باسل عادل يكتب : المتحولون

السبت، 15 فبراير 2014 05:48 ص
باسل عادل يكتب : المتحولون حسنى مبارك

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثيرا ما اندهشت من حالات التحول القصوى من رجالات المجتمع السياسى المصرى، فلقد كان مفهوماً التحولات المختلفة فى سوابق زمن مبارك وما قبله، فالأمثلة كثيرة، فأحدهم السياسى المناضل الذى ظل يناضل ضد الديكتاتورية والاستبداد إلى أن وجد عمره يتسرب من بين يديه دونما نجاح يذكر بالمقارنة بمن ركب موجة الحزب الوطنى، فذلك الانتهازى شيد القصور وحاز كل أنواع مباهج الحياة، والآخر من الممكن أن يظل ناقما راجيا إلى أبد الدهر، والآخر مفكر ظل ينظر للحرية ويقتات من شرفه ونضاله إلى أن سقط فريسة عروض المال والجاه، والثالث تنمر له البوليس السياسى واصطاد سقطاته الاجتماعية فتنحى جانبا خشية افتضاح حياته الخاصة وتهديده بها فانسحب تاركا الساحة وتحول إلى إنسان سلبى لا يرى إلا حياته الخاصة ومتعته الشخصية تاركا أمل وطنه على جانبى طريقه!! نماذج كثيرة منها من تم استقطابه بمنصب براق والآخر الذى تم تهديده بفقدانه لمنصبه الحكومى أو حتى تعطل أعماله الخاصة وتوقيفها بسبل شتى!! كل هذه الأمثلة مفهومة ومنطقية قياسا بعصرها وظروفها أما ما يدفع للجنون نماذج التحول القصوى والتردد بعد الثورتين الأخيرتين!.

بعد ثورة يناير سقطت الدولة البوليسية فورا وأصبح المجال ممهدا للمناضلين ليمارسون حريتهم القصوى دونما رقيب إلا أنفسهم، وانفتحت أبواب الدولة المغلقة للجميع بعرض البلاد وطولها وبعمق مؤسساتها السيادية الراسخة فتنوع المناضلون إلى ثلاثة أنواع أولهم توحد مع مبادئه ولم يبرح الميدان وظل ثابتا على مبدئه دون حياد، والثانى جلس على طاولات التفاوض مع المؤسسات الأمنية وفاوض من لا يملك على ما لا يستطيع، وذلك لأن الشعب كان السيد وحده فى تلك الأثناء، والثالث ترك فكره وأيديولوجيته التى تمسك بها طوال عمره وبارز الجميع بها طوال تاريخه السياسى وانحاز لتيار مخالف لمبادئه تماما بغية الحصول على مقعد فى مجلس الشعب على قوائم المخالفين له فكرا ومنهجا، وتجلى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة!!. كان التحول سيد المبدأ من بعد 25 يناير مباشرة، ولاعجب حينما كنت ترى ليباراليا أو يساريا يمسك بيد الإخوان ويرفعها فى وجه الجميع فى مشهد لا يبرر إلا تنازلا مهينا أو على أقل تقدير سوء فهم وسذاجة غير مبررة، أيضا لا يختفى من مشاهد التحول كل منظرى نظام مبارك وحوارييه الذين ركبوا موجة الثورة مع أول نفير لسقوط مبارك فتحولوا فجأة لمنظرين لثورة يناير ومنهم من لم يمنعه حياؤه لتبوء مناصب قيادية بشق صفوف الثوار!! ولا يمكن حذف الكثير من الإعلاميين من هذا المشهد المثير للضحك والشفقة!!.

وبعد ثورة يونيو توالت التحولات الجذرية ولكن على قماشة أوسع بكثير فقد طالت قطاعات عريضة من الشعب تحولوا بغير وعى من مؤيدين لثورة يناير إلى أعداء لها بشكل سافر وغريب، وقد يتبادر هنا سؤال منطقى ماذا لو لم تنجح ثورة يونيو ولم يؤيدها الجيش؟!. كيف كانت ستعيش تلك القطاعات التى انقلبت على يناير دونما سبب يذكر إلا محاولة إيجاد إطار لرجوعهم للخلف الذى يألفوه حتى وإن كان قاتما ظالما، أو نكاية فى ثورة يناير التى أضرت بمصالح البعض وأجلستهم فى بيوتهم بلا عمل وفى واقع أقرب للمهانة بين الناس وخصوصا سدنة ومنظرى وإعلامى ومرتزقة التطبيل لنظام مبارك، وتجلى مشهد مثير عنوانه هو «فلول الحزب الوطنى تكيد ليناير بيونيو»، والعجب أن قادة يونيو هم قادة يناير ورموزها، مظاهر تحول ووقيعة وتشويه لثورة يناير ليس لها مثيل، يحاول ثوار ما بعد الثورتين أن يصنعوا مجدا سياسيا زائفا كاذبا على حساب دماء الشهداء وفوق آلام المصابين، حتى أن الأمر وصل بهم إلى تسفيه مجرد الحديث وتناول حقوق الشهداء أو مفردات القصاص نفسها!.

اعترف لكم أن الأرض تتحرك بسرعة قصوى فى مصر من بعد ثورة يناير وأن التحولات جوهرية وفى بعض الأحيان عكسية، وأن ما عاناه هذا الشعب الكبير العظيم من صعاب فى ثلاث سنوات مضت قد يكون بحجم معاناته فى صفحات التاريخ جميعها!!. أكاد أجزم أيضا أن خيار العودة للماضى البغيض قد يكون خيارا وجدانيا فى نفوس البعض نظرا لأن الثورتين لم ترد للشعب حياته الاعتيادية ولم توفر له مصادر الرزق ولم ترتقِ بالطبقات الاجتماعية، كل هذا مقبول ومفهوم ولكن الركيزة الأساسية فى اعتقادى أن نتيقن جميعا من أننا نستحق كمصريين حياة أفضل ورزق أوفر ورئيس أجود وبرلمان أنزه وأنشط، نحن نستحق الكثير فعلا وعلينا بالصبر والتمسك بخط ثابت لا يحيد وهو أمننا القومى واستقلال وطننا فى مواجهة الخارج وقوة قرارنا وسيادة الشعب فى مواجهة الداخل، وأن نستوعب دروس السياسة ونواجه تقلباتها بالعمل والإنتاج وتحقيق الوفرة المالية ولو بحدود، مصلحة هذا الوطن بكل تأكيد فى التغيير وهو المظلة الأوسع للفعل الثورى، التغيير هو الأساس، وليس عيبا أن نكمل ثورتنا من داخل خطوط الدولة وبنفس إصلاحى طويل لأن أزمة مصر ليست فقط فى نظامها السياسى وإنما فى بنيتها الإدارية والحكومية وفى فشلها فى العمل والإنجاز

أزمة حقيقية فى التعليم والأخلاق، فلقد دمر الإنسان المصرى داخل عشوائيات السكن والحكم والفكر، كل هذه الأشياء وأكثر تحتاج نفس اصلاحى من داخل الدولة التى تتكون الآن، واثق أنها لن تعود للوراء، بفضل وقوفنا صامدين نراقب ونتابع ونشترك ونصحح، هذا هو الأمل الأخير الآن، فعلينا أن نراقب ذلك الخيط الرفيع بين المتحولين لركوب السلطة أى سلطة، والذين يستوعبون ويفهمون ثم يحولون دفة عملهم الثورى لعمل إصلاحى لا ييأس أبداً ولمصلحة الوطن والشعب فقط.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة