م.محيى الدين غريب يكتب: ثمن البقاء

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014 12:02 ص
م.محيى الدين غريب يكتب: ثمن البقاء ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت ظروف الجيل الأول من المهاجرين أكثر من ملائمة وقتذاك عندما جاءوا لأوروبا الغربية، سواء للحصول على حياة أفضل أو هربا من الأنظمة فى بلادهم، أو حتى كنوع من المغامرة.

ففى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات كانت مرحلة البناء والانفتاح الصناعى فى أوروبا على قدم وساق كبديل لانحسار الموارد من المستعمرات وانتقال عدد كبير من الصناعات منها إلى أوروبا، ما أدى إلى احتياج شديد إلى القوة العاملة الأجنبية بجميع أشكالها.

كان حصول الأجانب على الإقامة وتصاريح العمل وتحويل التأشيرات السياحية إلى تأشيرات عمل وإقامة دائمة أكثر سهولة ومرونة، حتى أنه سمح على غير العادة بتوظيف الأجانب فى الوزارات والهيئات الحكومية بدون أى شروط، ولا حتى شرط معرفة قدر من اللغة الرسمية للبلاد أو قدر من القوانين الأساسية أو ‏من التاريخ أو ما إلى ذلك.

أما الآن وكما نعرف فظروف أبناء الجيل الأول، ما يطلق عليهم الجيل الثانى، قد تغيرت كثيرا، ويكفى أن هذا الجيل الثانى لم يكن له حرية الاختيار فى أن يولد أو أن ينشأ ويتعلم هنا فى مجتمع يختلف اختلافا كبيرا من ناحية الثقافة الاجتماعية والدينية عن ثقافة آبائه وأمهاته، وحتى عن ما حاولوا تنشأته عليه، على اعتبار أنه الأفضل من وجهة نظرهم.

ولأنها كانت تجربة جديدة بالنسبة للجيل الأول فلقد فرض عليها أن تتخبط بين الخطأ والصواب فى صراع للتحرر من إرث الماضى ومن العادات والتقاليد، ثم قبول التغيير ومحاولة التعاطى مع الحاضر. وكان التمسك أحيانا ببعض التقاليد والعادات الأصلية خوفا من أن تذوب الهوية أو يضعف الانتماء تجاه الوطن الأم، كان تمسكا مبالغا فيه جاء على حساب الاندماج السليم واكتساب ثقافة المجتمع الأوروبى.

وإذا كانت أولوية الاندماج والانفتاح على المجتمع بالنسبة للجيل الأول تركت اختيارية، فإنها بالنسبة للجيل الثانى جاءت مفروضة ومشروطة من المجتمع وتعد إضافة هامة وضرورية.

نتائج هذه الأخطاء جاءت لتشوه من صورة الجيل الثانى وتعيق البعض منهم من الاندماج المفروض فى المجتمع، أخطاء ليس لهم ذنبا فيها ولكنها تظل عبأ عليهم، وربما على أجيال من بعدهم.

فنسبة العاطلين من الجيل الثانى من المهاجرين أكبر بكثير من نسبتها بين نفس الأعمار من الأوروبيين.. وكذا نسبة العنف والجريمة والإدمان والأمراض النفسية والاجتماعية.

أخطاء وإخفاقات لا يجب أن تتكرر عندما يقوم الجيل الثانى بتنشئة أبنائه، فعليه أن يعرف أن مستقبل وبقاء أبنائه مرتبطا ببعض التضحيات ثمنا لبقائهم جزءا من المجتمع الأوروبى ومؤثرين فيه.

تضحيات كالتخلص من بعض العادات والتقاليد والمعتقدات غير المتفق عليها مثل ختان البنات من الأطفال، وتلك التى تحرم على الأطفال تعلم وتذوق الموسيقى والفنون، وتلك التى لا تتلائم مع ثقافة هذا المجتمع مثل النقاب.

تضحيات بالانفتاح على المجتمع وإعطاء الأبناء ما أمكن نفس الحريات التى يتمتع بها أمثالهم من الأوروبيين حتى لا يحرموا من المعاملة أسوة بالآخرين، أو اعتبارهم مواطنون من الدرجة الثانية.

تضحيات للتخلص من تدخل الجيل الأول فى تربية وتنشئة الأحفاد إلا فى حدود ما تقبله متطلبات الجيل الثانى.

هذه التضحيات بالقطع لن تؤثر على الهوية والذاكرة الثقافية للوطن الأم، والتى لا يجب أن تطغى على الهوية الفعلية، ألا وهى هوية البلد الذى ولدوا ونشأوا وينعموا فيه، وليؤخذ من ثقافة الوطن الأم ما يمكن أن يعود بالفائدة على أجيالهم وعلى المجتمع الذى يعيشون فيه.

تضحيات ستساهم فى النهاية فى بناء جيل سليم يكون صورة متوازنة للوطن الأم، جيل يسعى إلى إيجاد تقارب بين الثقافات بدلا من أن تتنافر، ويلعب دورا إنسانيا هاما فى تخفيف التصادمات والنزاعات بين الحضارات.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة