أحمد التايب يكتب: شيخ فى زمن العولمة‎

الجمعة، 12 ديسمبر 2014 02:03 م
أحمد التايب يكتب: شيخ فى زمن العولمة‎ صورة ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت العائلة أقوى ضمان ضد الانحراف، التى يصيب أولادنا فى عصر العولمة، الذى اختلطت فيه الأمور وانقلبت إلى حد السكين فجزت الأصول وأبقت الفروع تعصف بها رياح الاغتراب عن الأهل، رغم أنهم فى بيت واحد وأحيانًا يتقاسمون غرفة واحدة، ولأن طبيعة الحياة اختلفت، زحام ومسئوليات وأحلام، وفى خضم ذلك المعترك يحول البيت إلى جزر، ويبقى شمل العائلة تائهًا ويطول الانتظار حتى تأتى مناسبة فيجتمعون لسويعات فقط، ومن ثمَّ ينفض الجميع ويزيد الفراق ويتغلغل الانعزال فنصبح أمام زمن قل فيه توقير الكبير وانتشرت فيه كافة الرذائل، وضاعت اللمة، وسادت العزلة، وأصبح الكل يبحث ويلهث وراء مصالحه، ينافق من يشاء، ويود من يشاء، فلا قيمة للصدق ولا للحق، كل ذلك يدعو أن نيأس وأننا إلى الهاوية قادمون، وبالفعل قد يئست يأسا كبيرا، وقلت لنفسى لماذا أتيت من الريف المصرى، الذى يعشق اللمة ويحرص على العادات والتقاليد، وجئت إلى مجتمع كنت أحسبه أحسن وأفضل؟ إلا أننى وبعد هذا اليأس الكبير قدر لى أن يتجدد الأمل بعدما دخلت بيتا يقوده رجل وشيخ اسمه الأول ناصر.

وهو ناصر حقا للمودة والثانى رمضان محب كشهر رمضان للمة وحريص على العائلة وكأن شهور السنة كلها رمضان، وبالرغم من أن ظروفه الصحية سيئة إلا أنه يعشق التهادى ودائما واقفا مع اليتيم والمحتاج فلا يرد سائلا ولا يمنع محروما، وقته وجهده وماله دائما فى خدمة الآخرين ومن أجل سعادتهم، هذا الشيخ طريق حياته الحكمة، فبحكمته هذا تعلمت الكثير، فلك أن تتخيل معى كيف للرجل فى هذا الزمن لا يأكل أكلا مطبوخا إلا بمشاركة بناته المتزوجات وأزواجهم وعائلتهم.. وهذا ليس بمرة أو مرتين وإنما لشهور وسنوات، وهذا لا يعنى قدرة مالية فقط وإنما رغبة منه فى لم اللمة ونشر السعادة، ولك قارئى العزيز أن تتخيل شيخا يفتح بيته لعائلته وأصهاره آكلين ساكنين، ولم يكتف بذلك، بينما قرر أن يكون له نشاط اجتماعى داخل حيه متصدرا لمشاكلهم ومحاولا مساعدتهم.

ومع هذا الشيخ زوجة طيبة لا تعرف للمكر طريقا، حياتها بالفطرة، فكل ما يهمها رضا الآخرين، فهى رمانة للميزان فى بيتها، تعشق الكرم، فهى لا تكل ولا تمل من خدمة الآخرين، فلك قارئى العزيز أن تجد زوجة فى هذا الزمن الذى انتفخت فيه النساء من الكسل والوخم، امرأة تستقيظ فجرا لرعاية زوجها ورعاية 5 أسر، فلا تنام قبل أن يناموا، وما يدعوك للتأمل أن الكبير والصغير يطلب مساعدتها فى أكله وشربه ولبسه ليس سوء أدب منهم، ولكن لنشاطها وحبها لبيتها هى، ناهيك عن قدوم المواسم فتجد بيتا مليئا بالخير متمسكا بالتقاليد محبا للخير.
عزيزى القارئ بعدما سردت لك هذا النموذج الفريد، الذى أعاد لى الأمل بأن الخير موجود وأن هناك أناسا للخير محبون وفاعلون، أتمنى أن نرجع إلى هويتنا وأن نسترد عاداتنا الجميلة وعلى رأسها رجوع العائلة لما لها من فوائد عظيمة، ومنها الانتماء فقد أثبت علماء النفس بأن الإنسان بطبيعته وفطرته بحاجة دائما إلى الانتماء وليس هناك أفضل من إشباع هذه الحاجة بانتماء الإنسان إلى عائلته التى تتمتع بالقيم والأخلاق والنسب الشريف، وهذه الحاجة لدى الإنسان إذا لم يتم إشباعها بانتماء إيجابى فيمكن أن يتم إشباعها بانتماء سلبى، وكذلك حماية الأخلاق: لمة العائلة دائما مفتاح لانتشار الخير، لأنها تعنى وجود الكبير والتواصل، وتصحيح الخاطئ ومعالجة القاصر، وكذلك حصن لمواجهة المصائب: كأن تحصل وفاة مفاجئة أو مرض عضال لأحد أفراد العائلة فبدلا من أن تواجه أسرته هذه المصيبة بمفردها يكون هناك سند وعون لتخطى هذه الأزمة، أو أن يقع أحد أفرادها فى مشكلة نتيجة خطأ ارتكبه فيجد من يساعده ويسانده للخروج من محنته، وحتى فى الأفراح فقد يكون أحد أفرادها مقبلا على الزواج فيجد من يسانده ويساعده بمختلف المجالات، التى يمكن للعائلة تقديم المساعدة من خلالها، وأخيرا صلة الأرحام: لا يوجد أى دين سماوى عبر الأزمنة إلا وكان من أهم أوامره الدعوة لصلة الأرحام، من خلال التواصل المستمر والقضاء واجتثاث أى خلاف ممكن أن ينشأ بين أفرادها لأن العقلاء والقدوة فيها لن يسمحوا بوجود مثل هذه الخلافات، وإنما سيسعون دائما لحلها فى إطار المودة والاحترام والنصح والإرشاد والاستفادة من التجارب السابقة لأن الخلافات لن تؤدى إلا إلى الكراهية والحقد والبغض، وهذا كله سيؤدى إلى الفساد والظلم، ولذلك يقول تعالى فى كتابه العزيز(فهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أن تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ).










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة