
وفى معرضه اعتذر شعلان لفان جوخ صاحب لوحة الخشخاش، حيث شاءت الظروف أن يوضع اسمه على لوحة كانت السبب فى سجن شعلان، كما وجه رسالة لـ"زهرة الخشخاش" قائلاً: "لا تعودى حتى لا أُحبط وأشعر أنى سُجنت تماماً دون ذنب، سجنت دون ذنب بالفعل ولكن رجوعك سوف يحبطنى، وأشعر أن سبب السجن أنتفى، لا تعودى لمجتمع أهان فنانا، لا يشرفك البقاء هنا، لا يشرفك أن تظلى فى مجتمع يحاكم فيه الفنان بالسجن على ضياع لوحة، فإذا كنت فى مكان يحترم الفنان فأبقِ كما أنت ولا تعودى إلينا".

لم يكن "القط الأسود" من البداية معرضا، وإنما جاء كوسيلة تنفيس، إنسان يشعر بالظلم والغدر، سُلبت منه الحرية بشكل مفاجئ ومباغت، فقد بدأت معه هذه الحالة فى فترة الـ19 يوما الأولى له بقسم الدقى، حيث كانت هناك حالة غليان داخله، كونه يشعر بأنه ليس مسئولاً عما حدث، ومن هنا طلب من أسرته أن تحضر أوراق وأقلام سوداء، ليفرغ هذا الغليان، وبدأ "شعلان" الرسم، لذا ظهر معرضه "القط الأسود" بشكل محسوس جداً، العمل بدون هدف، يحتوى صدق فنى داخله، بدليل وجود كتابة ببعض الأعمال مع الرسم، حينما كان يشعر بأن شحنة الرسم لا تكفى كان يكتب بجوارها، وعندما ازداد الألم تحرك حس الفنان داخله ورأى أن هذا بداية معرض، حلم بهذه اللحظة التى يصل فيها صوته للناس، اللوحات تظهر للجمهور، أما أن يتعاطف معها أو يرفضها.

رسم "شعلان" كل مراحل الأزمة، بعد ترحيله للسجن انقطعت عنه المقالات التى كان يكتبها وكان السجن صعبا، فبدأ الرسم يأخذ البطولة، نظم وقته، شعر بأنه يعمل من المخزون الداخلى حتى يكون المعرض بمثابة رسالة وإدانة لكل تفاصيل القضية.
كان دائماً ما يؤكد أن للفن حبكة وقواعدً وأصولا، مهما كان لديك تفاصيل فى القضية، لابد من تحميل كل هذه الأعباء على رمز، وجد أن القط الأسود أكثر الرموز التى تحتمل ما يشعر به، فهو رمز الغدر، فقرر جعله رمز الشر الذى يجسده فى مرحلة السجن، وعندما دخل سجن العقرب رأى قططا سوداء كثيرة، وكأنها صدفة غريبة أن يختار الرمز قبل رؤيته، لم ير أى ألوان أخرى للقطط بخلاف اللون الأسود، فتأكد داخله هذا الرمز.
وبرغم مرارة هذا السجن إلا أن "شعلان" كان كثيراً ما يؤكد أنه مثمر داخله كمبدع، حيث حفزه صديقه الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى على الاستفادة من تجربة السجن خلال زيارته له، وذكره "الأبنودى" بأن السجن محرك ملكات وأدوات الفنان الداخلية، محرك لضميره، يستحضر آخر ما عنده من رصيد داخلى، لأنه بمجرد شعوره بسلب الحرية تزداد أدواته وملاكاته الإبداعية وهى تغلى كالبركان الذى ينفجر، ليحرق ما حوله بصوت بليغ ومؤثر، عندما يكون مبدعا ويجلس فى مرسمه بهدوء، سأنتج فناً طبيعياً ومؤثراً ولكن ليس بنفس القدر الذى يعيشه فنان فى حالة إثارة لصوت وحرية المبدع.

قدم "شعلان" أعمالا عن الكرسى الذى جلس عليه ومن ثم تعرض للسجن، بعنوان "خط العمر وخط الحكم، وكأن خط الحكم لابد أن يسير بالتوازى مع خط العمر، لا يخرج منه إلا بالوفاة، كذلك لوحة بالهناء والشفاء أيها الوطن، فقد أكلوه وتركوا الطبق فارغاً، "شعلان بطبيعته ثورجى وله تجربة قبل انتشار الاعتصام، حيث أضرب عن الطعام واعتصم فى نقابة التشكيلين منذ أكثر من عشر سنوات، فى ذلك الوقت القمعى، ضد أمور سلبية فى وزارة الثقافة، هذا هو رصيده الذى كثيراً ما كان يشًرف به داخل هذه الوزارة، فيؤكد دائماً أنه غير محسوب على وزارة الثقافة بل طوال الوقت كان جسما غريبا بها.
كان شعلان يستعد لتقديم كتاب يسرد فيه البداية من سجن العقرب، منذ أول يوم لتنفيذ الحكم، من بداية المشكلة وحالة المتاحف عندما تسلمها وما أنجزه وما لم يتم إنجازه، الكتاب بمثابة وصف للمناخ العام الذى تم فيه سرقة زهرة الخشخاش.
