د. سعد الدين هلالى يكتب : تولية المرأة أو غير المسلم القضاء على المسلمين

الإثنين، 10 فبراير 2014 05:46 ص
د. سعد الدين هلالى  يكتب : تولية المرأة أو غير المسلم القضاء على المسلمين د . سعد الدين الهلالى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يشترط الفقهاء لصحة تولية القاضى على المسلمين شروطًا معينة ترجع إلى صلاحيته لأداء مهمته فى فض الخصومات ورد الحقوق لأصحابها. واتفق الفقهاء على بعض تلك الشروط مثل البلوغ والعقل، واختلفوا فى سائرها.

ومن ذلك شرط الذكورة فى القاضى، وشرط الإسلام فيه. ويرجع سبب الخلاف فى شرط الذكورة إلى الاختلاف فى إلحاق القضاء بالولاية العامة أو إلحاقه بالإفتاء أو إلحاقه بالشهادة. كما يرجع الخلاف فى شرط الإسلام فى القاضى إلى الاختلاف فى وصف غير المسلم بصفة العدل حتى يحكم به، وإلى الاختلاف فى إنفاذ حكم غير المسلم إذا عينه سلطان ذو شوكة. ويمكن إجمال أقوال الفقهاء فى حكم تولية المرأة أو غير المسلم القضاء فى المذاهب الأربعة التالية:

المذهب الأول: يرى عدم جواز تولية المرأة أو غير المسلم القضاء مطلقًا، ولا ينفذ حكمهما إن وقع. وهو مذهب الجمهور قال به المالكية والشافعية والحنابلة. وحجتهم:

1 - عموم قوله تعالى: «وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» (النساء: 141). والقضاء من أعظم السبل، فكان ممنوعًا على غير المسلمين للمسلمين. وأيضًا عموم قوله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ» (النساء: 34). يقول ابن كثير: «أى الرجل قيم على المرأة، أى هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها. والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم». قالوا: والتعريف فى كلمتى الرجال والنساء يفيد العموم، أى أن جنس الرجال هو الذى ينبغى أن يكون حاكمًا على جنس النساء، وعليه فلا ينبغى أن تكون المرأة قاضية أو فى وظيفة تكون فيها قيّمة على الرجل.

2 - عموم ما أخرجه البخارى عن أبى بكرة، قال: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».

3 - أن غير المسلم لا يعرف أحكام الحلال والحرام فى الإسلام فكيف يكون قاضيًا على المسلمين الذين يتحاكمون إلى كتاب الله، كما أن المرأة ناقصة عقل عن الرجل، مع احتياج القاضى لحضور محافل الخصوم والرجال للبحث عن كمال الرأى ومشاورة أهل العلم، فلم تصلح للقضاء، ويدل على نقص عقل المرأة عموم قوله تعالى: «أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى» (البقرة: 282)، وما أخرجه الشيخان عن أبى سعيد الخدرى، قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: «يا معشر النساء تصدقن - زاد مسلم: وأكثرن الاستغفار - فإنى أريتكن أكثر أهل النار». فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير. ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن». قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل»؟ قلن: بلى. قال: «فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم»؟ قلن: بلى. قال: « فذلك من نقصان دينها».
4 - أنه لم يثبت عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم أنه قلد المرأة القضاء فيما بلغنا - كما يقول ابن قدامة فى «المغنى» - ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبًا.

المذهب الثانى: يرى عدم جواز تولية غير المسلم القضاء على المسلمين، ويجوز أن تلى المرأة القضاء فيما يجوز أن تقبل شهادتهن فيه وحدهن أو مع الرجال كما فى أقضيات الأموال والعقود. أما أقضيات الحدود والقصاص فلا يجوز تولية المرأة فيها؛ لأن شهادتها لا تقبل فى ذلك. وهو مذهب الحنفية. وحجتهم: أن الشهادة فرع عن القضاء، وفيها معنى الولاية، فوجب إلحاقها به، فكل من جازت شهادته جاز قضاؤه. وغير المسلم لا تجوز شهادته على مسلم، والمرأة لا تجوز شهادتها فى الحدود والقصاص وتجوز فى غيرها، فكذلك القضاء.

المذهب الثالث: يرى عدم جواز تولية غير المسلم أو المرأة القضاء، ولكن إن ولاهما سلطان ذو شوكة صحت توليتهما ونفذ قضاؤهما. وهو قول بعض الشافعية كما حكاه الشيخ زكريا الأنصارى فى «أسنى المطالب»، والشربينى الخطيب فى «مغنى المحتاج». وحجتهم:

1 - أن السلطان من أهل الاجتهاد، مع عموم الأدلة الآمرة بالسمع والطاعة له، ومنها قوله تعالى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (النساء: 59)، وما أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت، قال: «دعانا النبى - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثَرَةً علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان».

2 - أن عدم اعتبار تعيين القاضى من النساء أو من غير المسلمين فيه تعطيل للمصالح وضياع للحقوق، والشريعة قائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد.
المذهب الرابع: يرى عدم جواز تولية غير المسلم القضاء على المسلم مطلقًا، ويجوز أن تتولى المرأة القضاء فى كل شىء. وهو قول ابن جرير الطبرى (224-310هـ)، وإليه ذهب الظاهرية ونصره ابن حزم فى «المحلى» (384-456هـ). وحجتهم:
1 - عموم قوله تعالى: «وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» (النساء: 141). فهذا يمنع بظاهره تعيين غير المسلم قاضيًا.

2 - عموم ما أخرجه الشيخان عن عبدالله بن عمر، أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذى على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

3 - ما حكاه ابن حزم فى «المحلى» أن عمر بن الخطاب ولىّ الشفاء - امرأة من قومه - السوق.

4 - إن قوامة الرجال تعنى مسؤوليتهم وخدمتهم وحمايتهم على مصالح النساء، كما ذكر ذلك الزجاج فى «إعراب القرآن».

5 - إن حديث أبى بكرة «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» محمول على الخلافة العظمى.
وقد اختار المصريون بعد بناء دولتهم الحديثة وصدور دستورهم الأول سنة 1923م الذى يسوى بين المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة قول بعض الشافعية بصحة تولية غير المسلم وتولية المرأة القضاء، وإنفاذ حكمهما إذا كانت التولية من سلطان ذو شوكة. وقد صارت الشوكة فى الدولة المعاصرة منسوبة إلى الدستور والقوانين وليس إلى شخص الحاكم. وترك المصريون قول أكثر الفقهاء القائلين بعدم صحة تعيين القاضى من النساء أو من غير المسلمين على المسلمين، وعدم إنفاذ حكمهم عليهم؛ لوجود اختيار فقهى آخر يناسب المعاصرة والتطور الحضارى الإنسانى. ونفصل ذلك فى العنصرين التاليين:

أولًا: بالنسبة لشرط الإسلام فى القاضى:
فَقَهَ المصريون حقيقة سياق الآية الكريمة التى تحول دون ولاية غير المسلمين على المسلمين بأن ذلك فى الآخرة وليس فى الدنيا كما يقول سبحانه: «فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» (النساء: 141). كما فقه المصريون مقصد القضاء وهو إقامة العدل، ولا يشترط لتحققه صفة الإسلام، فالعدل صفة إنسانية وليست صفة إسلامية بمعنى أنها لا تتحصل بصفة الإسلام؛ لما رواه ابن هشام

فى «سيرته» عن ابن اسحاق أنه لما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله تعالى ومن عمه أبى طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهى أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه». كما أذن القرآن الكريم فى قبول شهادة غير المسلمين فى وصايا المسلمين كما قال سبحانه: «يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» (المائدة: 106). وإذا كان الحنفيون يرتبون القضاء على الشهادة فإن غير المسلمين لهم الحق فى الشهادة على الوصية فى السفر عند الحنابلة فى المشهور والقديم عند الشافعية

وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى تعميم ذلك فى الوصية وفى غيرها من العقود والتصرفات، وفى السفر وفى الحضر على السواء بحسب الحاجة. كل هذا قد دفع المصريين إلى اختيار القول الفقهى بجواز اتخاذ القضاة من غير المسلمين؛ خاصة أن القضاء قد صار وظيفة محددة بقوانين ملزمة تخضع للتفتيش والاستئناف والنقض، فلم يعد للقاضى سلطة تقديرية كالتى كانت قبل سلطان القانون. والقانون يدرسه المسلمون وغيرهم على السواء.

فإذا قلنا إن للقضاء ولاية فإن تلك الولاية ترجع إلى القانون ولا ترجع إلى شخص القاضى.
ثانيًا: بالنسبة لشرط الذكورة فى القاضى:

اختار المصريون مؤخرًا قول الإمام الطبرى وما ذهب إليه الظاهرية من جواز تولية المرأة القضاء فى كل الأقضيات، طالما كانت مؤهلة بدراستها العلمية. وقد صدر القرار الجمهورى بتعيين السيدة المستشارة تهانى الجبالى كأول قاضية بالمحكمة الدستورية العليا فى الثانى والعشرين من يناير 2003م، ثم صدر القرار الجمهورى فى سنة 2007م بتعيين 32 قاضية.

وتلقى المصريون القرار الجمهورى بتعيين النساء قاضيات بالقبول؛ لأنهم لم يروا فى ذلك خروجًا عن الدين بل هو قول بعض أئمة كبار الفقهاء المسلمين القدامى ممن يجوز اتباعهم، ويتحقق به العدل فى الحكم بين المتناظرين من خريجى الكليات المعنية وإن كان هذا القول مخالفًا لما عليه جمهور الفقهاء الذين منعوا المرأة من تولية القضاء بالكلية، كما هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة. أو منعوها من تولية القضاء فى الحدود والقصاص، كما هو مذهب الحنفية.

ولم يكن ترك المصريين لمذهب الجمهور فى هذه المسألة تمردًا، وإنما كان لفقههم أن قول الجمهور من الفقهاء لا يعدو أن يكون خيارًا علميًا لا يرتب التزاما بالاتباع. فمن حق الناس أن تتبع أحد الأقوال الفقهية المقنعة لهم ولو كان هذا القول من غير المشاهير؛ لأن العبرة فى الاتباع ترجع إلى الاقتناع ولا ترجع إلى كثرة القائلين بالقول أو شهرتهم. فالفقهاء ليسوا أمراءً أو رؤساءً أو قضاة، ويظل قولهم إلى قيام الساعة - كما قال الإمام الشافعى - «صواب يحتمل الخطأ أو خطأ يحتمل الصواب». والحاسم فى المسألة هو اطمئنان قلوب الناس باختيارهم الحر بعيدًا عن التخويف والتضليل، كما ورد فى حديث وابصة بن معبد، أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال له: «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك».





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة