حرب «البوستر» و«المصطلحات التراثية» التى ينتصر بها إرهابيو «داعش» إعلاميا.. «الطواغيت» و«الليوث» و«المغاوير» و«الآساد» و«حماة الأعراض» مفاتيح شفرة التنظيم لجذب الشباب للانضمام إلى طوابير الإرهابيين

الخميس، 20 نوفمبر 2014 09:40 ص
حرب «البوستر» و«المصطلحات التراثية» التى ينتصر بها إرهابيو «داعش» إعلاميا.. «الطواغيت» و«الليوث» و«المغاوير» و«الآساد» و«حماة الأعراض» مفاتيح شفرة التنظيم لجذب الشباب للانضمام إلى طوابير الإرهابيين داعش
تقرير يكتبه: وجدى الكومى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن العدد اليومى :

«السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ.. فى حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ» ينتمى بيت الشعر إلى قصيدة شهيرة للشاعر العباسى «أبوتمام» كتبها فى مناسبة خروج الخليفة العباسى المعتصم بالله للحرب فى مدينة «عمورية» ضد الملك البيزنطى «توفيل بن ميخائيل» بعدما استغاثت سيدة عربية بالمعتصم بقولها «وامعتصماه» حينما أغار الملك البيزنطى على مدينة تسمى «ثغرى ملطية» فى تركيا، فخربها وأسر الكثيرات، مما جعل الخليفة العباسى يرد بالهجوم على أهم المدن «البيزنطية» وهى «عمورية» الواقعة فى غرب آسيا «الأناضول» حاليا، ولكن لماذا نحكى هذه الحكاية..؟

يستعين الإرهابيون الجدد بهذا التراث العربى القديم فى حشد الشباب وجذبه إلى صفوفهم عبر نشر صور وحكايات، ومقالات وقصائد تستخدم مفردات و«تيمات» هذا التراث، وتعزف عليه، وتحاول إعادة إحيائه مسموما بأفكار الجهالة والعصبية والتطرف والكراهية، ويتفوق التنظيم الإرهابى «داعش» الذى يحاول إحياء فكرة الخلافة الإسلامية، فى هذا المضمار، باستعانته بالصور البراقة، و«البوسترات» المتلألئة، لجذب الشباب الغر، والمراهقين للانخراط فى صفوفه، وهجر الأهل وأحلام المستقبل، لاستعادة المجد القديم.

«بهذه التيمات، ستجد صفحة المنبر الإعلامى الجهادى» الصوت المعبر عن التنظيم الإرهابى «داعش» يضمن مقالات وقصائد ومقالات، وشريط أخبار، فيما يعتبر منصة إعلامية متكاملة لجبهة تطمح فى السيطرة على المنطقة وإعادة تشكيل وجهها، ومحو الخرائط القديمة، وحدود الدول.

الأعلى صوتا فى الإعلام..الأكثر نجاحا فى حسم المعركة

كل معركة تحتاج منبرا إعلاميا، والأعلى صوتا فى الإعلام، هو الأنجح فى كسب أهدافه وتحقيقها، ولكن كيف يدير الإرهابيون الجدد هذه المعركة؟

بعدما ظهرت التقنيات الحديثة، ودخلت المنصات الإلكترونية المشهد وتطورت مواقع التواصل الاجتماعى لتضفى زخما على وسائل الاتصال، أزاحت المواقع الإلكترونية مجلات الحائط والمنشورات الورقية كوسائل بدائية للدعاية للأفكار المتطرفة، وتحولت كتب دعاة الفتنة ورموز الإرهاب، التى كانت تدخل ضمن أكبر أدوات الترويج لأفكار الجماعات، إلى عادات قديمة عفى عليها الزمان، وصار بمقدور المنابر الإعلامية أن تتحول إلى وسيلة جذب ناجحة للمراهقين المغامرين، الباحثين عن الإثارة فى الانتماء لأفكار خطرة، كما صارت هذه المواقع وسيلة إرسال ناجحة «حمام زاجل» أسرع وأسهل، وأكثر أمنا.

«المنبر الإعلامى الجهادى».. شفرات الإرهابيين إلى حديثى السن والمراهقين

يمثل المنبر الإعلامى الجهادى البوابة الرئيسية لتنظيم داعش، على شبكة الإنترنت، وهو المنبر الإعلامى الذى يمارس عليه التنظيم سطوته الإعلامية مستخدما فحولة لغوية وقدرات بلاغية مستقاة كلها من التراث، أبرز مفاتيحها هى كلمات من قبيل «غزوة» و«الطواغيت» و«الليوث» و«المغاوير» و«الأساد» و«حماة الأعراض» وهى كلها كلمات تخطتها الحداثة منذ زمن، ولم تعد كلمات دارجة كما تسيدت فى عصر من عصور الخلافة الإسلامية، وتداعب هذه الكلمات مخيلة الشباب المراهق حديث العهد بالقراءة، القريب من مناهج التاريخ التى درس بها حكايات الفتوحات الإسلامية، وعهود الدول التى أسقطت بعضها بعضا، من أجل السلطة، وتحتل هذه الكلمات مكانة خاصة فى وعى هؤلاء المراهقين، فلم تتغير لفظة «غزوة» فى ملايين الكتب التى يتم إعادة طبعها متحدثة عن جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم، استخدام تنظيم «داعش» لمفردة ساحرة مثل «غزوة» يعطى هنا مشروعية وقداسة دينية للأعمال الإرهابية التى ينفذها التنظيم، وحماية باسم المقدس التاريخى القديم لعمليات القتل الذى تشهده العراق وسوريا بعد الثورة التى لم تستطع إزاحة «بشار الأسد».

يعرض التنظيم الإرهابى تحت عنوان «غزوة جبل ومحطة شاعر للغاز» وقائع هجوم «داعش» على إحدى مناطق ولاية «حمص»، كتب محررو التقرير بالمنبر الإعلامى الجهادى:«لا تزال جحافل جنود دولة الإسلام مستمرة فى المضىّ قدماً فى ولاية حمص، فبعد أن أصبحت شركة «شاعر» والحواجز المحيطة بها جزءاً من دار الخلافة تقدم الجند فاتحين مناطق جديدة ولله الحمد، فبالأمس أحكموا السيطرة على قرية جحار وشركة مهر لضخ الغاز، وقرابة تسعة حواجز مدعمة بالعتاد الثقيل من دبابات وعربات مدرعة ورشاشات ثقيلة مختلفة العيارات، وامتدت الفتوحات أكثر من ثلاثين كيلومتراً لم تعد ترى فيها سوى رايات التوحيد وحماة الدين يتجولون فيها معلنين نهاية هيمنة نصيرية استمرت عقوداً طويلة».

من الملاحظ على السطور السابقة استخدام كلمات مهجورة من اللغة، يضعها محررو تقارير هذه النافذة الإعلامية فى حرص من قاموسهم التراثى الذى يستخدمونه، فى إغواء الشباب، وجذب المتطرفين، فهذه الكلمات المفتاحية، هى بمثابة شفرات التنظيم فى جذب المراهقين، للانخراط فى صفوفهم، ومنها «دار الخلافة» و«الفتوحات» و«رايات التوحيد» و«حماة الدين».

كما استخدم محررو الموقع كلمات من عينة «منّ الله على الفاتحين بغنائم» ومن العجيب أن يأتى بعد هذه العبارة مفردات حديثة تصف هذه الغنائم وتبين عجز القاموس التراثى «الداعشى» عن تطوير الغنائم لتتناغم مع اللغة التراثية التى تم اعتمادها، فهى ليست الجمال، وليست السيوف، أو الدروع، من الغنائم المعتادة فى الحروب بين القبائل، أو بين الجيوش الإسلامية والبيزنطية، بل هى «مدفع فوزديكا» و«دبابتين» وعربة «شيلكا» وسبع سيارات رباعية الدفع ومدفع رشاش عيار 21، وعدة رشاشات ثقيلة، مع كمية ضخمة من الذخائر.

القصائد «الداعشية»..ركاكة أسلوبية.. و«بحور شعرية قديمة» و«خيال شعرى عقيم»

ليس مطلوبا من القصائد الشعرية «الداعشية» أن تكون بقوة وجمال «أبوتمام» فى قصيدته «السيف أصدق إنباء من الكتب» كما أنه لن يكون بوسعه أن يكون على غرار «المتنبى» فى قصيدته «الخيل والليل والبيداء تعرفنى.. والسيف والرمح والقرطاس والقلم» كذلك لن يكون بقوة شعر «قطرى بن الفجاءة» أشهر من وضع قصيدة فى حب الموت والفداء، والإقبال على الرمى والقتال والفروسية، حيث قال: «فصبرا فى مجال الموت صبرا.. فما نيل الخلود بمستطاع سبيل الموت غاية كل حى.. فداعية لأهل الأرض داعى».

وضع «داعش» قصيدتين، تنتمى إحداهما لبحر «الهزج» بعنوان «فمن بغداد نأتيهم ومن سينائهم قدموا» كتبتها حسب «المنبر الإعلامى الجهادى» شاعرة تسمى: «الأخت بنت نجد ثبتها الله»، تقول فى أولها: «إلى أنصار أقصانا حروف الشعر تنتظم، وفى أوراق عزتهم يسيح الحبر والقلم، لهم فى كل معركة جنود الحق تلتحم، هم الأبطال تعرفهم بسيماهم إذا حسموا»، هداة بين أعينهم تراءى النور والنجم، يهاب الكفر وثبتهم، ويخشى الشرك إن هجموا».

ويتبين من الأبيات السابقة حرص واضعى القصيدة على شيئين، الأول استخدام نفس اللغة التراثية القديمة، بنشر شعر ينتمى لبحر شعرى قديم، وزنه هو «مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن»، وهو ما يدل على ركاكة أسلوبية شعرية، يعمد صاحبها إلى استخدام أبسط بحور الشعر العربى القديم لصياغة أبيات شعرية تحقق هدفا مرجوا منه، وفى نفس الوقت يجعل أبيات القصيدة سهلة، يمكن فهمها وحفظها وتداولها أيضا.

وينطبق ما سبق على القصيدة الأخرى المنشورة فى الجزء المخصص «لسيناء»، التى كتبها «الأخ جليبيب» ثبته الله، ويبدأ أبيات القصيدة التى وزنها على بحر المتقارب، بقوله: «سلامى لسينا محل الرجال أسود المعامع جيد النزال لإرهاب كفر على الدين صالوا لإبراز فجر وريف الظلال، أيعلوا دخان على أمتى ينادى ببسط الرقاب الذلال، لطاغوت مصر، فلا تنبرى أسود الحروب الصلاب الجلال».

وتسير قافية هذه الأبيات على بحر المتقارب وتركيبه سهل أيضا» فعولن فعولن فعولن فعولن» فى كل شطر من شطرى الأبيات، ولكن اللغة هنا هى الجاذبة لمتابعى هذا الجزء من موقع التنظيم الإرهابى، فالأبيات كما رأينا تضمنت أولا الإشارة إلى أن «سيناء هى محل الرجال ووصفتهم بأنهم «أسود المعامع» و«جيد النزال»، وهاجمت حاكم مصر ووصفته بالـ«طاغوت» وهى اللغة التى يفهمها أتباع هذا التنظيم ويحاولون التأثير على متابعى الموقع، وإسقاط المزيد والمزيد من الشباب فى شراكهم.

صور الأبطال «الدواعش»..هى الصورة الأقرب لفرسان الخلافة الأشاوس حماة الأعراض

لماذا يحتفى تنظيم «داعش» بصور أبطاله..؟ لماذا يضعونها أيقونات لامعة على صدر موقع «المنبر الإعلامى الجهادى» وسط مؤثرات تلتمع على الوجوه وتخبو، تنطفئ، وتعاود البريق، لماذا يستخدم الإرهابيون المسؤولون عن إدارة الموقع مثل هذه الأيقونات البصرية، وما المقصود من الرسائل التى يتضمنها وضع وجه مكشوف لأحد هؤلاء المجاهدين الإرهابيين على الرغم من المخاطرة بتتبع أجهزة الأمن لهذا الوجه ومحاولة البحث فى ملفات السجلات المدنية والمدارس الحكومية والجامعات، وتعقب أصحاب الوجوه بين أجهزة الأمن القومية المختلفة؟ لماذا تخاطر هذه التنظيمات بصور أبطالهم بهذا الشكل غير المحترف؟

الأبطال المعروفون الذين تتصدر صورهم واجهة المنبر الإعلامى الجهادى، هم «أسامة بن لادن» أعلى الموقع من اليمين، وهى صورة ثابتة، تصادف وجه كل من يدخل موقع «داعش» للمرة الأولى، كما توجد صور أخرى لأبو مصعب التركى مع «بوستر» لامع يشير إلى أنه نفذ عملية استشهادية على مليشيات البيشمركة فى ناحية ربيعة، وهناك «بوستران» لامعان، ينطفئان وينيران على وجه الإرهابى «محمد حمان السواركه» الشهير بـ«أبوهاجر»، يتصدران القسم الخاص بسيناء، محمد السواركه المشهور بتنفيذ العملية الإرهابية التى استهدفت تفجير مديرية أمن جنوب سيناء، وهو بطل الفيديو الشهير، الذى ظهر فيه يهش الذباب عن وجهه، ويقول: «أشعر أنى ذاهب إلى الله عز وجل، هى والله قربة لله عز وجل، والله ما اخترت هذه العملية إلا لنصرة الله عز وجل، وللثأر للإخوان المجاهدين الذين قتلوا على يد هؤلاء الكفار المجرمين، على يد هذه الطواغيت».

يعرف القائمون على موقع «المنبر الإعلامى الجهادى» أن الصورة بألف كلمة، وأن قليل من المؤثرات الضوئية على صورة للمجاهدين المغاوير، حماة الأعراض، سوف تشعل نفوس المراهقين، المغامرين، الراغبين للفت الأنظار، المتطلعين إلى تحقيق إنجاز عالمى، دون أى جهد سوى ذلك المبذول فى ارتداء حزام ناسف، أو قيادة سيارة ملغمة.

معركة الصورة هنا لها حيز كبير فى صدارة المعركة الإعلامية التى يقودها التنظيم الإرهابى «داعش» و«أنصار بيت المقدس»، فالتنظيم الذى يحارب الجيش المصرى فى سيناء يحرص على توثيق عملياته بالفيديو والصورة، وثق «أنصار بيت المقدس» بالفيديو إسقاط طائرة للجيش المصرى، كما وثق التنظيم الإرهابى عملية استهداف الأتوبيسين اللذين كانا ينقلان الجنود وكذلك وثقوا عملية تفجير مديرية جنوب سيناء، ويطرح التنظيم هذه «الفيديوهات» للتباهى والتفاخر بمنجزه على الأرض، ويحاول بهذه الخطوات الانتصار فى عدة جبهات، أولها جبهة الروح المعنوية للمصريين، وزلزلة ثقتهم فى جيشهم، وقدراته، وجاهزية قواته للتصدى لمن يسمون أنفسهم بـ«الأشاوس» و«المغاوير» وفى نفس الوقت يوجه رسالة للبعض أنهم ليسوا مجرد تنظيم يختبئ فى كهوف جبلية، بل هو تنظيم قوى على الأرض يمتلك أدوات إعلامية، ووسائل تمكنه من المراقبة والرصد، ووضع أكثر من سيناريو لاصطياد خصومه، كما ظهر فى الفيديو الذى بثه تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابى، للتخطيط والتكتيك لمحاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم فى أكتوبر العام الماضى، التى نجا منها وأسفرت عن مصرع الانتحارى وليد بدر منفذ العملية، الذى ظهر فى فيديو أيضا يتحدث ويتوعد عن ضرورة تصفية رموز الدولة انتقاما للأسيرات وضحايا فض اعتصامى رابعة والنهضة، وهى العملية الإرهابية الأولى من نوعها التى تستهدف وزيرا للداخلية من وزراء داخلية مصر، منذ التسعينيات.


pdf20112014









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة