يوما بعد الآخر تخوض الرقابة على المصنفات الفنية حربا ضد صناع السينما، وتفتعل أزمات مع صناع السينما، ولا تزال تعمل بنفس الأسلوب فى التعنت والاعتراض على الأفلام، منذ أكثر من 100 عام، ففى بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 تأسس أول قسم فى السينما للرقابة على الأفلام العربية والأجنبية، والتى عرفت باسم «الرقابة» كإدارة تابعة للقسم الفنى بوزارة الداخلية، وكان أول رقيب رسمى للسينما هو الإعلامى توفيق صليب، وبالرغم من التطورات التكنولوجية الرهيبة التى حدثت خلال الـ100 عام الماضية، واقتحام عالم الإنترنت كل بيت فى مصر الذى يسمح للجميع بمشاهدة ما يريدونه دون رقيب، وأصبح كل شخص رقيبا على نفسه ويختار ما يريده، لكن مازالت الرقابة تعتقد أنها تلعب دور «الوصى» على عقول الشعب، فالمخرج أحمد عواض الرقيب الحالى على السينما يعمل بنفس أسلوب ومحاذير توفيق صليب أول رئيس للرقابة.
الأزمة الكبرى تتمثل أيضا فى أن اعتراضات الرقابة على معظم المشاهد تكون مبالغا بها، بل إنها تتورط فى الدعاية المجانية لأعمال لا تستحق كل ذلك الضجيج والصخب الإعلامى، ومنها الأزمة التى افتعلتها مع فيلم «أسرار عائلية» للمخرج هانى فوزى بدعوى أنه يروج للشذوذ، رغم أن كل من شاهد الفيلم يعرف تماما أنه عمل أخلاقى لا يروج لأفكار خاطئة ولا يتضمن مشاهد جريئة.
ورغم المحاولات المستمرة من صناع السينما والنقاد السينمائيين ومطالبتهم بالحد من دور الرقابة إلا أنها باءت بالفشل، لتتعرض مؤخرا أعمال مثل «لا مؤاخذة» للمخرج عمرو سلامة، لصراع حاد مع الرقابة رغم أن العمل يعالج فكرة التصنيف الدينى بشكل رائع، وبعد السماح بعرض الفيلم وجدنا أن العمل حقق نجاحاً كبيراً ولاقى استحسان الجمهور والنقاد ولا يوجد به ما يستحق كل هذا الضجيج الرقابى.
من جانبه، قال الناقد عصام زكريا لـ«اليوم السابع» إن الرقابة فى مصر تمر على مرحلتين، فهناك مرحلة أولى على السيناريو، والثانية على الفيلم بعد انتهاء تصويره، وفى حالة فيلم «لا مؤاخذة» تم الاعتراض على السيناريو وبعد مشكلة كبيرة مع الرقابة تم تصوير الفليم بدون حذف أى جزء من السيناريو، وعندما عرض العمل فى السينمات وجدنا أن الاعتراضات الرقابية على الفيلم فى غير محلها، وأن الفيلم لا يوجد به ما يستحق كل هذا التعنت.
أما فى حالة فيلم «أسرار عائلية» فكان الأمر مختلفا، حيث أبدت الرقابة موافقتها على السيناريو وحصل على تصريح رقابى، وعند انتهاء من تصوير الفليم اعترض عليه مجموعة أخرى من القائمين على الرقابة، وهو ما يدعو إلى الدهشة والاستغراب.
وشدد زكريا على ضرورة تعديل قانون الرقابة بحيث تكون هناك رقابة على الفيلم بعد ما ينتهى تصويره أو السماح للشركة المنتجة للفيلم بأن تختار أن تقدمه كسيناريو، أو لا تقدمه وتكتفى بعرض الفيلم على الرقابة بعد انتهاء تصويره.
وأوضح أن الرقابة بشكل عام تتبع نفس المنطق والأسلوب القديم، ولم تأخذ فى حسبانها أن هناك سنوات مضت، تغير خلالها العالم بشكل كبير وسريع، وأصبحت الأفلام متاحة للجميع من خلال شبكة «الإنترنت» أو الـ«دى فى دى»، فالجمهور يشاهد ما يريده بدون رقيب، فهناك ازدواجية غريبة، وأسلوب تفكير غير منطقى بالمرة، ويتعاملون مع الأفلام بأسلوب قديم جدا.
وأضاف أن الرقابة طوال السنوات الماضية لم تستطع أن تمنع شيئا عن الناس، فما بالنا بالعصر الحالى، فلو حاولت الرقابة منع أى فيلم من العرض سيكون فى صالح العمل من خلال الضجة الإعلامية التى تنتج من الصراع المتبادل بين الرقابة وصناع الفيلم من خلال الحديث مع وسائل الاعلام والصحف، وسيتم مشاهدته بالملايين من خلال مواقع الإنترنت، ولكن فى حين سماح الرقابة له بالعرض فى دور السينما لن يشاهده أكثر من 10 آلاف فقط. وأكد أنه طالب أكثر من مرة بأن يقتصر دور الرقابة على التصنيف العمرى فقط، وأن يكون كل شخص رقيبا على بيته ونفسه، موضحاً أن الشخص الذى يتابع الإنترنت هو رقيب نفسه داخل البيت وهو الأخطر، فماذا عن الشخص الذى يذهب إلى دور السينما وسط الناس، ومع ذلك اعتاد الناس خلال الـ10 سنوات الأخيرة على أن يكون كل فرد رقيبا على نفسه، فليس من المعقول أن يكون كل من يجلس بالبيت يشاهد أفلاما إباحية، ويجب أن يكون كل شىء مباحا أمام الناس وكل شخص يختار ما يريده، وفى نفس الوقت يكون هناك إرشاد وتصنيف عمرى للأفلام بأن المحتوى به مشاهد عنف أو جنسية. وقالت الناقدة ماجدة خير الله إن وجود الرقابة حتى وقتنا هذا هو شىء بدائى ومقيت جداً، وانتهت من العالم كله، مطالبة بأن يقتصر دور الرقابة على الإرشاد فقط من خلال التنبيه إلى المراحل العمرية المناسبة للأعمال الفنية ولا تتدخل الرقابة بهذا الأسلوب المستفز وغير المبرر.
100 عام من العزلة الرقابية على السينما.. الجهاز يعمل بفكر ما قبل الحرب العالمية الأولى.. عصام زكريا: تقدمنا بمشروعات للتطوير لكن "الخوف" يسيطر على الرقباء.. وماجدة خير الله: العالم تخلصت منها
السبت، 22 فبراير 2014 09:20 ص