رصدت دراسة حديثة صاردة عن مؤسسة كارنيجى الأمريكية تأثير الأحداث التى شهدتها مصر فى العام الماضى، وعزل الرئيس السابق محمد مرسى على العالم العربى والشرق الأوسط.
وقال المركز فى الدراسة التى كتبها عدد من أبرز محلليه، إن عزل مرسى، وما تبعه من حملة الحكومة ضد تنظيم الإخوان كان له تأثير كبير على البيئة السياسية والأمنية والحقوقية فى مصر، إلا أن تأثير ذلك على شمال إفريقيا والمشرق العربى والخليج وتركيا كان مهما أيضًا.
ويقول التقرير، إن ما حدث فى مصر فاقم من حدة التوترات بين الإسلاميين والعلمانيين بشكل عام، ودفع المنطقة باتجاه سياسية الحصيلة صفر، أى أن الغالب يفوز بكل شىء، بدلا من بناء التوافق، فالإسلاميون الذين تصرفوا بعد وصولوهم للحكم كما لو أن وصولهم للسلطة عبر الصناديق حتمية تاريخية، أصبحوا الآن فى موقف دفاعى، بينما العلمانيين سواء كانوا فى المعارضة أو السلطة يبدون أكثر تأكيدًا لأنفسهم وأقل استعدادًا للوصول إلى تسويات، وقد أدى هذا إلى جعل بعض الإسلاميين أكثر عنادًا فى انعزالهم، بل وصل الأمر إلى حدوث انشققات بين الإسلاميين أنفسهم.
وأشار التقرير إلى أن ما حدث فى مصر، جعل الإسلاميون الآخرون أكثر تواضعًا فى توقعاتهم، وفى بعض الدول مثل تونس، قرر الإسلاميون المنتخبون تقديم تنازلات خوفًا من اندلاع مواجهة مع منافسيهم السياسيين.
وأكد التقرير أن تأثير الحدث المصرى لم يقتصر على السياسات المحلية، بل ترك بصماته أيضًا على السياسات الخارجية فى جميع أنحاء المنطقة، فبعد الإطاحة بمرسى، جرى إعادة ترتيب شراكات مصر الإقليمية تمامًا، تدهورت علاقات مصر بشكل كبير مع الدول التى كانت تقيم علاقة ودية مع الحكومة الإسلامية وانتعشت مع تلك التى عارضت جماعة الإخوان، وأدى عزل مرسى إلى تنشيط السياسات الخارجية للقوى الإقليمية الأكثر محافظة فى الشرق الأوسط بزعامة السعودية، فى حين بقيت البلدان التى لم تكن راضية عن الأحداث فى مصر (تركيا فى المقام الأول) على الهامش للاحتجاج على تصرفات الحكومة المؤقتة.
وعن تأثير مصر على تونس، يقول التقرير إن التونسيين كانوا "الشعب الوحيد الذى استفاد مما حدث فى مصر"، وفقًا للناشطة أميرة اليحياوى، فقد أدت التأثيرات غير المقصودة لعزل مرسى إلى مفاقمة التوترات، فى البداية، بين الإسلاميين وبين العلمانيين فى تونس، لكنها ساعدت بعد ذلك فى إقناع الإسلاميين إلى التوصل إلى حلول وسط لتجنب ما حدث فى مصر.
وفى ليبيا، ترددت أصداء عزل مرسى لدى مختلف ألوان الطيف السياسى، وتصاعدت حدة التوتر بين الإسلاميين وبين العلمانيين، فى بيئة سياسية وأمنية مضطربة للغاية.
وبعد الإطاحة بالمعزول، هاجمت جماعة الإخوان الليبية، التى كانت تشارك بصورة محدودة فى الحكومة فى ذلك الوقت، حكومة رئيس الوزراء على زيدان العلمانية فى معظمها، وانتقدته بسبب لقائه مع وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى فى سبتمبر 2013 الماضى. واتهمه باستغلال ما يحدث فى مصر لتحويل الأنظار عن إخفاقات حكومة بلاده.
أما عن الإسلاميين فى الحكومة المغربية، فيقول تقرير كارنيجى، إن عام 2013 صعب، ويرجع ذلك فى جزء منه إلى الأحداث فى مصر، فقد أدى انهيار جماعة الإخوان المصرية إلى تعرض حزب العدالة والتنمية الإسلامى فى المغرب إلى انتقادات حادة، وبعد مرور أيام قليلة، شهد المغرب تشكيل حركة تمرد، وانسحب حزب الاستقلال، وهو شريك رئيس لحزب العدالة والتنمية فى الائتلاف الحاكم، من الحكومة ودعا رئيس الوزراء إلى الاستقالة مثل شقيقه الإخوانى محمد مرسى.
وعن تأثير الاحداث فى مصر على فلسطين، فيرى كاتبو التقرير أنه ربما لم يتأثر أى نظام سياسى بالأحداث فى مصر أكثر من فلسطين، وفى نهاية المطاف، قد تزيد التطورات فى مصر من ترسيخ الواقع الصعب هناك، وتحدث عن حركة حماس وارتفاع حظوظها مع انتخاب مرسى، وقال إن الآمال الكبيرة كانت تحدو حماس فى أن تفضى رئاسة مرسى إلى إعادة هيكلة النظام الإقليمى، بما يسمح للحركة تحالفات جديدة تحل محل تحالفاتها مع سوريا وإيران، والتى توترت بسبب الحرب الأهلية فى سوريا، وكانت الحركة تأمل أيضًا فى أن يساعد وجود الإسلاميين فى السلطة فى مصر على كسر الحصار الذى تفرضه مصر وإسرائيل على غزة، وعلى الأطراف الدولية الفاعلة على التعامل مع الحركة الإسلامية بدلاً من الاستمرار فى إدارة الظهر لها.
وفى الضفة الغربية، أثار منظر الرئاسة المصرية وهى تذهب إلى حليف إسلامى لحماس، الخصم اللدود، قلق قيادة السلطة الفلسطينية.
فلم تنجح رئاسة مرسى سوى فى إحداث بعض التغييرات الهامشية فى السياسة الفعلية للنظام المصرى، حيث بقى معظم الملف الفلسطينى فى عهدة الجيش، وخصوصًا الأجهزة الأمنية، بدلا من نقله إلى الساسة الإسلاميين، ومع ذلك، ترتبت على سقوط مرسى عواقب وخيمة بالنسبة إلى الفلسطينيين.
وفى سوريا، زاد عزل مرسى من حدة المواجهات بين المتمردين الذين يقاتلون نظام الرئيس بشار الأسد، فقد أطلق عزله العنان لموجة من الإحباط الإسلامى، حيث بدأ الأفراد، ومعهم الجماعات التى كانت قبلت فى السابق فكرة الديمقراطية يدعون بدل ذلك إلى إقامة دولة إسلامية.
وتحدث تقرير كانريجى عن التحول: شبه الزلزالى "فى سياسة السعودية تجاه مصر بعد سقوط الإخوان، والذى تمثل فى ضخ مليارات الدولارات لدعمها اقتصاديًا".
من ناحية أخرى، مثل عزل مرسى مأزقًا لدولة قطر، التى كانت تدعم حكم الإخوان بقوة، والواقع أن هذا المأزق جاء أيضًا فى لحظة حرجة، حيث تنازل الأمير حمد بن خليفة آل ثانى عن الحكم وسلم مقاليد السلطة لابنه، تميم بن حمد آل ثانى، قبل ما يزيد قليلاً عن أسبوع من الإطاحة بمرسى.
وعلى الرغم من أن الأمير الجديد استجاب مبدئيًا للأحداث فى مصر بتهنئة الرئيس المصرى المؤقت، وهو ما أثار تكهنات بأنه يبتعد عن سياسات والده المؤيدة لجماعة الإخوان، فإن العلاقات بين الدوحة والقاهرة توترت بشكل ملحوظ منذ يوليو الماضى.
وتبدى الحكومة المصرية استياء إزاء استمرار رعاية قطر لشبكة أخبار قناة الجزيرة، التى لا تزال تنتقد عزل مرسى بشدة، وقد احتجزت عددًا من الصحفيين العاملين لحسابها فى الوقت نفسه، وأعربت قطر عن قلقها إزاء الحملات التى تشنها السلطات المصرية على جماعة الإخوان، وقدمت ملاذًا للإسلاميين الهاربين من مصر، وفى حين تبنت قطر نهجًا أقل انتقادًا وأكثر تصالحًا تجاه مصر مما فعلت تركيا، وهى حليف آخر لمرسى، لا تزال المشاعر المعادية لقطر قوية فى البلاد، حيث تبنت الدوحة اتخاذ وضعية خفيضة لأن نفوذها فى مصر قد تضاءل.
أما عن تركيا، فقد شكل عزل مرسى ضربة قوية لحزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا ورئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، إذ ترتبط الحكومة فى أنقرة بعلاقة شخصية وأيديولوجية وثيقة مع مرسى وجماعة الإخوان المصرية قائمة على أسس عميقة لحزبين إسلاميين محافظين نجحا فى الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، كما كانت العلاقة بين مصر وتركيا، والتى وصفها وزير الخارجية التركى أحمد داود أوغلو بأنها "محور جديد للديمقراطية"، عنصراً هاماً من حملة المشاركة الإقليمية التركية بعد الربيع العربى، وقد تضمنت هذه المشاركة، التى حددتها المصالح السنية والطائفية على نحو متزايد، تقديم تركيا دعماً قوياً للإخوان باعتبارهم الطرف الفاعل الأساسى فى المعارضة السورية، وإبرامها شراكة مع قطر والمملكة العربية السعودية ضد نظام الأسد.
كانت إطاحة مرسى وفشل التجربة المصرية مع الإسلام السياسى، من جوانب عديدة، بداية النهاية لهذه الحقبة فى السياسة الإقليمية التركية، وفى ظل دعم الحكومات التى يقودها السنة فى الأردن والمملكة العربية السعودية ودول الخليج للحكومة المصرية الجديدة، كانت تركيا هى الوحيدة التى اتخذت موقفاً صريحاً وقوياً فى دعم حكومة مرسى فى مواجهة الشعب، وقد أدى هذا الخلاف إلى إضعاف سياسة أنقرة المضطربة بالفعل تجاه سوريا وأوجد خلافاً جديداً بين أنقرة والرياض بشأن الأطراف التى ينبغى دعمها فى المعارضة السورية.
مؤسسة كارنيجى الأمريكية ترصد تأثير عزل مرسى على الشرق الأوسط: قطر فى مأزق.. وإضعاف سياسة تركيا المضطربة فى المنطقة.. وزيادة التوترات بين الإسلاميين والعلمانيين.. وتونس الوحيدة المستفيدة
الإثنين، 17 فبراير 2014 03:36 م