أحمد الجمال

حول طقوسنا الدينية.. عندما ذبحوا أحمد بيه وسلخوه وعلّقوه وقطّعوه!

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014 11:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ سنين كتبت عن المشهد الذى لم يفارق ذهنى فترة طويلة، وقررت آنئذ أن أحاول عدم تكراره، ولكنى للأسف كررته هذا العام صبيحة اليوم الأول من عيد الأضحى.

آنذاك كانت الدار خلوا من الذرية.. كلهم فى سفر ووجدت نفسى وحيدا أمتطى السيارة الصفراء القديمة، وأذهب إلى الجزار فى قلب مصر الجديدة، وصففت راحلتى ذات الأربع عجلات بالقرب من المحل، وعندما اقتربت فوجئت بعشرات الخراف محجوزة من وراء ساتر خشبى منخفض وتأكل ما ألقى لها من أوراق خضراء وعلف جاف لا يمكن تمييزهما، فلا تدرى هل هو ورق كرنب أم خس وهل هى ردة أم تبن؟!

المهم.. رحب بى الحاج مسعد بسرعة شديدة وأمر بكرسى لأصطف مع ذوات الاثنين من فصيلتى المرصوصين على الرصيف ننتظر وننظر.. كان مشهدا رهيبا.. فصبيان الجزار ملوثون بالدماء من فوق لتحت، ومن فوقهم من عمال لا أدرى هل أسميهم أسطوات أم معلمين ينهالون بالسواطير لتقسيم الذبائح، وحاولت الانشغال بقراءة إحدى الصحف بعد أن اقشعر بدنى من مشهد لم ألحظه عند وصولى وهو وجود عدة عجول بقر على الرصيف الذى يتم عليه الذبح.. والصبيان يجذبون الضحية وينحنى أحدهم ليجذب رجليه الاثنتين اللتين على الجانب الآخر، فينقلب الخروف مرتطما بالأرض وهو يقاوم.. ثم يبادر ولد لا يتجاوز العشرين بشد رأسه وتمرير سكين قصيرة نسبيا على عنقه مرة ومرتين فيما العجول ترتعد، وتبدو الرعدة على جلودها وعضلاتها من تحت الجلد، وتحاول قطع الحبل الذى يشدها إلى عمود النور!

وفجأة أفقت من انشغالى على صوت عال يقول: هات أحمد بيه الجمال.. وفوجئت بمن يتقدم باتجاه تقفيصة الخرفان ويجر خروفا ذا قرنين عليه رقم واسم العبد لله.. ثم اذبح أحمد بيه، وبعدها اسلخ أحمد بيه وعلقه.. واكتشفت أن العرف الشرعى عندهم هو أن يقف صاحب الأضحية إلى جوارها مباشرة وهى تذبح وتنزف وتنتفض بكل ما تبقى لديها من عزم!.. وبدأ الشق التالى بفصل الرأس والسيقان وتمزيق جثمان الخروف لنصفين بالطول ووضع النصف الأول على «الأورمة» الخشبية العالية، وانهال مساعد الجزار على تحويله إلى قطع يضعها صبى آخر فى الأكياس السوداء!

المهم.. أخذت الأكياس موزعة التوزيعة إياها، يعنى ثلث للمضحى وثلث للأصدقاء والأهل وثلث للتوزيع العام، ووصلت أمام المنزل وناديت على البواب فلم يرد، وبدأت فى إنزال الحمولة التى يعلن مظهرها أنها لحم!.. وفى لمح البصر كنت محاطا بأورطة رجال وسيدات يطلبون «كيس لحمة والنبى»!، واصطنعت اللامبالاة والطرش، فارتفع الصوت تدريجيا: «عاوزين لحمة يا بيه» وبدأ التحفز يظهر على وجوههم فأخذتها من قصيرها وبدأت أوزع على أمل أن يظهر البواب وأفلت بما تبقى، غير أننى فوجئت ببعضهم يفتح الأكياس ويقلب المحتويات وليصيح بعض ذلك البعض: عاوز كيس تانى «أصل ده فيه الفشة والدهنة»!

وما أن خلصت، وصعدت، واسترحت ثم قمت لأداء دورى فى عمل السلطة، وتقطيع عيش الفتة، ثم استرحت ثانية حتى دار فى ذهنى ومخيلتى الشريط كله، وفى الخلفية الصوت العالى فى الشارع: «جلد للبيع.. فروة للبيع» والصوت الآخر: «خروف ندبح عجل ندبح.. ياللى عاوز دبح»!، ونظرت من البلكونة بامتداد الشارع الذى يتعامد طوليا مع الشارع الذى أسكنه، فوجدت سراسيب المياه الملونة بالدم التى سرعان ما تحولت مع انسداد المجارى إلى تيار متدفق ينزل من الشوارع الفرعية المنحدرة متجها إلى الشارع الرئيسى الذى يصب بدوره فى شارع مكرم عبيد.. وتتحول مدينة نصر إلى «بندقية» عائمة فى أنهار الدماء المخلوطة بالروث والتراب والقمامة!

لا أخفى أننى استغرقت ومازالت للآن فى الاحتجاج الداخلى على تحول الطقس الدينى إلى صورة بشعة على ذلك النحو، وقررت ألا أشارك مرة ثانية وأكتفى بالتكبير وصلاة العيد وبس!

ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، لأننى هذا العام خضعت لرغبة العيال فى «الدبح» لوجه الله، لأنه أكرمنا كرما كبيرا ونجانا من عدة شرور، ووجدت هذه المرة من يعاوننى وهو الباشمهندس عبدالرحمن ابن أخى الذى صحبنى ومعنا ياسر السائق هذه المرة.. ووصلت وجلسنا على الكراسى، ولم أجد الترحيب اللائق مثلما كان الحال، لأن الحاج مسعد المعلم الكبير بعافية حبتين وكلمته هاتفيا فرد بصوت واهن ومنحنى لقب «الحاج أحمد»، وقال إنه يشاهدنى فى التلفزيون فيما هو ممدد من آلام الظهر وأنه أجرى عدة عمليات عند دكاترة «جزارين».. «ووالله يا حاج أحمد دول جزارين.. الواحد منهم ما بيدخلش أوضة العمليات إلا لما الفلوس كلها تكون فى جيبه.. والأكادة إن العملية ما تنجحش»!! وفيما أنهيت المكالمة حتى جاءنى الصوت عاليا هذه المرة: هات «الحاج أحمد الجمال».. لأننى قبل ذلك كنت «أحمد بيه»، وادبح واسلخ وعلق وقطع الحاج أحمد.. ومضيت ليقوم صاحباى بمهمة التوزيع والشخط فى مجموعات «عاوزين لحمة يا بيه»، وكلهم من الكيلو أربعة ونص وعزبة الهجانة وغيرهما.. ولأجد من يلاحقنا حتى باب الأسانسير.. ويبادره البواب هذه المرة بهجوم بعصا غليظة.. ولما حاولت أن أمنعه رد: «دا مش محتاج.. دا بياخد اللحمة ويبيعها على الناصية اللى ورا العمارة».. وخلف العمارة، حيث شارع محمد حسين هيكل الذى تعود الجميع نسبته إلى محمد حسنين هيكل، كان هناك مربط بعرض الشارع وبطول أكثر من مائة متر تزعق فيه العجول البقرى الصفراء والفريزيان الأبيض فى أسود وبعض ذكور البتلو الجاموسى، وكميات الروث والمخلفات تزكم الأنوف ناهيك عن الأنهر المتدفقة بالسائل الدموى إياه!

وثانية وثالثة وإلى آخر مدى سوف أبقى متألما رافضا لما أصبح عليه حال ممارسة الطقوس، سواء كانت فروضا أو سننا!

وتعالوا فى البداية نتفق على أنه ليس لأحد فينا وصاية ولا قوامة على غيره فى دينه وعلاقته بالله سبحانه وتعالى، وأن إبداء رأينا بالانتقاد لسلوكيات وممارسات بعينها لا يعنى قدحا فى الإسلام ولا المسيحية ولا انتقاصا من قدر الإيمان فى نفوس المؤمنين.. وتعالوا نتفق على أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأن الغيرة على الدين تقتضى التصدى لأى انحراف به عن مقاصده، سواء بالغلو أو بالتفريط. ثم تعالوا نتساءل لماذا لا ننظم عملية ذبح الأضاحى مثلما تفعل دول وشعوب غيرنا لا يقلون حبا لدينهم ولا التزاما بجوهره وشعائره؟! لماذا لا نفعل مثلما يفعلون فى الإمارات والسعودية وغيرهما، حيث توجد مجازر جاهزة لاستقبال الأضاحى وأصحابها وتنفيذ عملية الذبح والتجهيز بما لا يؤذى الحيوان المذبوح ولا الحيوانات التى تنتظر دورها، وأذكر أننا قد نهينا عن ذبح الحيوانات على مرأى من حيوانات أخرى!! وفى تلك المجازر يقف المضحى ليشهد أضحيته ويتأكد من ذبحها ذبحا شرعيا دون أن تلوث الشوارع وتنتشر كل الأوبئة المحتمل انتشارها من التلوث بالدماء والروث وبقايا الجلود والأحشاء! لماذا هذا الإصرار المرضى المخالف لكل ما فيه مصلحة الأمة، حيث إماطة الأذى عن الطريق صدقة.. وحيث يتعين التصدق باليمين التى لا تعرف الشمال بماذا تصدقت؟! أم هى الفشخرة وحب الظهور ولو بتلويث الشوارع بأكملها! ولأن الشىء بالشىء يذكر، فإننى أتساءل أيضا لماذا تعمد سد الشوارع وتعطيل المرور فى كثير من شوارع وأحياء القاهرة وغيرها، بل إن طريقا محوريا كصلاح سالم لم يفلت من هذه الظاهرة، وفى مسافة تقل عن كيلو متر هى الفاصلة بين مسجد الرحمن الرحيم ومسجد الشرطة وعلى الناحية المقابلة مسجد الزغل.. والعجيب أن مسجدا كمسجد الرحمن الرحيم تم سد أحد الشوارع الفرعية بسبب وجود قاعات للمناسبات وتمت إقامة سور حديدى يفصل شارعا اقتطع للمسجد عن الشارع الرئيسى، ومع ذلك تجد السيارات تترك «الركنة الداخلية» ويتعمد أصحابها «الركن» فى صلاح سالم رغم اللافتة والأوناش ورجال الشرطة الذين يقفون أحيانا بكثافة لافتة.. مع العلم أننى سمعت بأم أذنى من أحد نواب محافظ القاهرة أن مسجد العربى المشهور بمسجد الرحمن الرحيم ليس لديه رخصة بإقامة مناسبات! لماذا هذا العمد فى الربط بين دور العبادة وبين تعطيل مصالح الناس ووقف حال أهم شوارع المدينة.. أما ما يحدث داخل كثير من المساجد فحدث ولا حرج، وقد سبق وكتبت عن التهجد والاعتكاف فى التكييف المفتوح على آخره 24 ساعة فى اليوم نهارا وليلا، وعن آلاف الأمتار المكعبة من المياه التى تتدفق من حنفيات قوية أثناء وضوء فرد واحد، يدخل بعدها وبقايا الماء تتساقط من أطرافه التى لم تكن مهيأة، لأنه قادم من صبة خرسانية أو ورشة ميكانيكا، وقرر أن يلحق الصلاة بسرعة ويتعمد وهو «يشر» مياه أن يتجاوز صفوف الجالسين، ليحشر نفسه بالقرب من الصف الأول.. وتعال حضرتك لتتكلم أو تبدى تبرما أو تقدم نصيحة بأن يجلس المرء فى المسجد فى أقرب مكان حتى لا يتجاوز الرقاب.. فتجد من يعتبرك متعاليا لا دين ولا ملة عندك! ولقد ابتهجت عندما أصدر وزير الأوقاف، وأنا من أشد المعجبين بفكره ومواقفه وصلابته، قرارا بعدم فتح المكيفات عمال على بطال وفى أوج أزمة الكهرباء.. وعقبال التعليمات المماثلة لفتح المياه.. والأهم متابعة تنفيذ هذه القرارات الصائبة التى هى من صحيح صحيح الدين.

هل نطمع فى نقلة متحضرة تمنع الذبح خارج المجازر مهما كان السبب، وبالتالى هل نطمع فى إنشاء مجازر للأحياء، يتم إنشاؤها من ضريبة أو رسوم تؤخذ على كل رأس يتم التضحية بها.. فقط دون أن يكون اسمها أحمد بيه أو الحاج أحمد؟!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

الحقيقه الذبح بالمجزر او داخل ساحة مسجد فيه عناء كبير ومشقه تضيع معه احيانا بهجة العيد

عدد الردود 0

بواسطة:

فؤاد عبد الرحيم

رائع، وحقيقي

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة