بصراحة، وأنا فى العلاج الجمعى المجانى الساعة السابعة والنصف صباح كل أربعاء فى قصر العينى، وأنا مع هذه العينات العشوائية المتتالية من الشعب المصرى منذ أكثر من أربعة عقود، بلا ترشيح للانتخابات، ولا تنافس على السلطة، ولا انحياز لأحزاب، ولا حتى صفقات عاطفية أو دينية تحتية، أقول وأنا فى هذا العلاج الجمعى مع هذه المجموعات التى لا يقرأ أغلبها الصحف ولا غير الصحف، أشعر أننى مع وعى بشرى أرقى وأنضج بكثير مما أشاهد فى التجمعات السياسية، بل واللقاءات مع الصفوة فى التوك شو "ولا أبرئ نفسى"، حتى لو كانوا متخصصين فى السياسة.
أكرر أن الأحياء قبل الإنسان استطاعت أن تحافظ على بقائها بدون انتخابات صناديقية، ربما من هذا المنطق رحت ألاحظ أن هذه المجموعة العلاجية -مثل أية مجموعة أحياء ناجحة- استطاعت أن تتعاون وتتحمل مسئولية بعضها البعض بدون خطب إعلامية، أو هتافات تحريضية، أو تفسيرات فرويدية.
يبدو فعلاً أنه -فى البدء كان الفعل-، وأنه قد آن الآوان لنعيد فهم مضمون: "فى البدء كانت الكلمة"، كما اقترح أحد الثقاة، بل إن صاحب الاقتراح قد أضاف ألا يطلق على الإنسان صفة "الكائن البشرى" Human Being بل "الفاعل البشرى" Human Doing.
المسئولية فعل، وليست كلامًا، هى تحريك فى اتجاه وليست كينونة فى ذاتها، والمسئولية البشرية بالذات تكتسب بعدًا آخر لأنها تصل إلى مستوى الوعى، وهى لا تكون موضوعية فاعلة إلا إذا كانت "فعلا" فى اتجاه، والكلمة التى كانت فى البدء لابد أنها فعل ومسئولية، وليست لفظًا.
انطلاقًا من خبرة هذا العلاج، واستلهامًا من برامج البقاء وتاريخ التطور، خطرت لى خطوط عريضة تصلح فروضًا عصرية، مصرية، وأرجو أن تنجح فى قياس التواصل البشرى عمومًا، والتواصل المصرى المسئول المأمول، وليس العلاج الجمعى فقط.
الخطوط العامة لفرض: "المسئولية – الفعل – البقاء"
أولاً: المسئولية الموضوعية هى "حركية وعى" تبدأ فى "حضور آخر" "هنا والآن"، فهى أساس العلاقة بالآخر، "نحمل همّ بعضنا البعض!!".
ثانيًا: إن كل واحد مسئول عن كل نفسه فى الصحة والمرض، وعن اختيار الطريق إليهما، والسير فى أيهما، وربما الانتقال بينهما.
ثالثًا: إن أى قدر من المسئولية، مهما صغُر، هو جيد ومهم للمشاركة مع مسئولية الآخر المشارك فى نفس الاتجاه، فتنشط حركية البقاء ويتخلق "الوعى الجمعى".
رابعًا: إن تحريك المسئولية فى جماعة يخفف من رعب المسئولية الفردية، وفى نفس الوقت يعمقها.
خامسًا: من يتحمل مسئولية نفسه يستطيع أن يتحمل مسئولية غيره.
سادسًا: إن تنشيط فعل المسئولية بهذا المعنى هو بداية شديدة التواضع لكنها شديدة الأهمية، وهى تقاس بالفعل على أرض الواقع، لا بالإعلان ولا بحسن النية.
سابعًا: إن تبادل المسئولية ينميها ويحفزها ليس بالضرورة بين نفس الشخصين دون غيرهما، وإنما مع أى وعى مُشارك حاضر فى "هنا والآن".
ثامنًا: إن تعريف الحب يمكن أن يصاغ هكذا: إن العلاقة بين البشر تبدأ بالوعى بالمسئولية عن كل ما هو أنا، ثم عن الآخر الذى أتحرك نحوه، مع ضمان قدر من الاستمرار والاختلاف الذى يسمح بحركية "الدخول والخروج"، وهى تمتد تلقائيًا إلى دوائر أكبر فأكبر بنفس القوانين ونفس المقاييس إلى كل الناس، فكل الحياة.
تاسعًا: إن هذا النموذج المصغر يمكن أن يكون هو الهدف المأمول عبر العالم فى مراحل التطور الإيجابى لأية مجموعة بشرية تشارك فى تنمية العلاقات الحقيقية كما خلقها الله بدءًا بالمجموعات المتجانسة، وامتدادًا للوطن فكل العالم، ولهذا نزلت الأديان.
عاشرًا: إن الله سبحانه "بالمعنى الموضوعى الآنى أولاً امتدادًا إلى الإيمان بالغيب حيث: "وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ" سوف يحاسبنا على حمل أمانة أى قدر من المسئولية، وأيضًا على العمى عن هذه المسئولية إذا نحن عمينا عنها.
وبعد مسئولية كل فرد من أفراد نوع من الأحياء عن كل النوع هى إسهامه فى العمل على الحفاظ على بقاء كل أفراد نوعه، ثم حسب القانون الأحدث الذى يقول "إن البقاء للأكثر تكافلاً" يمكن إعادة الصياغة بالقول "إن مسئولية كل فرد من أفراد نوع من الأحياء هى فى العمل على الحفاظ على كل الأنواع المتكافلة معًا، أى "على الحياة"، وهذا الفصيل من الأحياء لا يحتاج إلى أن نعين هذا الفرد بالذات رئيسًا لجمهورية قومه، فكل فرد هو هذا الرئيس من بعدٍ معين.
لكن على الرئيس الرسمى القادم أن يرسى نظام ومعالم مؤسسات قادرة: تسمح للأفراد أن يمارسوا هذه العبادات.
لا مهرب منه إلا إليه
والله المستعان.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد العقدة
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
عدد الردود 0
بواسطة:
رفيق حاتم
العقد