهو ما يعني قيام قادة الدولة بوضع استراتيجيات تضمن استدامة عملهم.

فالقائد الإستراتيجي يعامل الناس بعدل ومساواة وباحترام بما يسمح بثقافة تنظيمية تقدر ممارسات العمل الجماعي وفرق العمل، وهو يبني ثقافة التعلم بالمشاركة حيث يتعلم العاملون من بعضهم البعض ويشجعون بعضهم على التطور، كما أنه يكفل التخطيط والتخصيص والدعم والتقييم الفعال للعمل الذي ينجزه فرق العمل والتفويض الواضح للمهام وتفويض السلطات والمسئوليات، ويطور اتصال ذي جودة عالية عبر الدولة، وهو ينسق الجهد الجماعي الذي يكفل تحقيق الأهداف المشتركة، ويعمل كوسيط لبناء مجموعة من الأفكار والمعتقدات والقيم والأهداف بين جميع أجهزة الدولة، ويدرك ويحترم الاختلافات الثقافية عند التخطيط واتخاذ القرارات.

أما المبدأ السابع والأخير فهو أن القائد الإستراتيجي يفعل ما يراه صوابا وأخلاقيا، فالقيادة الإستراتيجية تعني القيادة الأخلاقية، فالقائد الاستراتيجي يدرك أهمية السلوك الأخلاقي، ويتصرف على هذا الأساس. أما القائد الأناني الطموح لتحقيق أهداف شخصية فقط، الديكتاتور، المستغل، أو ببساطة غير الشريف، فليس من المرجح أن يكون قائد ناجح للدولة، أو أن يحتفظ بمنصبه لفترة طويلة.
القائد الإستراتيجي يعلم أن النظر إلى المصلحة الشخصية مع الاحتفاظ بموقف أخلاقي عادل اجتماعيا ليس بالأمر السهل. والقائد الاستراتيجي يراعي دائما الأخلاقيات والعدالة في الرد على أسئلة صعبة وغامضة مثل: من بحاجة أكثر؟ وما هو الأفضل للدولة؟ والنزاهة أمر حتمي عند التعامل مع مثل هذه الأسئلة. النزاهة في القيادة تعني الأمانة والشفافية في الدوافع والنوايا، وهو ما يتطلب قائد يعترف بالأخطاء والفشل.

فالقائد الإستراتيجي يضع بيان واضح بالأدوار والمسئوليات بحيث يكون خط المساءلة واضحًا لجميع العاملين، ويكون أخلاقيًا ومعتادًا على فعل ما هو صواب، ويكفل وضوح مسئوليات جميع الأفراد وفهمها من قبلهم وموافقتهم عليها، وهو يفكر في سلوكياته وأفعاله ليتأكد من أنها تمثل نموذجا يُحتذى، ويتأكد من أن أفعاله تتسق مع أقواله، ويدعم مجتمعًا أفضل يتسم بالمساواة من خلال أفعاله وقيادته، وينظر إلى ما وراء دولته فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية والتغيير المجتمعي ودور الدولة في إنتاج مجتمع ديمقراطي، يتسم بالشفافية ويراعي العدالة الطبيعية في تعامله مع جميع الأطراف، وأخيرًا فهو يعترف بأخطائه.
* أستاذ ورئيس قسم إدارة الأعمال بكلية التجارة جامعة عين شمس





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة