غريبة هى تلك الأغانى الشعبية المنبعثة حولنا من كل مكان؛ تسمعها فى طريقك للعمل أو فى الأماكن العامة أو فى المواصلات، وقد تسمعها منبعثة عبر الجدران من دار أحد جيرانك الذى غالبا ما يتفاخر بامتلاك إحدى سماعات الصب ووفر الضخمة بقدرتها العالية، وقد تسمعها فى أحد الأفراح الشعبية فى الشارع. نسمعها بمناسبه أو بدون مناسبه حتى صارت جزءًا من حياتنا.
كلمات بذيئه وألحان رخيصة وأصوات شنيعة تحاصرك باستمرار أينما ذهبت. فأين المفر؟
ليس سرًا على أحد أن الأغانى أو الموسيقى بشكل عام تلعب دورًا لا يستهان به فى تحسين المزاج والحالة النفسية. وصدق الشاعر خليل جبران حين قال "أعطنى الناى وغنى فالغنا سر الوجود و أنين الناى يبقى بعد أن يفنى الوجود". إلا أن الراحل العظيم لم يكن يقصد بالتأكيد هذا النوع من الغناء المدمر للوجود.
لا أذكر بالتفصيل كيف بدأ الأمر، ولكنى أذكر أنى كنت فى الرابعة عشرة من عمرى تقريبًا حين سطع نجم المطرب الشعبى شعبان عبد الرحيم الشهير بشعبولا، شهدت تألقه وقمة مجده وقد حل ضيفًا دائما فى أغلب البرامج التلفزيونية آنذاك وتسابقت جميع القنوات الفضائية فى نيل شرف استضافته. لم أكن حينها أهتم بكثير من الأمور إلا أن ملابسه الغريبة كانت كافية للفت انتباهى إليه بشدة.
أذكر مصادفة حضورى لأحد الأفراح التى غنى فيها شعبولا و حرصى على أن تجمعنى به صوره رديئة الجودة ملتقطة بكاميرا هاتف نوكيا 6600 العتيق. لم أعرف حينها لماذا؟!ربما لإنى لم أكن أتخيل أن يكون هذا الشعبولا الذى أراه فى التلفزيون ليلا نهارا هو شخصية واقعية حقا. وربما فعلت هذا فقط من أجل توثيق هذا الحدث الفريد فكان باعتقادى حينها أنه لا يوجد كثيرًا من هذا الشعبولا فى عالمنا! وقد أثبتت لى الأيام عكس ظنى.
كان من أشهر نجوم الأغنية الشعبية وقتئذٍ على ما أذكر أيضًا ريكو ومصطفى كامل إلا أن جمهور هذه الأغانى كان فئة محدودة من الجماهير ولم أكن أسمع هذه الأغانى إلا فى الميكروباصات.
لا أعلم بالتحديد أول أغنية لريكو إلا إنى أذكر أغنيته الشهيرة "إمبابة" التى حققت نجاحًا مبهرًا.
بعد النجاح الذى حققته أغنية "إمبابة" التى لاقت رواجاً شديداً وقبولاً أيضاً من جانب الجمهور. كان لابد لريكو أن يحافظ على نجاحة وتألقه بتقديم أغنية جديدة على نفس المنوال، فكانت أغنيتة التالية تحمل اسم "شبرا". وقد حققت الأغنية نجاحًا جماهيرياً رائعا بكل المقاييس إلا أن ريكو على مايبدو أكتفى بنجاحاته فى هذا الخط و لم يتجه للغناء للمطرية أو للزاوية الحمرا...يا للخسارة!
بعدها شهدنا مولد نجم جديد للأغنية الشعبية هو سعد الصغير الذى تألق فى أغنيته الرائعة التى تحمل اسم "العنب" و كان لابد وأن يواصل تقدمة بأغنية جديدة تحملة إلى قمة المجد فكانت أغنيته التالية باسم " البرتقان" التى تناول فيها فوائد البرتقان الصحية و أنواعة المختلفة وعدد من القضايا الهامه المتعلقة بالبلدى وأبو صرة على حد سواء.
وبعد تألق سعد الصغير فى الغناء للعنب والبرتقان ظهرت موجة جديدة من الغناء للفاكهة بمختلف أنواعها، إلا أن البطيخ لم يغن له أحد بعد!
ولا أنسى المطرب المخلص مصطفى كامل الذى ضرب لنا مثلا فى الشهامة والمروءة والتضحية فى أغنيتة الشهيرة "قشطة يابا" حيث قال "أنا ممكن أبيع جيتتى كله إلا بنات حتيتى"
وبالرغم من أن جموع النقاد حينها قد وصفت تلك الأغانى بالسفاهة إلا أنها حققت نجاحا جماهيريا مذهلا. فى الحقيقة لم يكن الأمر حينها بذلك السوء المزعوم مقارنة بأيامنا هذه..
ومرت الأيام وإذا بنا نشهد نجومًا جدد للأغنية الشعبية. فظهر هوبا و الثنائى أوكا وأورتيجا وظهر نمطًا جديدا من الأغانى الشعبية يسمى بالمهرجانات!
وتتوالى تلك الإبداعات المدمرة يومًا بعد يوم حتى أصبحت المهرجانات ظاهره فى المجتمع المصرى بل وأصبحت أسلوب حياة. و تظل هذة الظاهرة تثير فى نفسى العديد من التساؤلات، ترى هل هذة الأغانى الشعبية نابعه من بيئتنا المصرية حيث يقال إن "الشاعر وليد البيئة" أم أنها خطر يهدد المجتمع ويلوث البيئة ؟!! و إلى أى مدى يعبر هذا الفن عن هويتنا المصرية ؟!
المطرب شعبان عبد الرحيم
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة