لن يكون انهيار كوبرى الشيخ منصور بعزبة النخل الأخير فى مسلسل انهيارات الكبارى فى مصر، فقد سبقه إلى نفس المصير كوبرى بركة السبع وأجزاء من كوبرى السيدة عائشة فى نوفمبر 2012 بالإضافة إلى سقوط كوبرى المشاة بالعبور، وبحسب نص القرار الصادر من هيئة الطرق والكبارى الصادر منذ نهاية 2011 فإن هيئة الطرق والكبارى اتخذت مجموعة من الإجراءات للحفاظ على شبكة الطرق والكبارى ومنع تعرضها للمزيد من الانهيار.

عدد الكبارى فى مصر، بحسب تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، وصل إلى 1530 كوبرى تحتاج إلى نحو 2 مليار جنيه للصيانة دورية لا تمتلك الهيئة منها %10 وأضاف أن غالبية جسور مصر تتحمل نسبة أوزان تتعدى قدرتها بحوالى %50 مما جعل %12 داخل دائرة الخطر، خاصة أن عمليات الصيانة شبه متوقفة فيما عدا الانهيارات والهبوط والصيانة مما يهدد بحدوث كوارث متتالية على فترات متقاربة فى كبارى مصر علما بأن الدولة فى حاجة إلى إحلال وتجديد %10 من الكبارى الموجودة الآن لخطورتها، بالإضافة إلى أن عمليات الصيانة يجب أن تتم دوريا كل 6 أشهر وبخاصة الفواصل والحواجز المعدنية وعوازل الرطوبة التى تتسلل إلى الخرسانة الحديدية.
الكارثة السابقة والتى تكتفى الجهات الحكومية بالتحدث عنها فى التقارير، يبقى الواقع فيها مهددا لحياة مئات المواطنين والذين ينتظرون مصير سكان العشش أسفل كوبرى الشيخ منصور بعزبة النخل، وهو ما رصدته «اليوم السابع» فى التحقيق التالى من واقع 4 كبارى تمثل شريان مرورى هام بالعاصمة، فمن كوبرى التونسى إلى الأزهر إلى السيدة عائشة وحتى الدائرى، تظل الأسواق والمواقف العشوائية والبيوت المتلاصقة والعشش الخشبية محل سؤال مهم.. متى ستتحرك الحكومة لمعالجة هذه المشاكل؟ أم ستنتظر حتى نفيق على وقع كارثة جديدة يروح محلها ضحايا جدد.
التونسى/ تحت الترميم منذ 4 سنوات
أسقف خشبية، أقمشة بالية تغطى الأرض، بضاعة متكدسة يفصلها أعمدة خشبية هى الحدود بين كل ورشة وما تليها، تتراص الورش بطول الكوبرى الذى يظللها من فوقها.
لا يحتاج سوق التونسى سوى «شعلة كبريت» لكى تتحول المنطقة بكاملها إلى حطام، فكل ما ينتشر فى أرجاء السوق يساعد على الاشتعال، وهو الأمر الذى وقع بالفعل مرتين سابقا، فى عامى 2010 و2013، فى حرائق لم تكتف أن تقضى على الأخضر واليابس بهذه الأسواق وإنما أيضا طالت الكوبرى نفسه، لدرجة أن هيئة الطرق والكبارى فى الحريق الأول أوقفت حركة النقل الثقيل فوق الكوبرى خوفا من انهياره.

«الحكومة لم تعرض علينا سوى محال فى 15 مايو 4 أمتار وهى لن تستوعب بضاعتنا، وحينما طالبناها بتوسيعها توقفت المفاوضات، فعدنا إلى مكان رزقنا من جديد»، كلمات يفسر بها «محمد السيد»، أحد التجار، عودة السوق من جديد أسفل الكوبرى، والتى أعلنت هيئة الطرق والكبارى عقب حريق السوق الأول ترميمه، وقتها جاء العمال بأدوات البناء، وانتشرت صور المسؤولين وتصريحاتهم بضرورة نقل السوق إلى مكان آخر حتى لا تتكرر هذه الكارثة من جديد، حيث أن تعرض الكوبرى لأى تضرر آخر سيؤدى إلى انهياره.
4 سنوات تمر على حريق الكوبرى وإعلان ترميمه، ولم يتم إصلاح سوى 3 أعمدة فقط بينما تبقى أدوات البناء كما هى، وفى الناحية الأخرى عادت الورش والعشش من جديد تملأ أركان الكوبرى.
«السوق هو رزقنا» هكذا يدافع البائعون فى سوق التونسى عن أنفسهم، مشيرين إلى أنهم لن يغادروا مكانهم إلا إذا أعطتهم الحكومة حلولا واقعية حتى إذا كانت هناك خطورة على حياتهم.. «عبدالعزيز»، أحد التجار، يقول «خطورة الحوادث أعلى الكوبرى تزداد فى حالة سقوط السيارة، وهو ما يؤدى إلى مئات القتلى»، أمر آخر يثير التساؤل حول عدم تحرك الحكومة تجاه ذلك الوضع، خصوصا أنه يتكرر سنويا، التجار يطالبون ببناء سور خرسانى للكوبرى لمنع سقوط السيارات خلال الحوادث.
عدم الاهتمام بحالة الكوبرى السيئة، فضلا عن عدم ترميمه أمر شائع بين الموجودين فى سوق التونسى، فهم يطالبون فى النهاية أن تقدم لهم الحكومة الحلول التى يصفها البعض بالواقعية، لكن هذا لا يمنع ما ينتظره الكوبرى من كارثة، نظرا لذوبان العديد من الأسياخ الحديدية الحاملة للكوبرى والتأثير على الخرسانة المدعمة لها، حيث تفتتت نتيجة الحريق، وذلك وفقا لوصف تقرير لجنة الطرق والكبارى حالة كوبرى التونسى فى أعقاب نشوب حريق ضخم فى سوق الجمعة أسفل الكوبرى منتصف عام 2010 بسبب سقوط سيارة من أعلى الكوبرى واشتعالها مما تسبب فى وقوع حريق ضخم بالمنطقة أتى على أكثر من 5 آلاف متر مربع من محتويات السوق الشهير.

السيدة عائشة/ يلقبه الأهالى بكوبرى الموت
«كوبرى السيدة عائشة يعانى من عيوب هندسية فى الإنشاء أدت إلى منحى حاد بسبب الكتلة السكنية المجاورة التى يصعب التخلص منها لإقامة كوبرى طبيعى».. هكذا قال أحد أفراد الشرطة المتواجدين بميدان السيدة عائشة، مضيفا أنه كغيره من الكبارى المصرية يعانى من ابتعاد فواصله، كما لا توجد إضاءة كافية فى مطلع الكوبرى، فتكثر الحوادث ليلا بسبب ميل الكوبرى، وهو ما اضطرت معه الحكومة إلى إغلاق الكوبرى من الواحدة صباحا وحتى السادسة صباحا، كما أن أسوار الكوبرى متهالكة، بالإضافة إلى قلة الأسفلت أو انعدامه أعلى الكوبرى.
سوق السيدة عائشة والذى يقع مباشرة أسفل «الملف» التى تحدث عنها أمين الشرطة السابق، تتراص فيه الميكروباصات ويتكدس فيه الركاب، الكل يذهب إلى عمله غير آبه لما قد يقع فى أى لحظة قد تسرع فيه سيارة أعلى الكوبرى وتنحرف عجلة القيادة عن يد السائق ويسقط أسفله.. محمود، بائع متجول، ينظر إلى الكوبرى كأفضل مكان يستطيع أن يحدث تجمع أسفله، مشيرا بكلمات لا مبالية بأن «الحياة واحدة والرب واحد».
وعلى الرغم من أن كوبرى السيدة عائشة واحد من أقدم ثلاثة كبارى مصرية إلا أن به عيوبا هندسية فى الإنشاء، فالكوبرى الذى يستقر أمام مسجد السيدة عائشة واحد من أبرز الكوارث الهندسية فى مصر، حتى أصبح كوبرى الموت، فمن أعلاه لاقى العديد حتفهم نتيجة مصادمات أو سقوط من أعلى الكوبرى ومن أسفله شب عشرات الحرائق التى سببت انهيارا جزئيا فى جسم الكوبرى، وبخاصة تلك الحادثة التى وقعت فى منتصف 2010، نتيجة الحريق الذى شب فى مخزن المضبوطات الخاص بشرطة المرافق «البلدية»، حيث قال تقرير لجنة الطرق والكبارى أن الكوبرى تعرض لأضرار جسيمة نتيجة الحريق، مشددا على ضرورة ترميمه.
ومن أسفل كوبرى السيدة عائشة تستطيع رؤية فجوات واسعة بين ناحيتى الكوبرى، والصدأ الذى أصاب حديده نتيجة لتعرضة للأمطار.
الدائرى/ «سمك.. لبن.. تمر هندى»
بيوت متراصة تكاد تلاصق شرفاتها أسوار الطريق الدائرى، خصوصا فى مناطق صفط وشبرا الخيمة وإمبابة والمريوطية، الأمر الذى يفسره أحد القاطنين بصفط اللبن بأن الكوبرى رفع من سعر الأراضى المحيطة به، بما يشجع المقاولين على البناء على كل الأراضى المتاحة حتى الملاصقة له، وبعيدا عن عوادم السيارات وأبواقها التى لا تنقطع عن سكان هذه المنازل، فإن انحراف أى سيارة ووقوعها من الكوبرى سيكون مصيره كارثى لسكان هذه المنازل. يسمى «طريق الموت» أو الطريق الدائرى سابقا، صممته الحكومة ليكون شرياناً حيوياً لتخفيف الحركة المرورية، فأصبح عائقا لها، كان طريقا سريعاً معداً لاستيعاب الكثافة المروية فتحول إلى مشكلة مرورية مزمنة، الطريق الدائرى الذى يربط ثلاث محافظات بطول 105 كيلو مترات بقدرة استيعابية تصل إلى نحو 35 ألف سيارة فى الساعة الواحدة تحول إلى واحد من أهم الكوارث فى مصر فى الطريق الدائرى، تجد كل المخالفات مواقف الميكروباص عشوائية على جانبى الطريق والمطبات فى نهره.. ومشاة يعبرون، ومقاهى وفرشات للبيع، ونصبات شاى.. حفر على طول امتداده وتجاوزات مرورية على كل الألوان وأيضا مخلفات بناء وقمامة.

الأزهر/ الفواصل الحديدية تهدده
جلس متكئا بجانب الكتب التى يبيعها، يحيطه بائعون آخرون، منهم من يبيع الحقائب والهدايا وأدوات المنزل والملابس، فسوق الأزهر يعج بالباعة الذين يتراصون أسفل الكوبرى، لكن عم سيد، بائع الكتب، كان الأكثر وضوحا لأنه يجلس مباشرة أسفل فتحة الكوبرى التى غالبا ما تقع فيها حوادث، وفقا لقوله «3 أو 4 مرات شهريا».
سيد الذى قلل من أهمية عيوب الكوبرى، أوضح أنه لا يوجد مكان آخر للباعة لكى يقفوا، ورغم أنه أشار إلى إصابة أحدهم بسبب سقوط أحد موتوسيكلات من فوق الكوبرى، إلا أنه عاد يؤكد أن الباعة لن ينتقلوا.
حالة الاطمئنان التى تسود سكان منطقة الأزهر وأصحاب المحال التجارية وسكان العمارات تهددها المنحيات القاتلة التى تملأ جوانبه دون أى إشارات تحذيرية عن وجود منحيات موت، وأسوار حديدية مهشمة وتالفة نتيجة لتعرض أجزاء منها لحوادث عديدة، تشققات فى جسم الكوبرى وفواصل حديدية بارزة.
قد يكون كوبرى الأزهر الواصل من العتبة والموسكى إلى منطقة الأزهر هو أفضل تلك الكبارى، لكنه ليس الأفضل على الإطلاق، فالكوبرى القائم منذ أكثر من 20 عاما، تعرض كوبرى المشاة القريب منه إلى انهيار فى أعقاب اشتعال كابينة كهرباء، وهو أيضا ما ينذر بكارثة فى حال تكرارها أسفل كوبرى الأزهر.
رواده يشتكون من فواصل حديدية تتسبب فى تلف عفشة السيارات، كما أنهم لا يشعرون بأى تطور فى خطط الصيانة الدورية للكوبرى التى تقتصر على أعمال الغسيل والنظافة والدهانات دون الاهتمام بجسم الكوبرى الذى يحتاج وفقا للمعايير العالمية والكود المصرى لإنشاء الكبارى صيانة دورية كل 6 أشهر.
سقوط السيارات من أعلى الكوبرى إثر الحوادث أمر لا يختلف فى خطورته عن الكبارى السابقة أيضا، فالسوق الذى يفترش الطريق أسفله، والباعة الجائلون الذين يملأون جنباته، يظلون معرضين للخطر مع أى حادث قائم، ورغم أنهم يقابلون ذلك بعدم اهتمام على اعتبار أن هذا رزقهم.

الدكتور حسن مهدى أستاذ الطرق والمرور بهندسة عين شمس قال إن الفريضة الغائبة عن منظومة الطرق والكبارى هى الصيانة والفحص الدورى الشامل لتحديد أولويات الصيانة، مضيفا أن الكبارى المصرية تعانى من مشكلات مزمنة، مفسرا حدوث انهيار بكوبرى الشيخ منصور بالمرج بتعرضه المباشر للنار لفترة طويلة أدت إلى ليونة حديد الكوبرى، مضيفا: إذ ما تعرضت أى كبارى لهذا الوضع فإنها قد تنهار.
وأضاف المهدى أن كوبرى السيدة عائشة يمثل وضعا خاصا بسبب وجود خطأ هندسى فى التصميم بسبب ميل حاد فى جسم الكوبرى، بالإضافة إلى حالته المتهالكة نتيجة تعرضه لعدد من الانفجارات والحرائق، مضيفا أن حمولات النقل الثقيل تسبب مخالفة كبيرة، لأنها تحمل أوزانا مخالفة لقدرة تحمل الطريق، ويكمل عدد من الكبارى ذى الرصف الردئ ولا تتحمل زيادة الحمولة، وهو ما يعنى ضرورة تقنين وضع الحمولات.
فى حين أن الدكتور إبراهيم الدميرى، وزير النقل، قال فى تصريحات صحفية سابقة له إن تكلفة صيانة محور 26 يوليو تجاوزت 4 أضعاف تكلفة إنشائه.