طه حسنى يكتب: أم الشهيد "بلال"

فى صباح اليوم المشئوم والمنتظر دقت ساعة الحسم، كل القلوب تتوجس خيفة مرتقبة نتيجة حكم محاكمة القرن بعد صبر طال لسنوات، بعد أكثر من دستور بعد تنصيب أكثر من رئيس، وكان أقل ما نتمناه هو سماع حكم بالحبس والإدانة إلى الرئيس الأسبق مبارك فى قضية قتل المتظاهرين لتعم الفرحة داخل قلب كل أم شهيد، وعلى وجه الخصوص داخل قلب "أم بلال" إحد أمهات شهداء الثورة.

استقبلت الحكم بصدمة ينوبها الشعور بالهزيمة، فكيف لى مقابلة "أم بلال" بعد الآن؟ وماذا أقول لها؟ وهى كانت دوماً تعيش على أمل انتصارها فى الدنيا وتحلم بأن يكون حق الشهيد بلال ابن الخامسة عشر.

نزلت من المنزل فى انكسار حجمه يفوق حجم الكرة الأرضية وحدث ما لا يحمد عقباه، شاهدت الأم الفاضلة "أم بلال" وصوت بكائها يهز أركان المكان، وانتابنى شعور غريب سخيف للهروب من تلك اللحظة ومن تلك المقابلة حيث ليس لدى أى شئ لأقوله لها، بالإضافة إلى شعور آخر بالشك أن صديقى بلال لم يمت فى تلك ثورة 25 يناير وكيف ذلك؟ وأنا الذى استقبلت مكالمة من أحد الأصدقاء الذى كان بجواره وهو يخبرنى بوفاته!

فتخطيت ذلك الشعور السخيف وقررت مواجهة الموقف بشىء من القوة، وتقدمت الصفوف واخترقت معظم الناس الذين يواسونها بكلماتٍ روتينة ليس لها معنى ولا تجدى نفعاً، وفى أقل جزء من الثانية تذكرت جميع الأيام واللحظات التى جمعتنا سويا فى انتظار النطق بالحكم الذى كان بمخليتها بمثابة عرس فلذة كبدها تحتفل به مع الجيران والأقارب وبعد النطق كان الحكم سيفاً حاداً قاطعاً كل الآمال.

رأتنى "أم بلال" وكانت عيونى ترفض نزول الدموع فى مشهد تمثيلى للتظاهر بالقوة، لمست يدى يديها وكان سلاماً مرتعشاً وانحنيت برأسى لوضع قبلة على رأسها بدون كلام بدون همس حيث أى كلام فى معجم اللغة العربية بالنسبة لى لا يعوض إحساس الفقدان الذى عانته تلك السيدة المصرية.

فى ظل ذلك الموقف المهيب قالت لى "أم بلال": (حسبى الله ونعم الوكيل دى البراءة بريئة منهم يا بنى، ربنا ينتقم من كل واحد شاف الحق بعينه وما قلش عليه وحسابه وحق ابنى بلال عند الذى لا يغفل ولا ينام).