مستشفيات الصحة النفسية فى مصر.. لا صوت يعلو فوق صوت الممرضين.. 18 مستشفى حكوميًا لعلاج المرضى النفسيين.. على رأسهم الخانكة والعباسية.. وبعضهم مهجور بسبب وصمة الجنون

الأحد، 30 نوفمبر 2014 11:15 م
مستشفيات الصحة النفسية فى مصر.. لا صوت يعلو فوق صوت الممرضين.. 18 مستشفى حكوميًا لعلاج المرضى النفسيين.. على رأسهم الخانكة والعباسية.. وبعضهم مهجور بسبب وصمة الجنون صورة أرشيفية
كتبت رضوى الشاذلى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قامة طويلة ووجه عبوس اختفت تقاسيمه فى هذه التكشيرة القائمة على شفتيه زيّه الأبيض غير الناصع يشبه كثيرا لدوره فى هذا المكان؛ فعلى الرغم من أن رتبته الوظيفية هى الأقل ولكنه هو المسيطر على زمام الأمور صاحب الفضل والقرار، هى بالتأكيد مشفى لمن فقدوا جزءا من عقلهم بالخارج ولكن العلاج بداخلها ليس شيئا حتميا على الإطلاق فإذا لم تقدم فروض الطاعة لهذا الشخص الذى يدعى "ممرض" فلن يكون لك نصيب فى العلاج.

داخل أروقة مستشفيات الصحة النفسية فى مصر يكون هو البطل يقرر من يبقى ومن يرحل، وفى عودة للمشهد الشهير فى فيلم "هى فوضى" للراحل "خالد صالح" بأن "اللى ملوش خير فى حاتم ملوش خير فى مصر"، وهنا من الممكن الاستعانة بنفس الكلمات "اللى ملوش خير فى لطفى ملوش نصيب فى العلاج"، لطفى أشهر ممرض فى تاريخ الصحة النفسية فى مصر سجن قبل ذلك لتسببه فى وفاة مريض أثناء محاولة السيطرة عليه، ففى كل مركز ومستشفى للصحة النفسية فى مصر يوجد عشرات ينتهجون طريق لطفى نفسه، ليدل على قبضة التمريض الحديدة على مجريات الأمور فى هذه المراكز والمستشفيات.

عدد المرضى النفسيين فى مصر وأحوال المستشفيات الحكومية والخاصة

57000 شخص هو عدد المرضى النفسيين فى مصر كما أقرته وزارة الصحة فى التقارير الأخيرة لها، هؤلاء ليسوا جميع المرضى فى المحروسة ولكن هذا العدد هو الذى قرر أو أجبره أهله على العلاج، بالتأكيد رقم هائل تم توزيعه على مستشفيات الصحة النفسية فى مصر العام منها أو الخاص، هذا المرض الذى تحول فى مصر على مدار سنوات طويلة إلى عار على من يحمله فتنازل عدد كبير من الأسر عن علاج أولادهم خوفا من هذه الوصمة، والتى بالتحديد تتمركز حول المستشفيات التابعة للحكومة على عكس المراكز الخاصة، مما قد يتسبب فى تكبد الأهالى أموالا طائلة حتى لا يصاب بهذه الوصمة ما تبقى له من حياته، مما أفسح المجال لظهور ما يزيد عن مائة مركز خاص للصحة النفسية على مستوى الجمهورية، تتربع عرش قائمة هذه المستشفيات هى "العباسية" والتى تحتوى على 1343 سريرا تختلف أسعارهم على حسب نوع الخدمة المقدمة له، أما عن عدد مستشفيات الصحة النفيسة فى مصر التابعة للقطاع العام فيبلغ عددها 18 فقط هذا الرقم الذى يعتبر أقل بكثير من المراكز الخاصة إلا أنه يحتوى على عدد أكبر نسبة إلى المراكز الخاصة.

وعودة إلى أغنية الفنان الموجى الشهيرة "الخارج من هنا مولود" فى حديثه عن مستشفى الأمراض النفسية أو كما يسموها فى الأوساط الشعبية "المجانين" فهذا هو حال معظم مراكز ومستشفيات الصحة النفسية فى مصر فإذا لم يجبرك ممرض على الخروج فى المتشفيات العامة فسيجرك ضيق ذات اليد فى المراكز الخاصة.

نار المراكز الخاصة ولا جنة العلاج على نفقة الدولة

1000 جنيه هو أقل سعر سيدفعه أهل هذا المريض قبل أن تطئ أقدامهم أى مركز من هذه المراكز هروبا من إهمال المستشفيات الحكومية أو حتى من هذه السمعة السيئة التى يتكبدها أى مريض يقرر أن يتعافى من مرضه، فعلى حسب الفندقة يتحدد السعر الذى ستدفعه يصل سعر الغرفة المفردة فى الخاص إلى 2000 جنيه فى اليوم الواحد وتتحدد فترة علاج المريض بها على حسب المبلغ المالى الذى يمتلكه، فالأمر هنا لا يتعلق بحالة المريض قدر ما هو متعلق بالأموال التى سيضخها إلى هذا المركز الطبي، فعلى الرغم من أن هناك لجنة من الأمانة العامة للصحة النفسية مكلفة بشكل دورى فى الأشراف على هذه المراكز الخاصة إلا أن هناك الكثير من المخالفات التى ترتكب ولا يستطيع أحد إثباتها، مثل وجود أشخاص تعافوا من مرضهم ولكن يقنعه المركز بغير ذلك لما يضخه من أموال طائلة شهريا، وذلك على عكس المستشفيات الحكومية التى ربما لا تكلف المريض شيئا حيث يبدأ سعر السرير الواحد فى العباسية فى الغرف المشتركة إلى 300 جنيه وصولا إلى 1000 جنيه فقط فى الشهر للغرفة المفردة للفرد الواحد ومع ذلك يفضل الكثير من الأهالى المراكز الخاصة عن المستشفيات الحكومية.

مخالفات ومزايا مراكز الصحة النفسية الخاصة

مخالفات جسيمة هى التى ترتكبها المراكز الخاصة حسب ما أكدت مصادر خاصة لـ"اليوم السابع" أن الكثير منهم يقوم بالإبقاء على أشخاص قد تعافت من المرض لمجرد أنهم يحققون للمركز مبالغ مالية كبيرة وإذا حدثت مراقبة من قبل الأمانة العامة يخرج هؤلاء المتعافيين من المركز فى رحلات ترفيهية حتى يمر اليوم بسلام كنوع من التضليل.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فتقوم فى أحيان كثيرة بجعل مريض لم ينته الكورس العلاجى له بالإمضاء على إقرار بمادة 10 والتى تنص على أن هذا الشخص لديه القدرة على أن يأخد العلاج المخصص له وأنه قادر على الخروج من المركز وهذا مخالف للقوانين الخاصة بحقوق المرضى، لأنه من الواجب فى مثل هذه الحالات أن يرسل المركز خطاب "22" إلى الأمانة العامة حتى ترسل طبيبا تابعا للقطاع العام ليحدد وضع المريض وإذا كانت حالته الصحية تصلح لأن يخرج من المركز، وفى أغلب الأمر هذه الخطوة لا تحدث لأن الأهم هناك هو الأموال التى سيدفعها المريض مقابل تواجده داخل المستشفى.

مستشفى العباسية الصرح الأكبر والأشهر لعلاج الصحة النفسية

دكتور مينا جورج، نائب رئيس قسم التأهيل بمستشفى العباسية، يحدثنا عن الوضع داخلها وكل شىء يتعلق بالمرضى هناك حيث يؤكد "مينا" أن: المستشفيات الحكومية فى مصر تعانى من "استيجما" وهى الوصمة التى تلاحق أى مريض قرر أن يتعالج داخله وأن السمعة التى تلحق به بعد الخروج أنه "مجنون" وهذا نتيجة لما تعرضت لها هذه المستشفيات الحكومية من تشويه على مدار سنوات طويلة، وكان الإعلام سببا فيها بسبب ما ينقله من صور سىء بداخلها، بالتأكيد الوضع داخل مستشفيات القطاع العام أقل من المراكز الخاص إلا أنه أصبح الآن أفضل حالا من الماضى، كما أن المقابل المادى البسيط أو المعدوم التى تتقضاه المستشفيات الحكومية يفسح المجال لمئات المرضى من العلاج حتى لو يكن يملك أموال فالكثير منهم بعد دخوله إلى المشفى يقوم أهله بعمل قرار للعلاج على نفقة الدولة، كما أن المستشفيات الحكومية تتميز بأنها تملك أطباء لديهم خبرة حقيقة فى العلاج، ويعاب عليها أنها ليس بها مكان للعلاج النفسى فيعتمد فقط على الأدوية وهذا الأمر نمتنى أن يتحقق فى المستقبل حتى تتزايد نسب الشفاء داخل المستشفيات الحكومية.

وعن شروط قبول أو رفض مريض حدثنا دكتور مينا أنه لا يوجد شىء يدفعنا كأطباء لرفض مريض إلا فى حالات معدودة مثل أن أهله يريدون التخلص منه لأسباب أخرى غير المرض، وهذا يحدث كثيرا فنحن نقوم فى بداية دخول المريض بعمل فحوصات ونحدد ما إذا كان هذا المريض يستحق أن يتواجد داخل المستشفى أم لا، أما فأسباب الدخول فهو ملاحظة وجود خطر من المريض على نفسه أو من حوله، ففى هذه الحالة نقوم بحجزه حجز إلزامى كما تنص المادة 10 من قانون حقوق المرضى النفسيين وهذه الحالة تعنى أن المريض خارج الحقيقة أى لا يعلم بحقيقة مرضه ولا يرغب فى العلاج فهنا يجب أن نقوم بحجزه ضد إرادته، وبعد فترة من الممكن أن ينتقل هذا المريض إلى المادة 13 أى أصبح قادر على أن يتفهم طبية حالته الصحية ولديه الرغبة فى العلاج فهنا نخاطب أهله لكى يقرون على إقرار الخروج، ولكن فى بعض الحالات يرفض ذويهم استلامهم ويريدون التخلص منهم وفى هذا الحالة نرسل 3 خطابات متتالية بعلم الوصول إلى أهل وفى حالة عدم الاستجابة نرسل المريض مع قوة من الشرطة إلى مكان أهله لكى نخلى مسئوليتنا عنه.

مستشفى العباسية للأمراض النفسية "الصيت ولا الغنى"

يستكمل دكتور مينا حديثه عن الوضع فى المستشفيات الحكومية أن هناك الكثير من الشائعات التى تتردد حول أن هناك تعذيبا يتعرض له المرضى بداخلها، وهذا أمر غير صحيح فعلى الرغم من أن هناك شبه سيطرة من قبل التمريض فى المستشفيات الحكومية إلا أن الأمر لا يصل إلى التعذيب، فالممرض هو المتحكم فى دخول المرضى والسبب فى ذلك أهالى الحالات التى تتواصل مع الممرض وكأنه دكتور مختص مما تفسح لهم المجال للسيطرة على مجريات الأمور بداخلها، فى العباسية نحاول أن نقوم بتقنين هذا الوضع وجعل قوانين المرضى النفسيين تتحكم فى دخوله إلى المستشفى أو الخروج منها.

نقلت السينما على مدار عديد من الأعمال الفنية هذه الصورة الكلاسيكية التى تتجسد فى اثنين من الممرضين يقومون بالذهاب إلى منزل أحد المرضى بناء على بلاغ من أهله وتقيده إلى المستشفي، فهل هذه الصورة حقيقة أم أنها خيال السينمائيين هذا ما أكده دكتور مينا أنه بالفعل فى حالة تلقى بلاغ من أهل مريض أن هناك حالة لا يقدرون السيطرة عليها فيذهب إليهم أثنين من الممرضين مع قوة من قسم الشرطة وبعد إبلاغ الأمانة العامة للصحة النفسية فغير ذلك يعد مخالف للقانون فيجب أن يكون ضمن هذه الفريق ممثل من قسم الشرطة، بالتأكيد لم يعد الأمر كما كان فى الماضى فأصبت الآن هناك طرق متطورة لتقيد مريض وإرساله إلى المشفى فالآن أصبحت هناك "حقن مخدرة" يتم حقن المريض بها ومن ثم إرساله إلى المستشفي، أما عن الصورة التقليدية فكانت تحدث فى الماضى وكان هناك ممرض شهير قد تم سجنه لفترة بعد أن تسبب عن طريق الخطأ فى وفاة أحد المرضى أثناء السيطرة عليه فكان يقوم لطفى بخنق المريض بفوطة حتى يغمى عليه ومن بعدها يتمكن من حمله وفى إحدى المرات فشل فى السيطرة على نفسه فمات المريض.

قصة قسم 8 غرب والمرضى السوابق وسكان الأرصفة

أما عن الحجز الذى يتعلق بجرائم فقد أكد دكتور مينا نائب رئيس قسم التأهيل بمستشفى العباسية، أن هناك الكثير من الحالات التى تأتى إلى المستشفى وتكون قد ارتكبت جرائم مثل القتل أو السرقة، ويتم إيداعها فى قسم "المدعين" وتحديد "8 غرب" حيث يتم تحويلهم من جانب النيابة العامة وتعطينا الأخيرة مدة 45 يوم لتحديد إذا كان هذا المجرم مريض أم يريد أن يتنصل من هذه التهمة، خلال مدة الفحص تأتى إلينا لجنة من وزارة الصحة وكذلك مجموعة من استشاريين الطب النفسى لتفحص المريض وتحدد حالته إذا كان مريض بالفعل أم لا ومعظم الحالات التى جاءت إلينا فى الفترة الأخيرة يثبت مرضها، ومن الممكن أن يثبت عكس ذلك فنقوم بمخاطبة النيابة العامة خلال 45 يوم من تاريخ إيداع المريض مع تقرير يؤكد أن حالته الصحية جيدة وأنه يدعى وجود مرض نفسى وهذا غير صحيح.

أما عن المرضى الذى يأتون إلينا عن طريق القسم فيوميا نستقبل حالات بهذا الشكل، حيث نقوم باستلامهم ونضعهم تحت الفحص لمدة أسبوع أو أكثر ونحدد حالتهم الصحية وإذا ما كانوا يحتاجون إلى علاج نفسى أو لا، وهذه النوعية من الحالات كثيرة جدا فأنا عملت لفترة طويلة فى الاستقبال وكان يوميا تدخل حالات إلى المستشفى بهذا الشكل، ولا يشترط هنا أن يدفع هذا الشخص أموال لأنه يكون فى الـأساس لا أهل له ويسكن الأرصفة وهناك يدخل إلى المستشفى بعد أن يتم إثبات أن حالته الصحية تتناسب مع المادة "10" وهى الحجز الإلزامى لما يمثله هذا المريض من خطورة على نفسه وعلى من حوله، ولا يتم خروج هذه الحالات إلا بعد الوصول إلى أن يصبح قادر على التعامل مع مرضه ولديه رغبة فى التعافى من هذا المرض ووقتها يتم إبلاغ الأمانة العامة للصحة النفسية بهذا الأمر لتقرر ما إذا كان يجب أن يخرج هذا المريض أم لا.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة