من أفضل ما ابتدع الأمريكان مقياس أداء الرئيس فى المائة يوم الأولى بعد توليه الرئاسة، لمعرفة مقدار ما أنجز فى الملفات الحيوية، وما وعد به فى البرنامج الانتخابى الذى تقدم به، واختاره الناس على أساسه، وهو ما يعطى مؤشرا عن فترة حكمه ومدى التقدم الذى يمكن أن يحققه.
1 - صعوبة مهمة الرئيس القادم فى مصر لا تكمن فقط فى المشكلات المزمنة المستعصية التى تراكمت على مدار الأربعين عاما الماضية، لكنها تكمن أيضا فى تطلعات المصريين التى تنظر للرئيس القادم على أنه المخلص الذى يحمل عصا سحرية ستحل مشكلاتهم فى غمضة عين، وهو ما يعد معضلة رئيسية يجب أن يتحسب لها الجالس الجديد على عرش المحروسة، وهى أن هناك شعبا يمتلك آمالا كبيرة يريد تحقيقها، ولن يعطى الرئيس القادم ما يحتاجه من وقت لإيجاد حلول لها لذلك فإن أداءه فى الـ100 يوم هى التى ستعطى مؤشرا على مدى نجاحه وهذا مهم جدا.
2 - يشعر السواد الأعظم من المصريين أنهم أضاعوا وقتا طويلا منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 وأنهم قدموا الكثير من التضحيات تمثلت فى تدهور الأمن، وصعوبات الحياة من عدم وجود فرص للعمل وارتفاع معدلات الفقر مع الصعود الرهيب فى الأسعار، وهو ما يضاعف من مهمة الرئيس القادم، ويزيد من الصعوبات الملقاة على عاتقه، ويجعل مهمته ثقيلة لأنه سيكون مطالبا بدفع فاتورة 40 عاما من الاهتراء والضعف والتفريط فى الأمن القومى وضياع الدور والمكانة، وهو ما انعكس بالسلب على نفسية المصريين التى تشير الدراسات المتخصصة إلى ازدياد حالات الاكتئاب بينهم وافتقادهم إلى روح الفكاهة التى كانت أهم ما يميزهم.
3 - لا تحتاج مصر رئيسا ينتشلها من ورطتها وفقط، وإنما تحتاج رئيسا يرفع منسوب الأمل لدى المصريين، ويعيد إليهم التفاؤل بالمستقبل، كما تحتاج رئيسا يعمل على بناء البشر قبل الحجر ويفهم كيفيه التعامل مع سيكولوجية شعب يريد أن يستعيد روحه وحياته وأمنه وإحساسه بالحياة من جديد.
لذلك فبجانب البرامج السياسية والاقتصادية والخطط اللازمة لإقالة مصر من عثرتها لا بد من أن يكون هناك برنامج لإيقاظ الهمم وصحوة العزائم، ورفع الروح المعنوية للمصريين فبلا روح لا فائده من أى برامج أو خطط للتنمية.
4 - سيظل الملف الأمنى ومواجهة الإرهاب هما الشغل الشاغل للرئيس القادم ومجموعته الأمنية، وظنى أن التقدم والنجاح فى هذين الملفين يمنحانه دفعة قوية للأمام، ويعطى للمصريين طاقة جديدة من الأمل لمواجهة صعوبات الحياة، وظنى أيضا أن استراتيجية الجماعات الإرهابية فى مواجهة الدولة تقوم على إسقاط هيبة الأمن، وإشعار المواطنين بأنه لا أمن ولا أمان فى ظل ما يدعونه من انقلاب عسكرى على السلطة المنتخبة، وإذا ما نجح الرئيس القادم فى علاج هذا الملف سيكون له أثر كبير على رفع الروح المعنوية للمصريين.
5 - عام من حكم الإخوان جعل المصريين لا يصدقون الوعود البراقة والكلمات الرنانة بقدر ما سيصدقون الأفعال التى يريدونها أن تصب فى مصلحتهم المباشرة، بعد أن ظلوا يسمعون عن إنجازات تتحقق دون أن يروها واقعا مجسدا على الأرض، وهو ما لن يقبلوه بعد اليوم من أى رئيس قادم مهما كانت شعبيته، وتعلق الآمال به فقد أثبتت التجربة أن شرعية الصندوق لا تكفى وحدها، والأهم منها هو شرعية الإنجاز السريع الذى ينتظرونه على يد المخلص القادم.
6 - لن يتحمل المصريون صدمة أخرى كالتى أصابتهم من الإخوان ورئيسهم المعزول الذى وعد بحل المشكلات، وتعهد على نفسه بالإنجاز فى الـ100 يوم الأولى، ومرت دون أن يفعل شيئا لحل المشكلات الكارثية وتفرغ لتمكين جماعته وحلفائه من رقبة البلد ومرت الـ100 يوم الثانية والثالثة دون أن يحرك ساكنا، وكاد الأمر أن يتحول إلى كارثة تضيع البلد لولا 30 يونيو، وهى التجربة التى لا يريد المصريون تكرارها مرة أخرى بكل تأكيد.
7 - خلاصة القول، إن الأمور لن تكون سهلة أمام الحاكم القادم، فهناك العديد من الملفات تحتاج حلولا عاجلة، ناهيك عن التحديات الخارجية التى ستقابله والملفات الشائكة التى لابد من أن يتصرف فيها بقدر واسع من الحكمة والعلمية، وعلى رأسها ملف مياه النيل الذى أضاعته حكومات مبارك ومرسى، وصعبت من موقف مصر التفاوضى، وهو من الملفات التى لا تحتمل مزيدا من الفشل لأنه يعنى أن يهدد الأمن المائى، وأن تعطش مصر وتتسول الماء من إثيوبيا وغيرها من دول حوض النيل.
طارق سعيد يكتب : الرئيس القادم بين الصندوق وشرعية الإنجاز لا تحتاج مصر رئيساً ينتشلها من ورطتها وفقط وإنما من يرفع منسوب الأمل لدى المصريين ويعيد إليهم التفاؤل بالمستقبل ويعمل على بناء البشر قبل الحجر
الإثنين، 10 فبراير 2014 05:50 ص
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة