حينما تتوجه إلى سيناء عابرًا نفق الشهيد أحمد حمدى أو مقتلاً جسر قناة السويس، فاعلم أنك تركت ضجيج الحضر ودخلت فى هدوء صامت، اعلم أنك تركت زحمة السيارات وتكدسها ليصبح الطريق بالكامل ملك لك، حتى تعود لنفس المعبر أو المقتل.
شبه جزيرة سيناء مفتقدة وبشدة إلى التعمير الذى كررته برامج الحكومة مرارًا وتكرارًا منذ عودة سيناء لنا وحتى الآن، ولعل المار بسيناء يلاحظ قلة وندرة التعمير بها، بدايةً من طريقها الرئيسى المغذى نقلاً لمدنها والذى يتسع لحافلة واحدة ذهابًا وأخرى للإياب فقط، ومدى الذهول الذى كنت فيه حينما تذكرت طريق قريتنا الريفية والذى يعد أكثر اتساعًا.
ولو توغلت فى شبه الجزيرة ووجدت نفسك تسير وحيدًا لعشرات الكيلو مترات دون وجود أى سيارة مقابلة أو أى سيارة تحاول تخطيك، عندها تعلم أنك ذاهب إلى البادية ولولا قرأتك للوحات الطريق لظننت أنك أخطأت فى اتجاه سيرك، ولو أتعبك الطريق وأردت النزول إلى أى استراحة لا تلومن إلا نفسك، لأنه ممنوع الوقوف ولا النزول إلا فى استراحات بعينها.
استراحات غريبة الشأن بداية من بنيتها التحتية وحتى خدماتها المتواضعة وارتفاع أسعارها إلى أضعاف ما عليه أى استراحات أخرى من الإسكندرية إلى أسوان، وأكثر شىء أصابنى بالغرابة حينما أردت استعادة نشاط عقلى بغسيل وجهى بالماء، وجدت أن المياه بالاستراحة هى مياه مالحة، فسألت صاحب الاستراحة "إيه الميه المالحة دى يا نجم؟" فأجابنى "إحمد ربنا يابيه.. دا أنت جاى فى يوم عنب.. أغلب الأيام هنا مفيهاش ميه وساعات بنفتح أزايز الميه المعدنية علشان نغسل بيها"، حمدتُ الله أننى أتيت فى هذا اليوم "العنب"، وحتى أشد أذر هذا الفتى وعدته بـ"جركن" مياه عذبة خالصة إذا أتيتُ لاستراحته لاحقًا.
وبعد الاستراحات وأنت تسير وحيدًا فى صحراء سيناء أقول لك من السهل جداً أن تُستهدف حافلتك بأيدى إحدى الجماعات الإرهابية التى تنتشر بكثرة فى شبه الجزيرة وتحديداً فى الشمال منها، ولو اتجهت شرقاً وأقصد هنا نحو خليج العقبة، لوجدت الجبال الشاهقة الشامخة بلونها البنى الداكن الذى يعكس العظمة وأنت تسير بينها، ودعك الآن من روعة المنظر ولكن من السهل هنا استهدافك بهاون أو "آر ـ بى ـ جى"، فالطريق منحوت بين الجبال العاتيه، بل هناك مسافات فى الطريق تكاد تكون مظلمة نظراً لشهاقة الإرتفاع الجبلى.
سيناء بوضعها الأمنى هذا من السهل جداً حدوث أى عمل إرهابى بها، ولعلى أذكر تصريح الإخوانى محمد البلتاجى، حينما قال "ما يحدث فى سيناء يتوقف فى اللحظة التى يخرج."، وهنا علمتُ لماذا سيناء تحديداً، لأنه من السهل إحداث أى عمل إرهابى هناك، فسيناء هى أحوج منا للأمن والأمان، وعلمتُ مؤخرًا أن الشرطة أصبحت تمنع الآن أى رحلات ليلية تعبر إلى سيناء ليلاً، وهى خطوة أمنية إجابية جداً.
سيناء تحتاج للتعمير الآن أكثر من أى وقت مضى، التعمير يرهبه الإرهابى، فهو لا ينشط إلا فى الخراب، ولا يعمل إلا فى الظلام، سيناء بُذلت فى استعادتها دماء جنودنا البواسل، وليس من الحكمة ضياع تلك الدماء بإيقاف التعمير.
محمد صبرى درويش يكتب: سيناء بين التعمير والإرهاب
السبت، 15 فبراير 2014 04:06 م
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة