صلاح السيد يكتب: البيئة الجامعية والفوضى المجتمعية

الأحد، 23 فبراير 2014 08:16 م
صلاح السيد يكتب: البيئة الجامعية والفوضى المجتمعية باعة جائلين يفترشون الشوارع

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعيش مصر حالة من الفوضى والعشوائية، ربما لم تشهدها من قبل، والمتفائل يقول بأنها لن تشهدها من بعد.. فالفوضى والعشوائية ضربت جميع مناحى حياتنا، وأكثرها ظهورًا وتأثيرًا ما نلاحظه من تكدسات مرورية وفوضى الباعة بالشوارع الرئيسة منها، واحتلالهم لنهر الطريق، ومن يعترض يُنهر ويُسب.
وقد تكون هذه الفوضى وتلك العشوائية مقبولة من أي شخص وأي فئة مجتمعية أو حتى عمرية، ولكن أن تأتى الفوضى والعشوائية ممن يُطلق عليهم نخبة وعلماء؛ فهذا ما يستحق التوقف عنده والبحث فيه. فلقد جرى العرف فى مصرنا الحبيبة أن ننصت ونستمع لمن يطلق عليهم علماء متخصصون، أو نخبة مختارة، أهل ثقافة ورأى وحكمة، وأنهم على دراية ومعرفة بما نجهله ونعلمه.
وقد يعن لنا محورة الحديث قليلاً وتحديده على أساتذة الجامعات، أهل العلم والمعرفة، وقد يكون فى الأمر صدمة مجتمعية، خاصة أنه لا مجال لحديث عن فوضى وعشوائية عند الحديث عن أساتذة الجامعات. إذ كيف تأتى الفوضى والعشوائية لتلك الفئة، وكيف ارتبط كل منهما بالآخر؟!
وأقول إن الفوضى والعشوائية أتت لتلك النخبة وهذه الفئة العلمية المثقفة عندما دخل على المجتمع الجامعى مَن لا يستحق تلك المكانة بحكم النشأة والخلفية الثقافية البيئية، وعندما سمحت البيئة الجامعية بتغليب الصوت العالى الخالى من دليل أو برهان، والترهيب والوعيد على أعرافها وقواعدها الثابتة الراسخة منذ القِدم. ومن ثم ضاربة عرض الحائط بالقانون واللوائح والأعراف.
فالمجتمع الجامعى يسيطر عليه إعمال العقل والحديث الهادئ الممنهج، الذى يضبطه المنطق للوصول لنتائج مبنية على معطيات جيدة راسخة صائبة، ولكن عندما يسود عكس هذا التصور وتلك البيئة الهادئة العاقلة، ويصبح هناك ضجيج وصوت عال وتهديدات، فيكون من الطبيعى أن نرى فوضى وعشوائية وضجيجًا وعراكًا بالصوت لا بالعقل فى الشارع؛ طالما خرجت هذه الأشياء، أو قُل الموبقات المجتمعية، من داخل أسوار الجامعة. فالجامعة مجتمع حاشد لكل الأطياف والمعتنقات الفكرية والمذهبية التى تتعايش جميعها فى حوار هادئ بنَّاء، وفى بيئة صحية علمية، ولكن عندما اندس بعض غير المؤهلين ودخلوا هذا المجتمع بأفكارهم الشاذة وسلوكهم المتعارض مع تلك البيئة وهذا المجتمع العلمى، معتمدين فى حوارهم على ترهيب الآخرين، فما كان من أهل البيئة الجامعية إلا أن تنئ بنفسها عن الدخول والمشاركة فى فوضى حوارية، أو مناقشات لا طائل منها غير إفساد صورة جميلة لمجتمع وبيئة جميلة فى عيون أهل المجتمع المصرى الكريم، ومن ثم رأت البيئة الجامعية الحاقة أن ما يفعله هؤلاء الفوضاويون العشوائيون ما هو إلا لهو وإفساد لرسالة الجامعة فى خدمة المجتمع، وإخراج شبابه من ظلمة الجهل إلى ضوء النور والمعرفة.
ورغم حُسن نوايا تلك الرؤية الجامعية والتى نأت بنفسها عن المعارك الفاسدة وفوضى الفوضاويين وضجيج الحنجوريين، إلا أنها هى نفسها تُعد عاملاً مساعدًا فى نمو تلك الظاهرة الحنجورية وخروجها وانتشارها بين أفراد المجتمع. إذ نأيها بنفسها وتقاعسها عن استخدام لغة الحوار الهادئ والمنطق القويم قد أفسح المجال لتلك الفئة الفوضاوية العشوائية للتنامى فى غِيها وفوضاويتها، معتقدة صواب منطقها وصحة عقيدتها الفكرية. ومن ثم رأت فى نفسها المثال الذى يجب أن يكون عليه أستاذ الجامعة، وأخذت تبث سمومها تلك فى طلابها، ونشر تلك الصورة السيئة للحوار والنقاش، حتى صار الضجيج والصوت العالى ولغة التهديد والترهيب رمزًا وتعريفًا لخريجى جامعاتنا. وما رأيناه فى الأيام القليلة الماضية، من فوضى بعض طلاب الجامعات لخير برهان ودليل على كارثتنا داخل الجامعة، والتى ظهرت خارجها وانتشرت.
ولقد سمعنا وقرأنا عن محاولة أستاذ جامعى الانتحار من شرفة مكتبه، مهدداً ومتوعداً بضرورة تنفيذ مطلبه وإلا أتى لجامعته بكارثة، وأمام هذا التصرف التهديدى الفوضى العشوائى الخالى من منطق أو عقل، تضطر البيئة الجامعية العاقلة – كما ترى نفسها – ضرورة الانصياع وتلبية مطلب هذا الأستاذ أو ذاك، مبررة هدوءها وموافقتها بأنه طالما سمحت عقلية ومبادئ هذا الأستاذ باتخاذ مثل هذا المسلك المريب البعيد عن لغة الحوار والنقاش، أو حتى اتخاذ مسلك عرض المشكلة بأسلوب هادئ، أو قل قانونى، للوصول لحل يتماشى مع مكانة الأستاذ الجامعى، فالصمت أجدى وأكثر نفعاً عن الحوار معه أو مناقشته.
والغريب فى الأمر أن نجد مثل هؤلاء الفوضاويين الذين يلجأون لمثل التصرف من التهديد والوعيد والصوت الحنجورى ليس لهم مطلب أو مشكلة علمية أو جامعية أو أدبية، وتظهر الطامة والكارثة عند معرفتنا بأن مشكلتهم أو مطلبهم يكمن فى طمع مادى، وتحقيق مكسب بشكل مخالف للقانون!. وعندما يشرح له ويوضح من تربى تربية جامعية صحيحة وبأسلوب جامعى وبحوار هادئ منطقى حقيقة موقفه الفاسد والمخالف، نجد هذا الفوضاوي العشوائى يستمر فى غِيه ويسير من خلف فساد منطقه، ويعلى من صوته ويصير التهديد والوعيد منطقه حتى يهرب من المحاسبة والمساءلة.
إن الأمر جَد وخطير، وفى حاجة ماسة لمن لديه القدرة والإرادة على عودة الأخلاق والأعراف الجامعية الرصينة للحياة الجامعية مرة أخرى. والعمل على إعادة تهذيب هذه الفئة الفوضاوية العشوائية الحنجورية، حتى لا تصيب بمرضها مجتمعنا الذى نسعى لبنائه والرقى به، وإعلاء لغة الحوار الهادئ الرصين والابتعاد عن لغة التهديد والوعيد والصوت العالى، والعمل على تنمية روح التعاون والمودة والابتعاد عن تنمية روح الفُرقة والمصلحة والشراهة والطمع.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة