مرضى تحت رحمة الأخطاء..الاكتفاء بتحويل الأطباء للتأديب..علاء غنام: مجالس الشعب تجاهلت إقرار مشروعات قوانين مقدمة من المجتمع المدنى..جمال مؤمن:الطب الشرعى يعتمد على تقارير المستشفيات التى تخفى أخطاءها

السبت، 15 فبراير 2014 06:47 م
مرضى تحت رحمة الأخطاء..الاكتفاء بتحويل الأطباء للتأديب..علاء غنام: مجالس الشعب تجاهلت إقرار مشروعات قوانين مقدمة من المجتمع المدنى..جمال مؤمن:الطب الشرعى يعتمد على تقارير المستشفيات التى تخفى أخطاءها صورة أرشيفية
كتبت آية نبيل وإلهام زيدان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نسيان حقنة منع التجلط يودى بحياة نادية.. وعصام خرج بإعاقة وتقرير المستشفى يبرئ نفسه.

"تجلط بالرئة" كانت جديرة بإنهاء حياتها، فما كادت أن تنهى عملية تركيب شريحة ومسامير بساقها الأيسر، حتى لاقت أنفاسها الأخيرة المتحجرة بعدما نسى الطبيب إعطاءها عقاقير منع تجلط الدم، التى كان من المقرر أن تأخذها عقب عمليتها الجراحية، توفت نادية محمد مصطفى، المرأة الأربعينية بلا رجعة، بينما تحول الطبيب إلى مجلس تأديب عاد بعدها إلى عمله، بينما عاد أولادها الثلاث إلى المنزل بلا والدتهم.

نادية ليست الأولى التى تحصد حياتها الأخطاء الطبية، ولن تكون الأخيرة التى يضيع حقها فى ظل عدم وجود قانون صريح يحمى حق المريض من الأخطاء التى يقع بها الأطباء، والتى بالرغم من سوء الأحوال التى يمر بها الأطباء فى المنظومة الصحية، إلا أنها أحد الأسباب الرئيسية التى يؤكد عليها النشطاء فى مجال حقوق المرضى فى زيادة الأخطاء الطبية، التى كادت تحصد حياة أحمد عبده الطفل الذى لم يتعدَ العام وشهرين بمحافظة الغربية، بعدما صرف له العاملون بالصيدلية عقار منع الحمل بدلاً من الكالسيوم، شكلت فى أعقابه وزارة الصحة لجنتين لدراسة الموقف دون اتخاذ قرار حتى الآن.

الخوض فى قضية الأخطاء الطبية يكشف تكدس المحاكم بالبلاغات التى تنتهى غالباً حفظاً فى الإدراج، فالتشريعات الحالية لا تتناول قضية أخطاء الممارسات الطبية بشكل حاسم، وتعتمد فى آلياتها على إجراءات معقدة تنتهى أيضاً إلى عدم وجود مسئول بشكل مباشر يتحمل خطأ قد يودى بحياة المريض أو يؤدى إلى الإصابة بعاهة مستديمة أو تدهور فى الصحة.

وفى حالة نادية، فقد أدوى الخطأ الطبى بحياتها بعد 10 أيام فقط من إجراء العملية، ورغم عدم وقوف أسرتها مكتوفى اليدين وتقديم بلاغ ضد الطبيب استندوا فيه إلى شهادة استشارى الجراحة تؤكد أن سبب الوفاة عدم الحصول على مذيب للتجلط، فلم يطرأ أى جديد على مشهد الوفاة سوى إجراءات المحاماة وتأديب للطبيب وقضية ما زالت مفتوحة أمام المحاكم حتى الآن.

يقول محمد، زوج نادية، "بعد انتهاء العملية الجراحية لم يكتب الطبيب لأسرة نادية بأدوية مذيبة لتجلط الدم، رغم أن الأصول الطبية تقتضى ذلك، وهو ما أدى إلى تدهور حالتها بعد 4 أيام من عودتها إلى المنزل، ومن ثم عادت إلى المستشفى من جديد التى لم تكتشف خطأ الطبيب الأول، بل تأخرت فى إسعافها أيضاً، فأصيبت بضيق تنفس، ومن ثم وافتها المنية على الفور".

الخطأ الطبى الذى اقتنص حياة نادية لم يكن بمثل النتيجة مع عصام سيد عبد الإمام، ذى الخمسة وأربعين عاما، فهنا بدلا من أن يتم معالجته من قطع داخلى بالغضروف فى الركبة، وذلك وفقا لتشخيص الدكتور جمال حسنى رئيس وحدة مناظير المفاصل بمعهد ناصر، أدى خطأ طبى أثناء العملية إلى قطع فى الرباط الصليبى نتج عنه حدوث عجز عن الحركة وتركيب جهاز للركبة.

تقدم عصام كذلك ببلاغ إلى النيابة التى حولتها بدورها إلى الطب الشرعى، إلا أن الأخير أكد على صحة إجراء الجراحة، فيما يؤكد جمال مؤمن، المحامى والمسئول عن عدد من قضايا الأخطاء الطبية، أن هذه الخطوة قد تضيع حق العديد من المرضى، قائلا "الخطأ الجنائى الطبى يتحدد جنائيا على الإصابة أو القتل خطأ، وتنقسم عقوبته إلى نوعين حسب وصف نوع الإهمال ضعيف أم جسيم، إلا أن ذلك يحدده تقرير الطب الشرعى، والذى تكمن مشكلته فى أنه يعتمد على تقرير المستشفى نفسه، وذلك يعطى للمستشفى أو الطبيب القدرة على إخفاء الخطأ الذى وقع فيه فى تقريره المكتوب، حتى لو تم إثباته فيستطيع الطبيب أن يخرج منها وفقاً للمادة 10 من قانون 415 لسنة 1954 والخاص بشأن مزاولة مهنة الطب بأن الخطأ عن غير عمد، ولا يستطيع وقتها المريض رفع القضية على الوزارة نفسها".

مؤمن أوضح أن المشكلة الأكبر فى الأخطاء الطبية تكمن فى انتقال الفيروسات إلى المرضى والتى لا تستطيع التحاليل أو الطب الشرعى أو حتى تقارير الأطباء اكتشافها.

ويدلل على كلام مؤمن حالة "م" التى دخلت لإجراء عملية قيصرية بمستشفى المعادى أدى إلى تهتك فى الرحم استلزم استئصاله فى اليوم نفسه دون أن يمر 8 ساعات على العملية الأولى، وحينما توجهت الأسرة للحصول على التقرير الطبى من أجل إثبات حالة "م" والعمليات التى تم إجراؤها رفضت المستشفى، وهو ما يعلق عليه مؤمن بعدم القدرة على الحصول على التقرير الطبى إلا من خلال المستشفى ذاته.

ميرفت حلمى خليفة، 42 عاماً، موظفة اكتشفت إصابتها بسرطان الثدى فى أغسطس الماضى، وتم تشخيص حالتها من معهد الأورام على أنه ورم من الدرجة الخامسة، ولا يصلح معه غير الاستئصال الكامل بالثدى المصاب "الأيسر"، وبناء عليه أرسل المعهد خطاباً للتأمين الصحى بأنه سيتم الاستئصال بالكامل، إلا أنه وقبل دخولها غرفة العمليات بيوم أقنعها أحد الأطباء بإمكانية عدم استئصال الثدى بالكامل، والاكتفاء بالورم وإبداله بجزء من الكتف، وهو ما وقعت على إقرار به قبل دخول العملية، التى فشلت فى القضاء على الورم والاكتفاء بفتح الثديين، لتكتشف المريضة أن حالتها كانت عملية للحصول على درجة الماجسيتر فى عمليات التجميل.

البلاغ الذى قدمته ميرفت أرفقت فيه الوثائق المتناقضة التى خرجت من المعهد والتى كان أولها تقرير إزالة الورم بالكامل وتفريغ الغدد الليمفاوية، الأمر الذى ثبت عكسه بعد 3 أسابيع والتى دخلت فيه للمرة الثانية إلى غرفة العمليات لإجراء العملية الأولى بعد التأكد من استمرار وجود الورم.

عدم وجود قانون مباشر يحدد المسئولية الطبية للمستشفى فى حالة الأخطاء قضية تم تجاهلها على مدار جميع دورات مجلس الشعب السابقة، رغم تقديم عدد من مشروعات القانون التى تبناها المجتمع المدنى أو نقابة الأطباء، كما يقول علاء غنام، رئيس لجنة الحق فى الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بأن جميع النماذج المقدمة إلى المجالس التشريعية المتعاقبة كانت بلا جدوى، مؤكداً أن عدم وجود قانون يسمح للتخاذل فى معالجة نقص الكفاءة وعدم وجود تسلسل الأشراف الطبى الصحيح على الأطباء داخل المستشفيات، وهو الأمر الذى يؤدى إلى تكرار وزيادة الأخطاء الطبية، مضيفاً "فى أغلب الأحيان تنتهى الأخطاء الطبية إلى مجرد تحقيق إدارى لا يؤثر على الطبيب نفسه ولا يعيد حق المريض".

والإهمال وفقاً لقانون مزاولة المهنة الطبية يعنى التقصير فى أداء الواجبات والمهام المسندة إليها فى التوقيت المناسب وبالطريقة السليمة، ولا تستطيع نقابة الأطباء تناوله إلا فى حالة قيام النيابة بطلب تدخل النقابة أو قيام المريض نفسه التقدم بشكواه إليها، كما يقول الدكتور عبد الله الكريونى، مقرر لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، موضحاً أن الاستقصاء خلف الإهمال أو الخطأ الطبى وفقا لقانون النقابة رقم 45 لعام 1969 يتم بشكل مختلف عن إجراءات مزاولة المهنة، حيث يعتمد هنا على تشكيل لجنة تحقيق تقوم بعمل استقصاء خلف الخطأ الطبى دون الاعتماد على تقرير المستشفى بالضرورة، إلا أن العقوبات التى يقررها القانون فى حالة إثبات الخطأ يقتصر على تحويل الطبيب للتأديب.

يضيف الكريونى، "معظم المرضى لا يمتلكون الوعى الكافى بأن النقابة الجهة الأكثر إنصافاً لهم، لأنها تستطيع أن تحقق بشكل فنى تثبت فيه المخطئ الحقيقى، حيث إن لجنة التحقيق تقوم بالسير خلف الإجراءات التى اتبعتها كل من المستشفى والطبيب والتمريض والمريض وكل من له علاقة بالحادث بشكل فنى، وهو ما لا تستطيع أن تقوم به النيابة التى لا تعد جهة تحقيق فنية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة