د. محمد على يوسف

هدَّامون وهدَّامات

الخميس، 30 أكتوبر 2014 03:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الهدم أسهل كثيرا من البناء.. الهدم يجيده أى شخص وكل شخص بينما البناء ليس كذلك.. الهدم تأثير وتغيير كما أن البناء تأثير وتغيير، ومن لا يجيد التأثير بالثانية فكثيرا ما يلجأ للأولى فقط ليشعر أنه مهم ومؤثر.. تلك قواعد يعرفها عمليا كل طفل منذ نعومة أظفاره حين يجد لذته، ويشعر أنه فعل شيئا بتكسير لعبته أو إتلاف دميته، المشكلة أن تستمر معه تلك العادة، وأن يكبر وتكبر معه تلك اللذة.. لذة التأثير والتغيير ولو من خلال التحطيم والهدم.. اللذة التى تنبت لنا هذا النمط الذى نراه كثيرا اليوم، نمط الهدَّامين والهدَّامات، إنه نمط قد اتخذ من الهدم منهجا ومن نهش المخالف سلوكا، ومن إسقاط من لا يعجبه سبيلا وطريقا وأسلوب حياة. نمط لا يعرف الإعذار ولا يقبل الأعذار ولا يقيل عثرة لذوى الهيئات أو من دونهم، وهو لا يفرق بين من هو عدو مجرم مضل مبين يتدين المرء بالتحذير منه، وبين من هو بشر يخطئ ويصيب فقط الهدم، ثم الهدم هذا هو الحل عند هؤلاء، ليس إلا الهدم، الهدم وحسب.. فهو بلا شك أسهل وتأثيره أسرع، لكن البناء أصعب بلا شك وليس الكل يجيده، بل ربما لا يريد أن يجيده.

قارن بين المجهود والإبداع اللازم لإقامة صرح أو رفع بنيان أو بذل شىء ينفع الناس، وبين المجهود اللازم لنقض أى من ذلك وهدمه أو تحطيمه، وعندئذ سيتضح لك الفارق جليا.فلماذا تتعب نفسك أيها الهادم فى البناء بينما التحطيم أسهل تأثيرا وأكثر صخبا؟! لماذا تنفق جهدك فى تشييد ما ينفع أو إصلاح ما تكسر، بينما تستطيع بسهولة ويسر أن تكسر المزيد والمزيد؟! لماذا توقد شمعة بينما تستطيع ببساطة أن تلعن الظلام؟! هكذا يفكر الهادم. وهكذا يستسهل الطريق ويظن أنه لن يعلو إلا على أنقاض الآخرين، وينسى صاحبنا الهدام أن الذى يخفض ويرفع ليس هو ولا ملء الأرض من مثله، ولكن من يفعل ذلك هو رب العالمين، وهو وحده القادر على غرس القبول لدعوة أو فكرة أو شخص أو هدمها إن شاء. «يا بنى إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّمَاوَاتِ أَوْ فِى الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ»، هكذا بين لقمان لابنه تلك القاعدة النفيسة التى بها تشفى صدور كثير ممن اتخذوا هدم غيرهم طريقا، وحاولا الارتقاء فوق أنقاضهم، ليس بهذا ترتفع الهامات ولا على أنقاض الآخرين تقوم الأمم وتعلو الرؤوس، ولكن «يأت بها الله»، وما عند الله لا ينال إلا بما يرضيه.

لو أن صاحبنا الهدام انشغل بأداء ما عليه واجتهد فى العمل والبناء بصدق ثم ترك النتائج لمن يخفض ويرفع ومن بيده الضر والنفع لارتاح وأراح، لو أنه جرب يوما أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأعظم ذلك هو حب هداية الخلق لما يرضى الله وصلاح الحال فشرع فى نصح أخيه بدلا من هدمه وبدأ محاولة إصلاحه بدلا من إسقاطه، فالظن بالله أنه لن يخيب سعيه ولن يضيع جهده وسيجد ثمرة ذلك على قلبه وعمله وفى عقبه، وسيستبدل تلك المشاعر السوداء فى صدره بالطمأنينة والرضا وحب الخير للغير «إن الله لا يضيع أجر المصلحين». أما لو اخترت يا عزيزى دوما أن يكون أثرك عن طريق الهدم، وظللت على هذا الحال من عدم التفريق بين من يستحق الإسقاط لشناعة جرمه وبين عثرة تقال وزلة تعذر وخطأ يغتفر، فصدقنى لن ينالك إلا اللهاث وسيعمى عينيك غبار الهدم المستمر حتى لا تلحظ ذلك المعول يأتى من خلفك تحمله يد أولئك الذين تعلموا منهجك واقتفوا أثرك ثم أتوا ليطبقوا ما تعلموه منك عليك، وليعملوا فى جسدك معاول أنت أهديتهم إياها وليسقطوا بها بنيانك مع أول زلة تبدر منك. وصدقنى ستزلها لا محالة فما أنت إلا ابن لآدم وبنو آدم خطاؤون لكنهم ليسوا دائما يستحقون الهدم لأخطائهم.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة