د. ناجح إبراهيم يكتب: العقاد أعظم من دعا إلى الله بقلمه.. قبّل الشيخ شلتوت يد العقاد قائلاً: إنما أقبّل اليد التى نافحت عن الإسلام ونبيه

الخميس، 06 نوفمبر 2014 04:50 م
د. ناجح إبراهيم يكتب: العقاد أعظم من دعا إلى الله بقلمه.. قبّل الشيخ شلتوت يد العقاد قائلاً: إنما أقبّل اليد التى نافحت عن الإسلام ونبيه د. ناجح إبراهيم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مرض عباس العقاد فعاده شيخ الأزهر، العلامة الشيخ محمود شلتوت، فى بيته، فانتفض العقاد من سريره، تقديرًا لمقام الإمام الأكبر شيخ الأزهر، فأخذ الشيخ محمود شلتوت يقبّل يد العقاد، مما أحرج الأخير حرجًا شديدًا، وقال فى خجل: «العفو يا مولانا أنت أحق بذلك».

فقال الشيخ محمود شلتوت: «إنما أقبّل اليد التى أمسكت القلم، ونافحت عن الإسلام ونبيه»
هكذا بدا العملاقان يتسابقان فى الفضل والكرم، ومعرفة قدر كل منهما للآخر، فالكبار كبار حقًا، والصغار صغار حقًا، ولا يعرف فضل الكبار سوى الكبار، ولا يعرف أقدار الآخرين سوى من تشرّب قلبه بالإيمان الحق، وقد لا تجد مثل هذا الموقف فى أيامنا هذه التى تحطمت فيها كل الرموز، وانكسرت فيها كل الزهور.

وهكذا أراد علامة عصره، الشيخ محمود شلتوت، أن يسجل شهادته على أعظم من دعا إلى الله بقلمه، ونافح عن الإسلام بكتاباته، دون تعصب أو عنجهية.. فإذا سألت اليوم أى أستاذ أو طالب فى كلية الشريعة أو أصول الدين عن دور العقاد فى خدمة الإسلام، فسيقول لك: العقاد لم يخدم الإسلام فى شىء، لأنه لا يحفظ إلا أسماء بعض الوعاظ الذين يسردون الرقائق، أو بعض القادة الحركيين الذين لا يهمهم سوى ضم الأتباع للتنظيم، وقد يشتم البعض العقاد لأنه لم يتعلم من شيوخه شيئًا عنه، ولم يمدحه أحدهم.

لقد اندثر علم العقاد وعبقريته فى الدعوة إلى الله، والمنافحة عن الدين يوم أن رضى الدعاة الجدد بالكتب الصغيرة التى لا تهتم بجوهر الإسلام، وتركز على الشكل دون المضمون، ولا تعير مقاصد الإسلام أدنى اهتمام، فى الوقت الذى أحصت فيه الجامعة الأمريكية بالقاهرة مليون مقالة كتبت عن العقاد فى العالم.. أما فى كلية دار العلوم، وهى أكثر الكليات الجامعية فى مصر التى تهتم بالعقاد، لأن فيها معظم تلامذته، فقد نوقشت 45 رسالة دكتوراة عنه، أما ما كتب عن العقاد جملة فبلغ 4 آلاف كتاب ورسالة ماجستير ودكتوراة.

ولعل معظم الدعاة الكبار الذى عاصروا العقاد يعرفون فضله على الإسلام ودعوته، ومن هؤلاء الشيخ محمد الغزالى الذى قال عنه: «العقاد أعظم من أمسك بالقلم فى القرن العشرين.. بل كان قلمه أقوى سلاح نافح عن الإسلام بالحجة والبرهان».

وأنا أزعم أن قلم العقاد وحده قد يكون أقوى من عشرات المؤسسات أو الجماعات أو الهيئات التى لم تحسن تقديم الإسلام إلى الناس، أو قدمته بصورة شوهاء عرجاء عمياء، ورغم مرور 50 عامًا على وفاة العقاد، فإنه مازال ملء السمع والبصر، ومازالت كتبه تطبع عشرات المرات، ومازال الناس يتعلمون منها، ويتهافتون عليها فى كل الأقطار الإسلامية.. وصدق من قال: «إن العقاد أصبح مثل نهر النيل.. لا يجف ماؤه وخيره وفضله أبدًا».

والغريب أن العقاد يعد أفضل من كتب عن كل الأنبياء قاطبة، وليس عن الرسول أو الإسلام فحسب، حتى كان الجميع يقول: «إن العقاد حينما يكتب عن المسيح عليه السلام يكون أفضل من كل آباء الكنيسة، وحينما يكتب عن الرسول أو الإسلام أو الخلفاء الراشدين يكون أفضل من شيوخ الأزهر، وحينما يكتب فى الأدب يكون أعظم من كل النقاد.. فلم يكن العقاد يكتب هكذا دون دراية أو علم أو إحاطة بالموضوع، بل كان يحيط الموضوع من كل جوانبه، ويعيش فيه بكل جوارحه».

وقد ذكرت قبل ذلك أن العقاد حينما أراد أن يكتب كتابه «عبقرية محمد » آلى على نفسه، واشترط عليها ألا يقابل أى أحد مهما كان وهو يكتب عن الرسول ، تعظيمًا له، وتقديرًا لمقامه، وحرصًا على الخلوة به والعيش فى رحابه، وأن تكون كل جوارحه وقلبه ومشاعره مع النبى فى خطواته وكلماته وسكناته، وحربه وسلامه ودعوته وحكمته.. يعيش دوره أبًا وزوجًا وصديقًا ونبيًا وقائدًا سياسيًا وعسكريًا ومربيًا وداعية.

ويعد العقاد أعظم من كتب عن المسيح عليه السلام، وكل الذين كتبوا قبله أو بعده عن المسيح لم يتعمقوا فى حياة المسيح أو يغوصوا فى عمق رسالته مثله، وقبل ذلك لم يجرؤ الكثير من المسلمين عن الكتابة عن المسيح نظرًا للتعصب الشديد، وكأن المسيح عليه السلام لا يخص المسلمين، أو كأن القرآن لم يتحدث عنه فى سور كثيرة، أو كأنه يخص المسيحيين وحدهم.. وأحمد الله أننى كتبت خمس مقالات عن السيد المسيح، وأنتوى أن أكتب عنه كتابًا لأكون أول داعية فى الحركة الإسلامية يكتب عن السيد المسيح.

إنه العقاد ذلك الشجاع العبقرى الذى لم يمدح أى حاكم على الإطلاق طوال حياته، ولم يسع لأى جائزة مهما كانت.. ورغم أنه لا مقارنة بين العقاد وطه حسين فى كل شىء.. فطه حسين لم يكن أبدًا بالعمق والعبقرية التى كتب بها العقاد، ويمكن لأى أحد أن تكون له مكتبة ليس فيها كتبًا لطه حسين، ولا يضير مكتبته شىء، أما العقاد فالمكتبة التى تخلو من كتبه فلا تعد مكتبة فى الحقيقة، ورغم ذلك فإن الدولة قدمت أوراق طه حسين عدة مرات لنيل جائزة نوبل فى الأدب، ولم تقدم أوراق العقاد، وكانت اللجنة ترفض منح الجائزة لطه حسين، لأن بعض أبحاثه الأولى كانت منقولة تمامًا من مستشرق فرنسى، كما شرح ذلك بالتفصيل المرحوم محمود شاكر الذى يعد من عباقرة اللغة العربية فى القرن العشرين، والذى لم ينل أى تكريم أيضًا من مصر.

وكان العقاد يسخر من هذا الموقف قائلاً: «إذا كانت هناك معضلة قال الناس اكتب يا عقاد.. فإذا جاء موعد الجوائز قالوا خذ يا طه حسين».

وكان يتقاضى عن مقالاته فى مجلة «روز اليوسف» 60 جنيهًا، وكان يريد أن يجرى جراحة فى عينه، فلم يجد ما يعينه على ذلك، فكان يقول لطاهر الجبلاوى: «ماذا تنتظر يا سيدى من أمة تستكثر على كاتبها 60 جنيهًا فى الشهر، فكيف لمثلى أن يعيش بمثل هذا المبلغ، ويشترى ما يحتاج من الكتب، وكان أى كتاب يصدر فى الشرق أو الغرب لابد أن يوجد عند العقاد بعد نشره مباشرة.

وحينما منح جائزة الدولة التقديرية قال الجميع: «هذه الجائزة أخذت مشروعيتها بمنحها للعقاد.. وليس العكس».

وقد ترفع العقاد عن مدح الحكام والملوك، بل إنه وقف فى وجه فؤاد الأول، وسجن من أجل ذلك، ولم يمدح فاروق بأى كلمة، ولم يمدح عبدالناصر على الإطلاق، رغم أنه منح التقديرية فى عصره، فقد كان يرى نفسه أكبر من هؤلاء جميعًا، وكان معتدًا بنفسه، حتى أن مصطفى باشا النحاس احتد عليه يومًا، وكان يريد أن يريه مقامه فقال له: «أنا زعيم الأمة».. فرد عليه العقاد ساخرًا: «وأنا كاتب الشرق بالحق الإلهى»، أى بلا منازع. ولما هاجم هتلر فى كتابه «هتلر فى الميزان»، وكانت قوات المحور تدك العالم كله دكًا، وتقترب من العلمين، حذره كل الناس من أن «هتلر» يتوعده لأنه أول من هاجمه بعنف وفضحه، فنصحوه بالذهاب إلى السودان، وهناك فى أم درمان أبدع أجمل الإبداعات حتى هزم «هتلر».

أما أعظم ما كتبه العقاد عن القرآن، ولم يكن له نظير من قبل، فهو كتابه الفريد «فلسفة القرآن».. وأما أجمل كتبه قاطبة فهو «الله جل جلاله»، وحينما سئل عن أفضل كتبه قال «الله جل جلاله»، حيث سرد فيه كل معتقدات الأمم عبر التاريخ، وبيّن أن جلال الوحدانية اكتمل فى الإسلام، ويحتاج كل مؤمن وملحد على السواء إلى قراءة هذا الكتاب.

ولم يكتب كاتب عن الخلفاء الراشدين إلا وقوبل بردود كثيرة، مثل كتب عبدالرحمن الشرقاوى، وطه حسين وغيرهما، إلا العقاد لم يرد عليه أحد فى كتبه عن الخلفاء الراشدين، لأنه قد بلغ الغاية فى الدقة ونحت الشخصية بقلمه وفكره الرائع، وغاص فى دخائلها دون إساءة لأحد.

لذلك حينما كتب عن الإمام على، رضى الله عنه، قال له البعض لماذا لم تكتب عن معاوية فكتب «معاوية فى الميزان».

وأعظم كتبه فى الدفاع عن الإسلام كتابه «حقائق الإسلام وأباطيل خصومه»، وهو أول من دعا إلى إطلاق ملكات الفكر والتفكير فى الإسلام، وكتب كتابه الرائع «التفكير فريضة إسلامية».. ولم يشر أحد قبله إلى أن التفكير هو فريضة إسلامية فى الأساس، وهو أول من كتب «الديمقراطية فى الإسلام» لينبئ الجميع بأن الإسلام هو دين الشورى، ولا يتناقض مع جوهر حق الأمة فى اختيار حكامها وولاتها اختيارًا حرًا، وهذا هو أساس الديمقراطية.. وقد ظلت فصائل كثيرة فى الحركة الإسلامية لا تدرك هذا المعنى، ولو أن كتب العقاد مقررة عليها ما احتاجت الحركة لوقت طويل لفهم العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، بل إن كل الفصائل المسلحة الآن مثل «داعش» و«القاعدة» و«جبهة النصرة» و«أنصار الشريعة» و«أنصار بيت المقدس» يكفرون الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، فما بالك بغيرها، لأنهم يرون الديمقراطية كفرًا بواحًا.

وكان هذا العلم كله - وقت العقاد - غائبًا عن المسلمين عامة، وعن العلماء خاصة.. رحم الله العقاد فقد كان أعظم دعاة عصره بلا منازع.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

رأي عباس العقاد فى الاخوان المسلمين

عدد الردود 0

بواسطة:

mohammed

words

عدد الردود 0

بواسطة:

mohammed

words

عدد الردود 0

بواسطة:

حاتم

حفظك الله يادكتور ناجح

كاتب محترم يختار مواضيع محترمه

عدد الردود 0

بواسطة:

أيمن مهدي

شكرا لصاحب المقال .. ورحم الله الكاتب الكبير

عدد الردود 0

بواسطة:

توفيق مبارك

بارك الله لك يا د ناجح وغفر لك ولنا

عدد الردود 0

بواسطة:

hesham

شكرا د.ناجح والشكر موصول لليوم السابع

عدد الردود 0

بواسطة:

hesham

شكرا د.ناجح والشكر موصول لليوم السابع

عدد الردود 0

بواسطة:

ashraf hassan

للتاريخ فقط

عدد الردود 0

بواسطة:

ashraf hassan

للتاريخ فقط

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة