يمكن ببساطة وبحيادية القول إن حلقة ليلة الأمس – الأربعاء - من "شاعر المليون" كانت متميزة بكل ما حمل الشعراء من قصائد إلى شاطئ الراحة.
ولم يكن تقارب وارتفاع الدرجات التى منحتها لجنة التحكيم للمتنافسين الثمانية إلا دليلاً على جودة ما قدّموه، والذى امتاز بكثير من الإبداع والشطحات الصُّوَرية؛ العميقة فى دلالتها، القوية فى معانيها، الرصينة فى طرحها، فشعراء الأمسية الثانية من برنامج "شاعر المليون" احتفوا بالكلمة أيّما احتفاء، وانتقوا المعنى أيّما انتقاء، فكانت نصوصهم غنية جداً بالموسيقى والصور والمحسنّات، فدلوا على خبراتهم فى كتابة الشعر، وعلى وعيهم كذلك.
شاهد ملايين الأشخاص واستمعوا إلى ما جادت به قريحة الشعراء الذين جاءوا ليمثّلوا بلدانهم شعراً وذائقة وحضوراً، وهم أحمد الأسيحم، وديع الأحمدى من السعودية، بخيت على البريدى المرى من قطر، بدر بندر العتيبى من الكويت، سلطان المريخى المطيرى من السعودية، حمد البلوشى من الإمارات، خميس الوشاحى من سلطنة عمان، فلاح حيال البدرى من العراق.
كان الشعراء على أهبة الاستعداد، وعلى جناحَى القلق والترقب، لكنّ لا شىء يمكن أن يعادل الفرح الذى غمر الشاعر الفائز وهو عبد الله محمد السرحان من الأردن؛ إذ حصل من اللجنة فى الحلقة الماضية على درجة 39 من أصل 50 درجة، لكنه ليلة أمس حصل على أعلى درجات التصويت وهى 62%، وكذلك الشاعر على الغنبوصى التمامى التميمى من سلطنة عُمان بمجموع درجات 52%، ليكونا إلى جانب زميليهما عساف التومي، ومذكر الحارثى اللذين فازا الأسبوع الماضى بتصويت اللجنة.
فيما حصل بقية شعراء الحلقة الأولى على درجات أقل، إذ بلغ مجموع درجات التحكيم وتصويت الجمهور لكل منهم: أحمد المجاحمة من الكويت 48%، عايد الرشيدى من السعودية 47%، محمد سالم الأحمدى من اليمن 47%، ناصر الدوسرى من الكويت 43%.
وبينما غادر 3 شعراء المسرح استطاع شاعر واحد الاحتفاظ بموقعه للحلقات المقبلة، إذ عمَدَت لجنة التحكيم المكوّنة من د. غسان الحسن، سلطان العميمى مدير أكاديمية الشعر، والشاعر حمد السعيد؛ إلى منح بطاقتها الذهبية للشاعر أحمد المجاحمة، وكما قال د. الحسن فإنه من حق اللجنة إعادة شاعر واحد إلى أجواء المنافسة، وقد وقع الاختيار على المجاحمة، وتمّ ذلك بناء على رأى موحد لا يعتمد على من هو صاحب أعلى الدرجات، إنما على الحضور، وعلى القيمة الشعرية التى قدّم.
رسالة الأسيحم إلى وطن
على مسرح شاطئ الراحة اصطف الشعراء الثمانية الجُدد الذين وقع عليهم الاختيار للتنافس، إذ قدّم شعراء ليلة أمس مزيجاً من الشعر والسحر، فاستحقوا إعجاب لجنة التحكيم والجمهور داخل وخارج مسرح شاطئ الراحة، بدءاً من الشاعر أحمد الأسيحم الذى كتب وألقى (رسالة إلى وطن)، ما استدعى الناقد حمد السعيد لوصف الشاعر أنه بطل، والنص فهو نصٌ لا يكتبه إلا شاعر بطل.
وجاء فى النص:
هزّيت باب القيود وطاح عفوى قبل الأفراح على دروب التجاهل منك والنية مطيّه
دوّرت لك عذر عن شرهة جفاك وباب مخراج فى حزّة الجوع وايدينك سحاب وحاتميّه
محتاج أفضفض على صدرك وابى منعاً للإحراج إن شفت دمعه تجاهلها ترى ما هى خلّيه
حتى تجاعيد حزنى ما تمل الضيق لِـ داج يستعذبن التعب من حسن بال وحسن نيّه
اليا متى وأنت تبنى من جفاك لقربى سياج وأنا اللى أغليك بالحرمان من قبل العطيّة
يكفى جراهيد بيدك فى عونى مثل الأبراج وانهار تجرى لو أكثرها سراب ومهمهيّه
يا ما على شانك نشت الحنايا قدّح وسراج ونزر بيرق شموخط بالصفوف الأوليّة
يا ساقى الطهر زرعى مرتوى من بير هدّاج وصّ البعيدين أنا مانى بحاجه للوصيّة
أنا لو اقطع شرايينى تعب ما اسمع لـ هرّاج حافظك بالصدر وضلوعى على سورك قويّه
سنابل القمح مليانه حبوب وماك ثجّاج وأنا اتعفف لك بصبح البيادر مقدريّه
ياهى كبيرة ولدك العود لو ناداك محتاج وأنت الكريم الجواد من العطا كفك نديّه
تدرى متى الجرح ما يلقى لنزفه حل وعلاج لَـ صرت محتاج وتردد لهم نفسى غنيّة
د. غسان الحسن قال إن الشاعر بدأ من قمة المشكلة من خلال مطلع النص (هزّيت باب القيود)، فكانت البداية قوية، ثم راح الأسيحم إلى التفاصيل، حيث كتب للوطن الذى يعزّ، وللوطن الذى لا يأخذ من الآخرين شيئاً، وقد جاء العنوان معبراً عما فى النص حيث كانت الدلالة قوية للوطن، لأى وطن كان، أما الأبيات فقد تدرجت وصولاً إلى البيت الأخير (تدرى متى الجرح ما يلقى لنزفه حل وعلاج/ لَـ صرت محتاج وتردد لهم نفسى غنيّة)، وبينما كان الخطاب مباشراً، إلا الشاعر فى الشطر الأخير تخلى عن الخطابية، وحسب وصف د. الحسن كان النص جميلاً.
سلطان العميمى رأى أن ليلة الأمس بدأت مع إبداع شعري، وقد بانت عناصر تميزٍ فى النص، حيث لم يغلب الموضوع على الشعر، وكان الخطاب راقياً وكذلك العتاب، إلى جانب الحديث مع وعن الوطن، والبوح، وظل الخطاب الراقى سائداً وهو ما أثبته البيت (أنا لو اقطع شرايينى تعب ما اسمع لـ هرّاج/ حافظك بالصدر وضلوعى على سورك قويّه) الذى جاء دليلاً على الحب والإبداع معاً.
حمد السعيد أشار إلى الطَّرْق (البحر) المميز الذى كتبه عليه الأسيحم، وهو طرْق لا يكتبه إلا المبدعون، كما نوّه إلى الرقى فى مخاطبة الوطن بأسلوب جميل، وإن كان هناك عتب واضح برز فى البيت (يكفى جراهيد بيدك فى عونى مثل الأبراج/ وانهار تجرى لو أكثرها سراب ومهمهيّه)، أما قفلة النص فقد كانت ذكية وبديعة، حيث اختصر الشاعر كثيراً من الكلام إذ قال (تدرى متى الجرح ما يلقى لنزفه حل وعلاج/ لَـ صرت محتاج وتردد لهم نفسى غنيّة).. وختم السعيد بقوله الإبداع ليس مستغرباً على الأسيحم.
المري.. موهبة منافسة
بخيت على البريدى المرى كان ثانى شعراء الأمسية، حيث ألقى نصه الذى قال فيه:
من بلاد اللى وضع له على القمه شداد اعتلاها وامتلت كفه امن حبالها
وأصبحت من عقب ذيك الصلافة والعناد له ذلولاً طايعة واطوّع امن إضلاعها
كم زرع بقلوب شعبه وباشره الحصاد يزرع الطيبه ونثمر بعشر امثالها
ما يكيف راسه البن وانواع القناد كل ما فاحت مصيبه شرب فنجالها
سيدى يا مراية الخير يا عكس الفساد العلوم اقصارها خير من طوالها
انفتح لى باب الابداع واعلنت الجهاد فى سبيل احلامى اللى وقفت اسعى لها
واقبلت لى بيض الايام بثياب جداد البشاير توها والسعد يبرا لها
فى بلادٍ تسحر قلوب وعيون العباد كنت ضيف وقدنى اليوم ضمن اعيالها
نار زايد وان توفى مهى ترجع رماد وقفة عياله وقود يزيد اشعالها
جيث بأفكار لو انها وسط سوق المزاد ارخصت بعض الهوامير روس اموالها
لا بدا صبحى وهبت نسانيس الشمال قمت اسابق لى حمامه على موالها
آعدى عدى الذيابه وادوّر لى مراد فى عيونى فرصة لازم استغلالها
اقدّر اسمى مكانى بميدان الطراد دبك خيل وكل أصيله تحت خيالها
والرجال اللى سواتى هقاويها بعاد تقصر شبوح الدرابيل دون آمالها
سلطان العميمى أكد أن النص ينم عن موهبة قادرة على المنافسة، حيث جاء التسلسل جميلاً فى البناء، وبدت كتلة النص واحدة، وما أعجبه توظيف أربعة كائنات حية (الذلول، الحمامة، الذيب، الخيل) بشكل أعطى النص روحاً ذات دلالات.
والنص جاء جميلاً جداً - كما قال حمد السعيد – الذى لفت إلى البيت (من بلاد اللى وضع له على القمه شداد/ اعتلاها وامتلت كفه امن حبالها)، حيث حمل تشبيهاً جميلاً يجذب المتلقى ولو أن المرى شح فى البيت العاشر الذى قال فيه (جيث بأفكار لو انها وسط سوق المزاد/ ارخصت بعض الهوامير روس اموالها)، غير أن الباحث عن المعنى يصل إلى ما يريد، فحب الوطن بدا واضحاً، وكذلك ما له بمسرح شاطئ الراحة (اقدّر اسمى مكانى بميدان الطراد/ دبك خيل وكل أصيله تحت خيالها)، موضحاً أن مفردة (تَوْها) التى جاءت فى البيت (واقبلت لى بيض الايام بثياب جداد/ البشاير توها والسعد يبرا لها) تعنى قُدّامها أى أمامها، ثم أشار إلى أن ذلك النص لا يكتبه إلا شاعر محترف.
من ناحيته فصّل د. غسان الحسن جهة انتماء النص إلى الشعر الثقيل أى شعر الأسلاف، كما رأى فى النص ثلاث فقرات، غير أن الربط بين الفرتين الأولى والثانية لم يكن جيداً وعند البيت (سيدى يا مراية الخير يا عكس الفساد/ العلوم اقصارها خير من طوالها ) كان لا بد من تجسير الفجوة بشكل أجود مما جاء عليه.
بندر.. ترابط وتسلسل
أولى الكلمات التى قالها حمد السعيد إعجاباً ليس فقط بالمقدمة إنما بالنص كاملاً: (مبدع هذا المساء.. مبدع أيها الشاعر) وذلك على النص الذى اختاره ليلقيه على مسامع الجمهور، والذى قال فيه:
نعرف الليالى والليالى تعرف تدور لا راحت وهى متأنية جات عجلانة
بما تحمل من أمطار خير وعواصف جور تجوب الزمن وعروقها الخضر رويانة
صواديف والدنيا بحر والعمر بابور مسيرة بحكم الله ما هو حكم ربانة
بهذا المطلع قدم الشاعر بدر بندر العتيبى نصه مضيفاً:
نزاول حياة زايله حقٍ وزور عسانا نحصّل ما تعبنا على شانه
نعانى من الظاهر ولا نعلم المستور جيوب السنين من المقادير مليانة
بنفنى وما فالكون من خاوى ومعمور بيفنى ويبقى خالق الكون سبحانه
مصير الأوادم فى النهاية بطون قبور على كثر ما تاكل من الناس جوعانه
تزايد ولا للعمر قصره وطوله دور تلهم مشيبه وأتلذذ بريعانه
وانأ قلبى اللى كل ليله على يثور تزاحم خساير تضحياته فميدانه
يا كم حلم قربه الزمان لبصيص نور ودعاه الظلام وفك للريح جنحانة
نسيته وشيّدت الأمانى لصدرى سور عزومى مماليكه وحراس بيبانه
أغنى عن اللى راح للماضى المهجور وأنا أرسم خطط مستقبلى فوق كثبانه
أعاند جفافى وأنفث بصوتى الممطور عروق الشجر وارجّع الروح لأغصانه
ابسمح على ظهرك وبا تطير يا عصفور لا سال الربيع ولوّن الورد بالوانه
حمد السعيد قال إن البيت (بما تحمل من أمطار خير وعواصف جور/ تجوب الزمن وعروقها الخضر رويانه) حمل إيمان الشاعر المطلق بالمقادير، وكذلك (نعانى من الظاهر ولا نعلم المستور/ جيوب السنين من المقادير مليانه.
ثم ختم باستشهاده بالبيت (ابسمح على ظهرك وبا تطير يا عصفور/ لا سال الربيع ولوّن الورد بالوانه) الذى يدل على أن الأحلام لم تثن عزيمة بدر، وما أعجب السعيد الترابط والتسلسل بين الأبيات، وكذلك أن كل بيت يمكن أن يكون مثلاً يدرج على الألسن (نعرف الليالى والليالى تعرف تدور/ لا راحت وهى متأنية جات عجلانة)، حيث يبدو أن كل بيت جاء على حدة، وتلك حرفة شاعر مخضرم.
د. غسان الحسن رأى أن القصيدة تمثل أزمة الإنسان المحكوم بالمقادير وبحكم الله، وفى النصف الثانى خص الشاعر الإنسان من بين عناصر الكون، وجاء على مسيرة حياته، وعلى الرغم من كل ما يفعل الشاعر إلا أنه يدرك أن (المقادير) مكتوبة، والقصيدة بمجملها جميلة بوعيها الثقافى والديني، وفى بنائها المحكم والرائع، وفى جمالياتها الواردة فى الجمل الإسمية والفعلية.
سلطان العميمى وصف الشاعر بالهدوء، لكن نصه جاء عكس ذلك، وهو دليل على أن بدر يشهد صراعاً داخلياً، ثم إن ما يميز النص أنه لا يذهب إلى النصح إنما إلى التأمل، كما أشار العميمى إلى البيت الأول الذى ضج حركة من خلال المفردات (تدور، راحت، جاءت، عجلانه)، مبدياً إعجابه بالبيتين (ابسمح على ظهرك وبا تطير يا عصفور/ لا سال الربيع ولوّن الورد بالوانه)، و(يا كم حلم قربه الزمان لبصيص نور/ ودعاه الظلام وفك للريح جنحانه).
البلوشي.. الشاعر الفريد
(الصفيرا) كان عنوان نص الشاعر حمد سعيد البلوشى إذ قاله فى "مربوعته"
قاف الشعر اتدن رعوده
والجيّد بيجود بجوده
وأنغام الليله مفنوده
بيرددها حتى الصم
-------
ببداها أول مبدأها
عن سعدى وش هو مبدأها
القلب الباير قداها
لو ماله يد ولا فم
-------
قدّاها للدرب المايل
وأبوها للموت يخايل
بن غانم فى كفه شايل
موته لو راح ولو تم
-------
كل هذا بأسباب خيانه
ريح ودخلت من بيبانه
راس ورخصت به أعيانه
يا سالم فعلك ما رم
-------
قصدى بو ليلى المهلهل
ودموع أحبابه تتهلهل
يوم أنه لربوعه منهل
بيره م العزه كم زم
-------
وأضاف:
ومن ينوينا لو بالخوصة
أيده من جنبه مقصوصة
يحسب بالشبر والبوصة
قبل ف بحرالموت يطم
أنت شاعر فريد فى شاعر المليون منذ أول موسم فيه.. هذا ما رآه د. الحسن، وعبّر عنه قبل أن يبدأ بتفصيل رأيه فى النص، إذ قال: ثمة هناك جوانب فنية فيه، فالبحر من باب البحر المتدارك، ويقام عليه فن البستة المحلى، وهذا البحر عادة يستخدم فى القص، وممن كتب عليه حميدان الشويعر، والطريقة التى كُتب وفقها هذا النص هى المربوعات المكوّنة من أربعة أشطر، حيث القافيتان متبادلتان، ولهذا فقد أحسن الشاعر وأجاد إذ جاءت الكلمات متساوية، كما استخدم أسماء شخصية معروفة مثل الزير سالم، وأدى النص بطريقة لافتة.
سلطان العميمى وصف أن النص لا يعرف الهدوء من أول بيت وحتى آخر بيت، فهو متحرك مع الإيقاع الموسيقى والصورة الشعرية، فيما جاء البناء موفقاً، وقد وظف الشاعر مفردة (خوصه) بشكل وبتصوير جميلين جداً (ومن ينوينا لو بالخوصه/ أيده من جنبه مقصوصه)، وبالتالى يستحق حمد البلوشى تشجيع الجمهور مثلما قال السعيد، لا سيما أن النص جاء متميزاً، إلى جانب الأسلوب المروبع أو "البستة" الفن الذى يستخدم عادة فى الكوميديا، لكن الشاعر استخدمه بشكل جاد، وسخره للمسرح، أما الرمزية والجناس فكانا حاضرين.
الوشاحى.. نص متماسك
خميس الوشاحى أعلن على الملأ (توبة) قال فيها:
كلتنى وجوه الناس يا حساسى المهزوم اولّى لوين وزجمة وجوده تتبعني
أسيّل دم أشعارى علشان تحيا قوم وإذا طحت محدٍ مدّ لى يد ترفعنى
نذرت العمر شاعر ولا بان لى مقسوم سوى قول ناس: طيب إن غبت وش يعني
أكون أصدق أكثر اشعر بخاطرى مقسوم بى أشياء تدفعنى.. بى أشياء تمنعنى
تلبست دور الزاهد العابد المهموم هزمنى حكى بنت: أنا أرجوك تسمعنى
سكت ونطق لى صدرها المرهق المزحوم بآهات حزن ومن تناثرت جمعنى
جرف بادية عمرى لبحره وذقت العوم على يا وين يا موج المقادير تدفعني
وتسلقت ع كتافٍ وطاحت على نجوم وأنا ما استرقت إلا علوم تروّعنى
تعب كل ما حطيت راسى تطل حلوم أنا تايبٍ يا زاير الليل ودّعني
هنا ف المدن ما يصعب إلا الصدق والنوم أحسن ان ما به مرقدٍ عاد ياسعني
تضيق البسيطة بى وانا شاعر موسوم بحب الرحابة والفضاءات تمتعني
أهيم الأوادم صاحية والظلام يشوم قريب الأذان وزحمة وجوه تتبعني
أشار سلطان العميمى إلى موهبة الشاعر، وإلى شعلة الأمل التى يحملها، حيث حلّت الصور الشعرية فى نص متماسك (تعب كل ما حطيت راسى تطل حلوم/ أنا تايبٍ يا زاير الليل ودّعني)، لولا أنه كان يتمنى على خميس أن يطوّر تلك الصور.
وما أثار انتباه حمد السعيد استخدام الشاعر فن المنكوس فى ذلك النص، وهو أمر نادر عند أهل عُمان، والنص بشكل عام بدا جميلاً، ومما أعجب السعيد البيت (هنا ف المدن ما يصعب إلا الصدق والنوم/ أحسن ان ما به مرقدٍ عاد ياسعني) وكأنها الخلاصة، والمعنى كان واضحاً وجميلاً، أما البيت الآخر الذى أشار إليه السعيد (نذرت العمر شاعر ولا بان لى مقسوم/ سوى قول ناس: طيب ان غبت وش يعني) فهو يحاكى بيتاً قديماً، ويشير إلى إحساس الشاعر الواضح بالألم.
فى النص شيء من التورية كما قال د. غسان، فالشاعر يعيش أزمة فى حياته، وقد أحسن فى كيفية استحضار الصور كما فى البيت (وتسلقت ع كتافٍ وطاحت على نجوم/ وانا ما استرقت إلا علوم تروّعني)، وختم د. الحسن بقوله: إن فى النص روعة وجمالية كثيرين.
المطيري.. سلطان الشعر
سلطان المريخى المطيرى ألقى (أفكار راسي)، وكان مفاجئاً للجنة التحكيم، إذ قال فى ذلك النص المبدع:
تغرّب الحرف عن داره لعين المرام من ودع احباب قلبه بالوداع الأخير
سافرت باسم القصيد اللى عليه الكلام يا عاشقين اللقى صدر المعانى كبير
نثرت مسك البداية قبل مسك الختام بحروف أزكى من العنبر وريح العبير
غنّى لى من بين النفل والخزام واستبشر الشعر بحضورى وطاب المسير
سكرت باب المعاتب والمعاتب سهام وركّزت رمح الهقاوى بالزمان المرير
الليلة أفكار راسى مثل سرب الحمام خلونى افرد جناحين القصيدة واطير
تسلل النور فى صدرى وضاق الظلام وعزفت لحن التفاؤل للسراج منبر
ف عيونى الحلم وف قلبى نشيد السلام واللى تحت راية التوحيد سيف شطير
أمشى على درب جدانى ودرب الإمام اللى على سنة محمد وصحبه تسير
ما غيرونى غزاة الفكر بين الانام العين تبصر لهم والعقل فيهم بصير
جونا مع الدين بخيول عليها لجام يفرح بهم راعى الفتنة وعقل الغرير
ظنوا بأن الحقايق مثل روس النعام والحق كلمة نطق فيها سجين الضمير
تحشموا باللحى تجار دين وكلام قوم حسنهم على قطب المفاتن امير
صلّوا على دارهم من دون قبلة وامام الله أكبر على الظالم وبئس المصير
عاشوا على رقابهم هيبة بريق الحسام ونموت برقابنا بيعة ومجد كبير
(أنت سلطان الشعر).. هكذا وصف حمد السعيد الشاعر سلطان المريخى المطيري، فكل ما فى نصه يدل على حبكة الشاعر المبدع، أما البيت (سافرت باسم القصيد اللى عليه الكلام/ يا عاشقين اللقى صدر المعانى كبير) فقد مثّل دخولاً ذكياً إلى متن النص الذى أراد المطيرى قوله، وأضاف السعيد أن صاحب النص بدأ بتمهيد جميل (ف عيونى الحلم وف قلبى نشيد السلام/ واللى تحت راية التوحيد شيف شطير ) دلالة على العلم السعودي.
أما البيت (أمشى على درب جدانى ودرب الإمام/ اللى على سنة محمد وصحبه تسير) فهو تأكيد على الثبات والتمسك بالقيم، ودل البيت (ما غيرونى غزاة الفكر بين الانام/ العين تبصر لهم والعقل فيهم بصير) على النضج الفكري، وكانت فى (ظنوا بأن الحقايق مثل روس النعام/ والحق كلمة نطق فيها سجين الضمير) إشارة إلى أحمد بن حنبل.
وبشكل عام لدى الشاعر طرحاً جميلاً وراقياً ورمزية بدت واضحة فى البيت (تحشموا باللحى تجار دين وكلام/ قوم حسنهم على قطب المفاتن أمير)، والنص حسب د. غسان الحسن جاء جميلاً ومترعاً بالفكر والجمال، ويدل على ذلك (غنّى لى من بين النفل والخزام/ واستبشر الشعر بحضورى وطاب المسير) و(الليلة أفكار راسى مثل سرب الحمام/ خلونى افرد جناحين القصيدة واطير).
وبنظرة عامة للنص يجد أن يمثل الوعى والتوعية هناك توطئة لزخم فكرى متميز، فالشاعر يعى ما يقول، ويحذّر مما حوله، وهو ما ركز عليه سلطان العميمي، حيث الشعور بالمسؤولية والإبداع عند الشاعر قضيتان متلازمتان فى وجه المتاجرة بالدين، مشيراً إلى روح التفاؤل التى اتضحت فى البيت (تسلل النور فى صدرى وضاق الظلام/ وعزفت لحن التفاؤل للسراج منبر).
وإلى فكرة النص المليء بالمفردات التى يمكن قراءتها سيميائياً، إذ هناك صور وأصوات وروائح وحركة، أما أداء الشاعر فقد جاء حضوره مميزاً.
البدري.. لفحة عشق
إلى الحب العذرى – كما وصفه د. الحسن – انتقل الجمهور، إذ ألقى فلاح حيال البدرى نصه التالي:
ألا يا زهرة العشق الكظيم استسمحك بارويك رواية وافى يعلن براتك قبل يبداها
حريص استخلص اسلوب يليق بقدرك وطاريك كما حرصى من التعقيب حيث القافيه اها
إذا سكنت مت قبله يدور الظم والتشكيك وإذا شددتها تكلف علينا دورة رحاها
محال يحمل ابياتى جمالك للعموم أحكيك أنا مانى سوات وحوش نزوة طيش مغزاها
لزوم انزّهك مجبر على سلوة عشل ماضيك مصوّم نحلة تفرز رحيقك فى خلاياها
أصيح امساك لوقلبى عصانى يفطر بخافيك لاجل همسة خفى روح هلال العيد وارساها
أنا لا شاقنى وصلك حذارى لا تظن اجيك احد النفس عن شوفه عيون لا عدمناها
مهى صدة جفا منى تصبّر والحكى ياتيك مروفة عرض لاشناب الرجال اللى حشمناها
أبوك اختار لك أم حسبها والنسب يزهيك وكاد إنها مربيتك على مكنون مرباها
دليل ان اسمك العذرى يبرهن عفة مسميك سمى ام المسيح اللى بلاها الله وابراها
على عاتق شتات افكار غيرى مانى مغنّيك حشى مانى بمن يجمع شلايا لحون ليلاها
إذا الغلا بحساب هدى الشرع ما يكفيك كفانى قولةٍ يكفى طوينا طايل ارشاها
عسى قصة قميصين يوسف تأثر فيك عساك تقدّر النفس العفيفة يوم تقراها
براة الذيب من دم القميص الأولى تعنيك معاذ الله من قدة قميصٍ ما قربناها
وأشار د. غسان الحسن إلى أولى النقاط التى تحدثت عنها قصيدة الحب العذرى تلك، والتى تدل على أن الشاعر يعيش فى دنيا أخرى غير دنيانا، وإلى أن عبارات شعرية منتقاة شكّلت القصيدة، كما بُنيت على وعى سابق بتجارب الشعراء، كما أضاء على البيت (محال يحمل ابياتى جمالك للعموم أحكيك/ أنا مانى سوات وحوش نزوة طيش مغزاها)، فى حين قال سلطان العميمى إن القصيدة تحمل ثقافة من الجانبين الدينى والحياتي، وشاعرية وجمالاً كثيرين، وهى من النوع السهل الممتنع، وفيها سلاسة وعمق كما فى آخر بيتين، أما قميص النبى يوسف فقد اعتبرها التقاطة رائعة.
وديع.. والنص النخبوي
كان آخر الذين ألقوا قصائدهم فى مسرح شاطئ الراحة ليلة أمس وديع الأحمدى الذى قال:
تومى جبال الحجاز لغربنى واكسرلك اقواس ..... صمتى وأطيّر حروفى فى سما البوح العظيمة
أحكى عن الذاكرة والحلم وأهدى صدرك انفاس سنين فى صدرى تغنّي: حليمه يا حليمه
أهيم فى كل وادى غير ذى زرع أروى إحساس كم جف ريق الحنين وشربة الظامى نعيمه
أطوف وأغسل عجاج النفس وأطرد كل وسواس زمزمك ترياق للمشتاق يبرى جرح ضميه
أصبّه برفق ينساب بفرح الكأس كأنه محب عاتق يعد تغريبة نديمه
يرسم خيالى حجيجك يوم لبوا ف أبيض لباس كأنهم غيم ودعاهم مطر يرقى بديمه
ألمس ترابك وأعود طفل لك فى ضحكة أعراس حتى لو دمعة الوحدة على خده كريمة
تضك عينى شوارعك العتيقة وأطفى الياس وأوقد أتاريك أمل تضوى من البيت وحطيمه
بين الحوارى وهذا الضيق ما ضيق وعى الناس خلق دفا وامنيات موحده وأنفس رحيمه
أضغى وكلى طرب للهرج داير بين جلاس وعابر الأماكن بالتحايا والغنيمة
كذا ليالى وأيامى غدت والشوق دساس يمرر بعرف ذاكرتى حكاويك القديمة
ما غبت عنك ترف ما ضاق بى فى أرضك نعاس تخاطفتنى يدين الرزق والحاجة لئيمه
وأنا ورب الحنين أحتاج أضمك روح وانفاس وأعود أغنى ف حارتك حليمة ياحليمة
سلطان العميمى قال إن النص نخبوى، مكثف، جمله تدل على المكان مثل (وادى، شوارع، حوارى)، وفيها حنين للمكان، وانعكاس روح المكان على الصور الشعرية بتفاصيلها الدقيقة، وهو ما يؤكد عليه البيت التالي: (يرسم خيالى حجيجك يوم لبوا ف ابيض لباس/ كأنهم غيم ودعاهم مطر يرقى بديمه)، والنص مليء بالرقة، لذلك فهو يستحق القراءة عدة مرات لاستيعاب كم الجمال والإبداع الذى فيه.
كذلك أكد حمد السعيد على جمال النص، وإلى الطّرْق المتعب للشاعر والمستمع فى آن معاً، لمن المتلقى يستوعبها بجمال بالغ، ومن الأبيات التى لقيت إعجاب د. الحسن (ما غبت عنك ترف ما ضاق بى فى أرضك نعاس/ تخاطفتنى يدين الرزق والحاجة لئيمه)، (أهيم فى كل وادى غير ذى زرع أروى إحساس/ كم جف ريق الحنين وشربة الظامى نعيمه)، كما استحضرت مفردات من الفولكلور مثل (وأنا ورب الحنين أحتاج أضمك روح وأنفاس/ وأعود أغنى ف حارتك حليمة ياحليمة.
د. غسان وجه حديثه إلى الشاعر، وأخبره أنه نقل المستمع إلى مشاهد حقيقية من الذاكرة مثل (الرحابة، الحج، الضيق، السعة، الحركة)، والنص مليء بالتفاصيل الدقيقة، ورغم طول القصيدة وبحرها الطويل؛ إلا أنها خالية من الحشو، وكل ما فيها كان خدمة للنص، وجاءت العبارات والصور متشابكة (أهيم فى كل وادى غير ذى زرع أروى احساس/ كم جف ريق الحنين وشربة الظامى نعيمه)، وكل ذلك وغيره يدل على التشابك الجميل، وعلى الصنعة والحرفة لذاك النص الرائع.
الختام المسك .. تأهل فلاح البدرى وبدر بندر
خضع جميع الشعراء الذين شاركوا ليلة أمس للاختبار الذى بات جزءاً من الحلقات، حيث وصلتهم فى المغلفات قبل الحلقة أبيات لمجموعة من الشعراء من أمثال بدر عبد المحسن، سعد بن جذلان، سعيد بن عتيج الهاملي، عمير بن عفيسه، سلمى بنت ظاهر، راشد الخلاوى، وكان عليهم الرد عليها حسب الموضوع الذى طلبته اللجنة، لكن على الوزن والقافية.
وبالعودة إلى صالون التحليل أجمع كل من الإعلامى عارف عمر ود. ناديا بوهنّاد على أن الحلقة كانت متميزة بجميع شعرائها، وبدا الشاعر أحمد الأسيحم جيداً فى أدائه، رغم أن د. بوهناد توقعت أداءً أفضل منه، لكن المتسابق لم يكن مرتاحاً فى البداية، وقد حاول التركيز مع د. غسان، وقد حصل الأسيحم على 6% من تصويت جمهور المسرح، فيما أعطته اللجنة 47 درجة من 50.
بخيت المرى كان متواضع الحضور، جيد الأداء، شعر خلال الحلقة بالراحة والثقة، كان منتبهاً للجنة، لكنه كان يحرك لسانه وشفتيه، وحصل المرى على 6% من تصويت الجمهور و45 من اللجنة.
حمد سعيد البلوشى جاء حضوره فى الحلقة رائعاً، قوياً، استعراضياً، وحماسياً، صوته كان فى بداية الإلقاء عالياً، لكنه أدى بشكل رائع، وصوّت له الجمهور بـ38%، وأعطته اللجنة 48 درجة.
خميس الوشاحي: بدا جيداً، وأدائه تناسب مع النص، كان مستعداً ومتفاعلاً مع الجمهور الذى أعطاه 7% الجمهور من التصويت، فيما أعطته اللجنة 43 درجة.
سلطان المريخى المطيرى: كان قوياً، استطاع جذب الجمهور، عبّر جسدياً وحركياً، وبدا مرتاحاً ومستعداً وعلى طبيعته طوال الوقت، وأعطاه جمهور المسرح 11%، واللجنة 47 درجة.
وديع الأحمدى: بدا جيداً، غير أن أداءه كان بالنسبة للدكتورة ناديا غريباً، ولم تَبَن على وجهه مشاعر، لكنه حصل على أعلى نسبة تصويت إلكترونى وهى 32% أعلى درجة تصويت الكتروني، وجمهور المسرح 13% الجمهور، ولجنة التحكيم 48 درجة.
- أما بدر بندر الذى تمكن من جذب الجمهور، فقد كان جيد الأداء، وفى حالة استعداد، أعطته لجنة التحكيم 49 درجة، وهى ذات الدرجة التى حصل عليها فلاح البدرى الذى بدا خلال الإلقاء قوياً، وقد جذب الجمهور بشكل ممتاز بعد أن راوده شعور بالاستغراب حين كانت اللجنة تقول رأيها فيما قدّم.
الشعراء الستة الذين لم تسعفهم نتيجة اللجنة بانتظار التصويت عبر الـSMS، وهم:
أحمد الأسيحم (رقم 2)، بخيت البريدى المرى (رقم 6)، حمد البلوشى (رقم 11)، خميس الوشاحى (رقم 15)، سلطان المريخى المطيرى (رقم 19)، وديع الأحمدى (رقم 48)، على أمل كبير بالفوز فى الحلقة المقبلة.
والجدير بالذكر أنه سوف يُبث برنامج المغانى المصاحب لـ"شاعر المليون" فى اليوم الثانى من بث الحلقة المباشرة من المسابقة، أى مساء الخميس من كل أسبوع، والمغانى من إعداد وتقديم الإعلامى المعروف عارف عمر، وخلال المغانى يتم تحليل الحلقات وشخصيات الشعراء المشاركين فى كل حلقة من قبل د.نادية بوهناد، وإلى جانبها يستضيف عارف عمر ضيوفاً لهم باع فى الشعر والنقد والإعلام.
بالصور.. فى ثانى حلقات مسابقة "شاعر المليون" على مسرح شاطئ الراحة فى أبو ظبى.. الكويتى "المبدع" بدر بندر والعراقى "العاشق" فلاح البدرى يتأهلان للمرحلة التالية.. وستة شعراء ينتظرون اختيارات الجمهور
الخميس، 20 فبراير 2014 08:28 م
جانب من ثانى حلقات "شاعر المليون"
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة