أكرم القصاص - علا الشافعي

سعيد عقل يثير الجدل حيا وميتا.. مثقفون: مجدد قومى شاعر لبنان والوطن العربى.. وآخرون: عميل ومتعصب وفاشى.. وكتاب يتساءلون: ما الذى يحول شاعر من "قومى" إلى "عنصرى"؟

الأحد، 07 ديسمبر 2014 01:20 م
سعيد عقل يثير الجدل حيا وميتا.. مثقفون: مجدد قومى شاعر لبنان والوطن العربى.. وآخرون: عميل ومتعصب وفاشى.. وكتاب يتساءلون: ما الذى يحول شاعر من "قومى" إلى "عنصرى"؟ الشاعر الراحل سعيد عقل
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هناك موقفان غريبان فى الثقافة العربية تأتى غرابتهما من كون "الحادث واحد" ورد الفعل متناقضا، الحادث هو اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان 1982 حينها شعر الشاعر خليل حاوى بالإهانة فأطلق الرصاص على نفسه منتحرا، بينما وقف الشاعر سعيد عقل مهللا بهذا الاجتياح مطلقا على الجيش الإسرائيلى "جيش الخلاص".

بدأ سعيد عقل حياته عروبياً، فانضم إلى الحزب السورى القومى الاجتماعى، وألف العديد من القصائد التى تتغنى بالشام. غير أنه بدّل مواقفه بشكل كامل، وانتقل إلى النقيض حين تبنى رؤية مضادة للعرب والقومية العربية تؤكد أن لبنان ليس جزءاً من الوطن العربى، بل أن تاريخه وتراثه الفينيقى هو الأصل، كما تبنى موقفاً معادياً للوجود الفلسطينى بلبنان، إلى درجة تأييده الاجتياح الإسرائيلى للبنان، فكتب فى إحدى الصحف يشكر القوات الإسرائيلية على ما فعلته.

والجدل حول سعيد عقل ليس جديدا وليس مرتبطا بموته فهو قديم منذ أزمة تصريحاته المؤيدة لإسرائيل، وكذلك عندما أصدرت لبنان 2011 مجموعة من الطوابع التى تحمل اسمه، ثم تجددت بعد موته، حيث طالب كثير من النشطاء والمثقفين بعدم تكريم سعيد عقل، والذى يعد أكبر المعمرين من المثقفين العرب إذ تجاوز القرن بعامين، وجاء الهجوم عليه بسبب اتهامه بالتطبيع مع إسرائيل، حيث كانت له تصريحات تليفزيونية وتصريحات متعددة لصالح الكيان الصهيونى أقواها إشادته بجيش الاحتلال، وجاهر بالدعوة إلى التخلص من الفلسطينيين، بل وإبادتهم عن بكرة أبيهم، ودعوة الجيش الصهيونى لتحرير جنوب لبنان من الفلسطينيين، وإزالتهم عن الوجود، وشكره العلنى للإسرائيليين على مجازرهم بحق الفلسطينيين واللبنانيين، كل ذلك جعل سعيد عقل بين موقفين غريبين متناقضين تماما.
الموقف الأول ينظر إلى مكانته الشعرية، فذكرت الوكالة اللبنانية يوم وفاته، أن "الموت غيب الشاعر والأديب الكبير سعيد عقل أحد أبرز الوجوه الشعرية والأدبية فى لبنان والعالم العربى".

كما أكد عبده وازن فى مقال صحفى تحت اسم "سعيد عقل «شاعر لبنان» جدّد الشعر العربى وصنع حداثته" قال فيه: عاش سعيد عقل قرناً بكامله هو القرن العشرون، عاشه وكأنه قرنه، هو الشاعر الكلاسيكى المجدّد الذى لم يتخيّل القصيدة يوماً، خلْواً من عروض الشعر العربى ومن جماليات البيان والبديع التى حفل بها تراث الأقدمين. شاعر كبير، هو بلا شك آخر الكلاسيكيين الكبار بعد رحيل روّاد النهضة، أحدث ثورة فى شكل القصيدة العمودية وفى اللغة الشعرية العربية التى أدرك أسرارها باكراً وتمرّس فيها حتى أخضعها صوغاً وسبكاً، فغدت بين يديه كالذهب الخالص بين يدى الصائغ الماهر".
بينما كتب حبيب الصايغ، تحت عنوان "الشاعر وكفى" يقول "يرى كثيرون باعتباره شاعر المتناقضات، وأراه شاعر التناغم والتصالح مع الذات والموضوع، وبين الذات والموضوع، كما لا يتحقق ذلك مع أى شاعر آخر، وإن كان لا بد، فهو شاعر التناقض الأجمل الذى يضع الشاعر مباشرة فى صعوبة بساطة هو خالقها باقتدار".

وكتب عنه أحمد عبد المعطى حجازى تحت عنوان "صنو لبنان" قائلا: "سعيد عقل صنو لبنان وصنو الجبل، وغابة الأرز، أحبَّ لبنانَ، كما نحبه جميعاً وأكثر منا جميعاً، ليس لتقـــصير منا، ولكن لأن سعيد عقل يملك ما لا نملك، ولقد أحب مصر كما أحببناه، وقال فيها ما لم يقله شاعر مصرى: «ما لم نزن مصر وزن الحق يبق دم على الضمير، ويبقى أن يراق دم».
بينما دخل عزمى بشارة فى صلب الموضوع تماما فى مقاله "بمناسبة النقاش حول سعيد عقل" قائلا "من العبث إنكار قيمة عمل أدبى عبقرى لأن صاحبه عنصرى، أو لأنه متطرف ينتمى فى المعسكر الآخر. مثل هذا يقود، أيضاً، إلى تضخيم قيمة عمل أدبى، لأن صاحبه من "معسكرنا"، كما يقود إلى تجاهل صفات المبدع الشخصية والاجتماعية السيئة، والتى يجرى التستر عليها غالبا".
ومن ناحية أخرى كان هناك رأى آخر رأى فى "سعيد عقل" المطبع والعنصرى، حيث كتب نصرى حجاج تحت مسمى "سعيد عقل" قائلا "أستطيع أن أقول بأن فلسفة سعيد عقل الفاشية العنصرية التى لا تدعو إلى القتل وحسب، بل إلى الإبادة لشعب بأكمله، بقضه وقضيضه، لا نستطيع أن نغفر تهويماتها وخبطها فى وحول وقذارة الدم الذى كان، ربما، سيلوّن قصائده، لو أن البطل "مناحيم بيجن" استجاب لدعوته التى تقطر دما".
بينما أكد الكاتب والشاعر إبراهيم داود، بأن علينا ألا نتحدث عن شخصه، لأنه الآن بين يدى الله، أما موقفه من الاجتياح الإسرائيلى فكان شيئا صعبا حقيقة وبه فجاجة، لكن سوف تذهب هذه الأراء السياسية ويبقى الشعر، كما تظل مساهماته مع فيروز والرحبانية باقية.
وأكد "داود" أن سعيد عقل كان قوميا لبنانيا بمفهومه هو، والذى تقريبا يفصل لبنان عن سياقها العربى ويبحث فى إطارها الفينيقى.
وأكد الناقد مدحت صفوت، حجم الاحتفاء بالشاعر اللبنانى سعيد عقل مثَّل «صدمة» خاصة من أولئك الكتاب والصحفيين الذين يعارضونه سياسيًا ويقفون فى صف المقاومة العربية، واستند الباكون مؤيد إسرائيل على حجة «فصل الخطاب الشعرى عن المواقف السياسية»؛ لكن السؤال أليس إعلان الموقف السياسى خطابًا فى حده؟! وكيف يمكن للمتلقى أن يرفض فى الصباح «عقل المتصهين» ويتغنى مساءً بقصائد رومانتيكية نسجت على الشكل الكلاسيكى؟!! بالمنطق ذاته علينا أن نحتفى بذكرى الشاعر اليهودى الإسرائيلى موريس شماس، فهو من أصول مصرية ويكتب بالعربية وواحد ممن يسمون فى الكيان باسم «دعاة السلام» طالما بإمكاننا الفصل بين الخطابين الشعرى والسياسى!! كما أننى أتساءل هل سيبكى زملاؤنا قاتلًا مثل سمير جعجع؟!! ربما يحدث ذلك فعلًا.

وأضاف "صفوت"أن "عقل" ليس صاحب رأى سياسى مخالف، بل هو رجل «عنصرى» وقف ضد الشعب الفلسطينى «مدنيين ومقاومين»، وأيّد المجازر التى وقعت تحت إشراف قوات الاحتلال، ووصف الأخيرة بـ«جيش الخلاص» والمقاومة الفلسطينية فى لبنان بـ«الاحتلال»، كذلك نحن بصدد «طائفى» تقلبتْ انتماءاته من القومية والدفاع عن العروبة إلى الشيفونية القطرية، وأحيانًا الطائفية، المقيتة والضيقة. بالتالى كان يجب علينا أن نستغل حدث الرحيل فى طرح الأسئلة الأهم، ما الذى يدفع قومى وعروبى سابق إلى التحول بالوقوف فى صف العدو؟، وهل يمثل «عقل» بتحولاته الكبرى ظاهرة فى تاريخنا العربى الحديث؟ أم مجرد حالة فردية وفريدة؟ تابعت باهتمام أغلب ما كُتب بخاصة فى الصحف اللبنانية، وللأسف ثمة محسوبون على تيار المقاومة، برّروا سقوط سعيد عقل بالتأثر بـ«الحرب الأهليّة»، وبدلًا من تفكيك الموقف الطائفى لصاحب «مُرّ بى» وخيانته لأفكاره ومواقفه الأولى، وكيف لمثقف من المفترض أن يقود عملية تشكيل الوعى يقع فى فخ الدعايا الصهيونية خلال الحرب، راحت الأقلام تترحم وتبكى وكأننا أمام فقدان غير متوقع لشخص فى ريعان الشباب وليس «عجوزًا عنصريًا» تجاوز عمره القرن من الزمان!! وفى رأى ما كتبه المؤرخ فواز طرابلسى هو الأدق والأصح تعبيرًا «شاعر كبير وإنسان حقير».

وذكر الشاعر محمود قرنى، أنه قرأ مقالا لـ"إلياس خورى" عن سعيد عقل يطلب فيه التحفظ على شخصه، حتى لا يسىء إلى تاريخه الشعرى الكبير، لأن آراء سعيد عقل السياسية أقرب إلى الهيستريا منها إلى التعقل والتقييم.

ويؤكد "قرنى" أننا قرأنا الكثير لسعيد عقل حول معاداته للثقافة العربية، رغم أنه واحد من أهم شعراء العربية المحدثين وأحد كبار العارفين بأسرارها، وقد دفعه هذا العداء للتحدث بسفور عجيب عن أن المستقبل تحت أقدام الجيش الإسرائيلى، وطالما أن سعيد عقل مات فالموت أنهى أسطورة الموقف غير الرشيد الذى كلل أطروحاته المرفوضة من المدونة العربية التقليدية.

كما كتب أحمد أصفهانى "مات سعيد عقل: إبداع الشعر لا يخفى الخيانة والعنصرية"، عاب فيه دفاع المثقفين عن سعيد عقل وتجاوز أخطائه الفادحة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة