عمار على حسن: أيها السلفى.. سلفك غير سلفى

الإثنين، 01 ديسمبر 2014 10:06 م
عمار على حسن: أيها السلفى.. سلفك غير سلفى الكاتب المصرى عمار على حسن
بيروت (رويترز)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يخاطب الكاتب المصرى عمار على حسن، فى روايته الأخيرة، سلفيًا عزيزًا عليه وحبيبًا لديه فيخالف آراءه ويقول له "إن سلفك غير سلفى."

وكان البطل يتحدث فى رواية "السلفى" مخاطبا ابنا له تحققت فيه نبؤة عرافة قالت عندما كان الأب لا يزال صبيا صغيرا إنه سينجح فى الحياة، لكنه سيرزق بولد يخرج إلى جبال ومناطق وعرة فى بلدان أخرى ويقتل الكثير ممن يعتبرهم أعداءه بقسوة ودون شفقة.

جاءت الرواية فى 295 صفحة متوسطة القطع وأصدرتها مكتبة الدار العربية للكتاب فى القاهرة، وقال ناشرها على الغلاف "هذه رواية غير تقليدية بطلها غائب حاضر وراويها حاضر غائب نسير فيها من عتبة إلى أخرى عبر أزمنة لا تكتسب أهميتها من ذاتها، وإنما من الأماكن التى يطوف بها الراوى، حاملا على كتفيه نبؤة قديمة ومتحدثا إلى ابنه السلفى الذى اختطف روحه الجهاديون ليحارب معهم فى بلاد غريبة، ويحاول الأب المكلوم استعادته من صحارى الدم والهلاك."

ويكتب المؤلف بسردية شعرية سيالة وبما هو أقرب إلى كلاسيكية سهلة وعريقة تعتمد على الإيقاع بشكل بيّن وجميل أخاذ.

وفى أجواء يختلط فيها الخرافى بالواقعى السائد فى عدد من البلدان العربية والإسلامية، مضى الأب مخاطبا الابن الغائب فى أفغانستان أو بلدان أخرى قائلا له، إن المرأة التى تذكر القارئ بشخصية العرافة الرائية "وصفتك يومها كأنها تراك الآن وحكت لى عن المتاعب التى سألقاها معك وأنت تروغ منى، ما أن أجدك حتى تضيع ليبدأ عذابى من جديد".

"ما الذى يجعل امرأة ريفية بسيطة تعرف أشياء عن ولد سيأتى ويسافر إلى بلاد الجبال الوعرة والعمائم والخشخاش والرصاص المصبوب، وأنه سيحمل بندقية تلو أخرى ويقتل من أعدائه خمسة وعشرين يصطادهم من بين عيونهم فيخرون بلا حراك وتسقى دماؤهم حصى الصحراء ثم يطارد البقية والشمس تقف منكسرة على سن الجبل وبعدها تسقط خلفه ويحل ظلام دامس."

ولما وصفت جدة الصبى هذا الأمر بأنه ثأر ابتسمت الشيخة العرافة وقالت، "ثأر لكنه كبير وقد لا يكون ثأرا أصلا"، ووصفت "جبالا وكهوفا ووجوها لم نرها."

وتحدث الأب إلى ابنه قائلا "لكنك لم تذهب إلى سيناء ولا حتى فلسطين كما فسرنا النبؤة القديمة إنما ذهبت إلى أفغانستان."

واسترسل فى ذكريات يخاطب ابنه البعيد "فها أنت قد كبرت.. نبت لك شارب ولحية فحلقت الأول وتركت الثانية.. كنت تدوس عليه بالموسى حتى يكاد الجلد يتقشر، بينما أعفيت الثانية من كل شىء.. وكنت كلما سألت تقول: "هذه سنة الرسول" وضحكت ذات يوم وقلت لك: كان الرسول يترك شعر رأسه مسترسلا على كتفيه وكان يضفره فافعل مثله.

"وكنت تلوذ بالصمت" وتقول "لا أستطيع فعل هذا".. لماذا؟ هكذا سألتك بصوت لم يخل من غيظ وأجبتنى بصوت خفيض: "التقاليد". قهقهت يومها وقلت لك: كانت بعض تقاليدهم فماتوا عليها فصارت لديكم سنّة.. وسألتك "ترى لو كان فى جزيرة العرب قديما حلاقون مهرة ألم يكن من الممكن أن يتغير كل شىء..؟".

وتحدث الأب عن العتبات الواحدة والعشرين.. عتبات البيوت المتراصة بجوار تلك الحديقة الشائخة والتى شكلت عتبات جيران الأب وحكاية عالمه الطيب "حكايتى التى ربما لو حكيتها لك.. لتغيرت أشياء كثيرة وبقيت معى هنا تدب أقدامنا سويا فى الشوارع العتيقة ولم تطارد الرصاص من جبال أفغانستان إلى صحراء ليبيا وليس فى رأسك سوى وهم الكتب الصفراء وليس فى مخيلتك سوى صورة شيخك وأميرك الذى تمتلئ يداه بالقنابل والدم.. وحين أطلب منك فى مكان ما أن تغمض عينيك لترى المعالم القديمة المحفورة فى رأسى أنا فعليك أن تفعل هذا على الفور حتى لا يفوتك شىء من زمن أبيك الذى ولى.

"إنه سلفى أنا القريب وهو غير سلفك وكل منا له سلف لكن بعضنا يقف عند أول مشهد تحمله الذاكرة الغضة، وبعضنا يجر أيامنا ليصلها بحكايات القرون الغابرة أو يفتح بابا وسيعا لمن صارت عظامهم ترابا ناعما ليأتوا فرادى وجماعات ويقبضوا بأيديهم الخشنة على رؤوسنا الحائرة وقلوبنا المرتجفة".

"تمهل فالسؤال الذى طرحته على وأنا أصرخ فى وجهك غضبا من سيرك الأعمى وراء رجل جاهل يحفظ بعض الكتب المحتشدة بكلمات مهجورة ويسكبها فى أذنيك لم يكن من السهل أن أجيب عنه هكذا شفاهة..أنت سألتنى لماذا أنا هكذا؟ وأنا أجيبك بسؤال: كيف أصبحت أنت هكذا فى غفلة منى؟".

وفى مكان آخر يضيف الأب مذكرا ابنه بقوله له "لا تقرأ الآيات بظاهرها وهناك آيات أخرى تبين نقيض حكمك القاسى.. ولما أرفض ما تقول تبتعد عنى وتقول "هذا كلام الشيخ وهو يعرف أكثر؟" تمشى وراء شيخك أعمى كالخروف الضال.. شيخك يردد كالببغاء كلاما مسجوعا وراء شيوخ قدامى عاشوا فى القرون الغابرة، جاوبوا عن أسئلة زمانهم ثم اندثروا بالحصى وصمتوا إلى الأبد لكن ما قالوه عن أيامهم صار معصوما فى أيامنا."

وتناول الكاتب العتبات الواحدة والعشرين التى شكلت مجتمعه الصغير الحلو وقدم لنا كثيرا من أصحابها الصالحين من مسلمين ونصارى، مشددا على أن هؤلاء هم الطيبون الذين ينالون رضا الله لأعمالهم وأفكارهم ومشاعرهم النبيلة.

وختم كلامه هذا بالقول إنه كلما سمع "أحدهم يبرطم بكلام قديم" أضحك وأقول "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"، الله يسر قرآنه وجاءوا هم لينسجوا حول متنه العامر بالجلال والمعانى السامية تخاريج وتعاويذ وتحريفات وتأويلات وأوهاما يشدونها نحو مصالحهم ويقولون للناس: "هذا شرع الله."








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة