يبدو كأنها رغبة دفينة فى البحث عن الذات عن القدرة على عمل شىء ما، فى الماضى لم يكن أحد يجرؤ على أن يرفع صوته بالكلمة، فمابالك بمن يفعل، ويتحرك ويغلى ويعلو صوته، يكتشف قدراته لأول مرة، يعرف أنه قادر على عمل شىء، لا يفكر إذا كان عملا تخريبيا أم لا، فقط هو عمل جماعى! يندس فى الجماعة ويسير على طريقتها، من الممكن أن تكون محقة أو تكون غوغائية، يشجعه النداء على النداء كما يساعده التخريب على إخراج طاقة مكبوتة منذ أعوام طويلة ظلت فى طى الكتمان، ما أن وجدت الفرصة للخروج حتى عبرت عن نفسها؛ ربما لا يهم تلك الجماعة ما تفعل، ولكن يهمها فقط أنها عرفت أنها تستطيع أن تفعل، تستطيع أن تهدم، كما تستطيع أن تبنى، أرادت من قبل أن تهدم المعبد؛ علىّ وعلى أعدائى مثل شمشون، ولكنها لم تستطع فى الزمن الماضى، كان القمع شديدا، لم تكن تعرف سوى نفثات قليلة على فترات متباعدة، كان ضحيتها أبطال باءوا أما بالسجن أو التعذيب أو كلاهما أو بإهدار الحياة كلها والإقصاء عن هذا العالم.
فلنجلس الآن لنتناقش فى كل المجالات، كل مجال على حدة، دعونا نؤجل الوقفات الاحتجاجية، نحن نحتج على أنفسنا؛ دعونا ننهى الاعتصامات وما قد يصحبها من فقد، ونجلس لنتناقش على أرض الواقع، نتساءل بالأرقام، ما دخل البلد من الموارد المختلفة؟ فيم ينفق؟ مادخل البترول مثلا، أليس البترول فى أرض مصر؟ يعنى كل مواطن من المفروض أن يشعر بعائده عليه؟ أم أن هذا العائد يختص به فقط العاملون بالبترول والصفوة من موظفى الدولة؟ دعونا نتناقش لم صارت فرص التوظيف فى الشركات تقتصر- وعلانية- على أبناء العاملين وأصحاب الحظوة والمحاسيب فقط من أبناء الكبراء والنخبة؟ هذا فى الحقيقة محو للثورة، كأنها لم تكن، متى يجوز لنا أن نطبق مبدأ المساواة فى الفرص، ومبدأ الرجل المناسب فى المكان المناسب؟ يحب أن نعود إلى الحق فى كل المجالات، والعود أحمد كما يقولون!.
من حقنا؛ بل من واجبنا أن نثور، الثائر يحرك مرجلا داخله خلقه الله للثورة، ولكن يجب أن يثور لأسباب مناسبة، وفى المكان والزمان المناسب وبالطريقة المناسبة، على دكتاتور أو حكومة أو أى ظلم يقع عليه، "إلا من ظلم "؛ تناقش الدولة الآن فى الحد الادنى والأعلى من الأجور، ألا تدرك ببساطة الفروق التى يعامل بها عمال وموظفو المصانع والشركات والقطاع العام عن موظفى الحكومة؟ ألا يعرفوا تلك الهوة السحيقة بين الاثنين، بل وبين الشركات بعضها وبعض، وأيضا فى البنوك، الحكومية وبنوك القطاع الخاص! هذه أشياء معروفة للجميع، وكان الأجدى للدولة أن تبدأ الإصلاح من هنا، من إزالة أو محاولة إزالة الفروق الهائلة فى الدخول بين تلك القطاعات المختلفة، هذه فى حد ذاتها ثورة، نحتاج إلى ثورات فى التعليم والزراعة والصناعة وكل المجالات.. نحتاج أن نثور مثلا على ما يسمى بعبع الثانوية العامة، ونحاول أن نجلس سويا ونبحث عن مخرج من أسلوبنا الذى اعتدنا أن نتصرف به، (وهو ألا نتصرف!) فقط نقول : (بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) البقرة - 170
خذ هذا مثالا واحدا فى فرع واحد من فروع الحياة ولك أن تبحث فى أمور السياسة والتجارة والاقتصاد والصناعة والجمارك الباهظة والضرائب وانعدام النظر إلى المستقبل بصورة واعية، كل مجال من هذه المجالات فى حاجة إلى ثورة، فنحن فى 25 يناير و30 يونيو انما أشعلنا شرارة ثورة، ويجب علينا أن نبدأها ونستمر فى إشعالها، ليس بالعنف والقتل والاغتيالات ولكن بالحب والتفكير الهادئ وإشراك أصحاب العقول من مفكرين وعلماء، كل فى فرعه بحيث تستفيد منهم الدولة وتشتعل بأفكارهم جذوة الثورة.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة