هذا بالضبط ما كان يود هذا الشاب أن يفهمنى إياه، فقد توسمت فى هذا الشاب الكثير من الذكاء والاحترام، فقد استمعت إليه وهو يحادثنى بصفاء نية وصدق قصد يظهر فى أسلوبه ونبرات صوته. فهو لا يعلم عنى شىء، فكانت مقابلتى له محض الصدفة وهذا ما أرسى عندى ضرورة تصديقه.
فقد كان يحادثنى عن أمانيه فى أن يسيح فى ربوع مصر، ليتعرف على كل شبر فيها، فقلت له وما يمنعك؟ قال لى ما يمنعنى أننى فى نظر الدولة مشبوه، وسوف أتعرض لمضايقات كثيرة لو أننى حاولت أجوب وطنى ففى كل كمين سوف انتظر نتيجة التحرى فقد تحولت لشخص مشبوه برغم أننى أزعم أننى شريف ومحترم، فبادرته بقولى لابد أن تحكى لى فقد زاد فضولى قال. كان لى ابن عم يعد من الأشقياء، وفى الفترات السابقة كان الشخص السيىء لا يتحمل تبعات صنيعه بل تحمل الدولة باقى أسرته تلك التبعات. فقد تم اعتقالى حتى يجبر ابن عمى على تسليم نفسه، ولكنه وكعادة اللؤماء لم يفعل فطال بقائى فى الاعتقال بدون ذنب اقترفته برغم تعاطف الضباط معى فى حينه، ولن أتطرق بالتأكيد لما حدث معى من سجن واعتقال، لأن هذا أمر شرحه يطول وهو شبه معروف لدى العامة قبل الخاصة، ولكن كل ما يحزننى ويحبط أمالى وأحلامى هو أننى أعانى نفسيا مما حدث لى، وكلما تمنيت نسيانه بادرنى أحدهم بالكشف على ليظهر له أننى كنت معتقلا سابقا فأظل فى دائرة الاشتباه.
فهذا يا أخى يحدث معى وأنا أشجع نفسى بالتحمل والصبر، لأننى واثق من نفسى، ولكن يا أخى ألم تفكر أنت للحظات ولو على المستوى الشخصى أنه ما بال من كان مذنبا حقا وأراد أن يتوب ويعود للحق وإلى الطريق القويم؟، فهل يصح أن يتوب المذنب ولا تتوب الدولة عليه؟.
سأل الشاب سؤاله وتركنى فى ارتباك نفسى، وكأنه وضع على كاهلى إجابة سؤاله الذى يكاد يقضى على أحلامه، وبدأت أفكر هل من المعقول أن تغلق الدولة طرق التوبة على من أذنب ويريد أن يعود للحياة الكريمة، وجال فى خاطرى كيف أن الإسلام بقبوله توبة الكفار وعبدة الأصنام صنع منهم أعظم الأمم، وبالتأكيد عندما تقابل المذنب بأن لا توبة له فسوف يكون ارتداده لاقتراف الذنوب والمعاصى أكبر من ذى قبل، فقد أغلقت بتصرفك كل أبواب الآمال لديه.
وما قصدت من سردى لتلك القصة إلا أننى أردت أن أوصل صوت الكثيرين وأسرهم الذين لا ذنب لهم فى حياة كريمة طالما آبوا وأنابوا للطريق القويم، فلا يضير الدولة من رعايتهم وتقديم الدعم لهم ولأسرهم، ليكونوا فاعلين فى المجتمع، فقد بدأنا فى عهد جديد لدولة جديدة صنعت دستورا يحمى حق المواطن فى حياة كريمة.
