شريف سعيد

مراحيض ماسبيرو

الخميس، 25 ديسمبر 2014 06:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ماذا لو قدر لك دخول حمام فى مبنى الإذاعة والتليفزيون؟! بمجرد جلوسك فوق قاعدة المرحاض وتأملك الكتابات على "الجدران" من حولك، ستجد أن زائرين قبلك عبروا عن رأيهم بحرية وتناقشوا بموضوعية حول سياسات رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو وزير الداخلية، أو حتى مدير الإدارة، لو نجحنا فى الانتقال بهذا الأداء الشفاف من "الحمام إلى الشاشة" لاستطعنا إنقاذ جزء كبير من "مصداقية" ما يقدمه هذا المبنى الميت إكلينيكيًا عند المصريين، لكن هذا الانتقال سيواجه بعض المعوقات التاريخية:

الإرث الأمنى.. المتأمل لطبيعة ماسبيرو سيدرك بقليل من التدبر أنه منشأة أمنية تمارس نشاطًا إعلاميًا، وأن هذا المبنى مجرد فرع لوزارة الداخلية على كورنيش النيل، لا يخفى على أحد أن أغلب القيادات الحالية فى ماسبيرو تربت تاريخيًا على استرضاء الضابط الخفى الذى يكتب عنها تقرير ما قبل حركة الترقيات، ليبقى المعيار الأهم فى رحلة الصعود هو جودة العطاء الأمنى للموظف! تلك المنظومة أفرزت لنا فى نهاية المطاف إعلاميين بثقافة مخبرين!

عبادة النظام.. الفارق ضخم بين احترام مفهوم الدولة المصرية وبين الاستعداد للعمل كخادم لأى نظام، بعض القيادات -التى امتلكت بلا حياء جرأة التمرغ بفراش الحزب الوطنى والانتقال آليًا إلى أحضان المجلس العسكرى ثم تقبيل عتبات المرشد- تسعى الآن للعب نفس الدور الرخيص مع الرئيس الواعد الجديد، هؤلاء تليق بهم إدارة ملهى ليلى لا إعلام دولة!

معيار الأقدمية.. هذا المعيار للترقى قد يصلح جدًا إذا كان المطلوب هو اختيار رئيس لقسم الملابس الداخلية فى عمر أفندى، أما بالمؤسسات الإعلامية فهذا العبث لا يصلح فنيًا ولا يستقيم إداريًا، كثيرون ممن يديرون ويصنعون نجاحات أشهر الفضائيات، مجرد موظفين مربوطين على الدرجة الثانية والثالثة فى ماسبيرو!! إما أن يتولى هؤلاء الناجحون -وأمثالهم كثيرون داخل المبنى- دفة الأمور بماسبيرو، أو أن يصمت الحالمون بالتغيير إلى الأبد!!

الخوف من الغد.. وهذه مسألة شديدة التعقيد، فالجزء المتغير من الأجر الشهرى أضخم كثيرًا من الثابت الضئيل، وهذا يجعل أبناء ماسبيرو تمامًا مثل "عمال بلا حقوق"، وبالتالى يقبل الإعلاميون تحت وطأة الحاجة، بكتابة وتقديم وإخراج أى كذب يوكل به إليهم، وذلك خوفًا من عدم استطاعتهم الوفاء بالتزاماتهم المادية فى نهاية الشهر!! كل هذا لن يجعل الإعلامى صادقًا إلا وهو يكتب متواريًا على جدران حمام!
أبدًا لن أفقد الأمل، على ثقة بأن تلك الأوضاع لن تستمر طويلاً، وأن ماسبيرو على موعد مع تغير ضخم، أتمنى أن يكون للأفضل، وعلى أية حال قبل أن تمد يدك وتشد مقبض "السيفون" ستلاحظ دائمًا وجود رزمة أوراق أعلى السيفون، لو قلبت فيها لوجدتها أوراق برامج ونشرات أخبار ومواجز أنباء، لا تندهش فالعاملون قرروا إعادة تدوير رسائلهم الإعلامية عبر فرشها على القاعدة البلاستيكية للمرحاض كإجراء صحى، أو استخدامها كبديل طارئ لأوراق المناديل عند اللزوم!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة