القس كرم لمعى يكتب: أنْقِذوا العروس

الأحد، 19 أكتوبر 2014 08:04 م
القس كرم لمعى يكتب: أنْقِذوا العروس مدينة الإسكندرية - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التفّ المجرمون بالعروس، أهانوها، نزعوا عنها حليّها وزينتها، لطّخوا ثوب زفافها ومزّقوه ليفضحوها، تحوّلت ضحكاتها إلى أنّاتٍ وتنهداتٍ موجعة، حدث كلّ هذا على مرأى ومسمع من محبيها وأصدقائها الذين يعشقونها وطالما تغنّوا بجمالها، أمّا من بيدهم الأمر فلا يحرّكون ساكنًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتشعر أحيانًا أنّهم عاجزون، وأحيانًا أخرى وكأنّهم متواطئون. الخوف كل الخوف لئلا يكونون مستفيدين مستمتعين متعةً محرّمة بالفرجة على العروس وهى مفضوحة عاجزة لا حول لها ولا قوّة.

إنّها الإسكندريّة، عروس البحر الأبيض المتوسّط، التى لم تعد عروسًا ولا حتّى ضيفةً فى عرسها. ولولا البحر وما يضفيه من جمالٍ عليها لأصبحتْ من أقبح مدن المحروسة.

فالشوارع امتلأت بتلال القمامة، وأصبح القبح مألوفًا للعين لدرجة الشعور بالاستغراب إذا مررتَ بشارعٍ نظيف، ويبدو أن المبادرات القادمة لن تكون حول تدوير المخلّفات بل حول تدوير المواطنين ليعتادوا القبح فتكفّ الشكوى.

كما تمّ الاستيلاء من قبل المواطنين على كلّ شبر فى الشوارع وذلك بدقّ خوازيق حديدية وربطها بسلاسل وأقفال لتصبح جراجات خاصّة، كلٌّ أمام منزله أو محلّه. مما زاد من كارثة الزحام والاختناق والتشويه المتعمّد، ولو تجاسرتَ وقلتَ لأحدهم "كدة غلط" فأنت كائنٌ غريب ودخيل. أضف إلى هذا ظاهرة احتلال الأرصفة وما تبقى من الشوارع من قِبَل المحلات والصيدليات والمطاعم والمقاهي، حتى لم يعد المواطن السليم يجد مكاناً يسير فيه على قدمٍ واحدة، فما بالك بكبار السن والمعاقين؟!

أمّا عن الكورنيش فقد تمّ احتلاله وتحويله إلى سلسلة من الكافيهات المطاعم والقهاوى والغرز، وإذا كنتَ ممن يطمعون فى تمشية هادئة على البحر فستجد نفسك تخترق الكافيه تلو الآخر فى مساحة متر تركوه، جازاهم الله خيراً، لباقى المواطنين يمرّون من خلاله، ناهيك عن البنات والسيدات اللاتى يتجنّبن السير بجوار المقاهى ليجدن أنفسهن مضطرات لاختراق كل هذه المقاهى على الكورنيش، ولا أعلم كيف تمّ اغتصاب الكورنيش بهذه الوقاحة والجرأة. من الذى أعطى الإذن لهذا أن يحدث؟ وماذا كان الثمن، أو المكافأة؟

نأى إلى المشروع القومى لتحويل الإسكندرية إلى كتلة أسمنتيّة بشعة تسدّ كلّ منافذ الهواء الضوء؛ فأينما تسير تجد سباقًا محمومًا لهدم كل الفيلات والقصور والأبنية القديمة وتحويلها إلى مجموعة متراصّة من ناطحات القوانين والجمال والذوق. عرض الشارع لا يتجاوز الثلاثة أمتار وعلى جانبيه تراصّت أبراجٌ يصل ارتفاعها إلى ستة عشر وعشرين دورًا؛ حتى لتشعر أنك تسير فى أنفاق كئيبة مظلمة لا شوارع. ناهيك عما يسببه ذلك للبنية التحتية وتكدّس السكان والازدحام الخانق. ولا حياة لمن تنادي.

ولا يكفى المقال للحديث عن العشوائيات، وحال الشوارع مع هجمة نوّات الشتاء، ومعاناة المواطنين اليومية مع سائقى المشروع – الميكروباص – والتاكسيات. تشعر وكأنّ السادة المسئولين ومن بيدهم الأمر لا يمرّون مطلقًا فى شوارع العروس! أو، حيث أنّهم لا يعانون نفس معاناة المواطن العادي، فلتكن "الودان من طين والضمير من عجين"، إن ما يحدث لا يقلّ خطرًا وتهديدًا وفجورًا عما يفعله الإرهاب الخسيس كل يوم.

اليوم على الغذاء كنت أتكلم مع ابنى عن بلدنا، وتطرّق الحديث عما جاء فى هذا المقال، فسألنى ابنى ذى السبع سنوات: بابا! هوّة ليه فى قانون لمّا ما حدّش بيعمله حساب؟!
مدينة الإسكندرية ، البحر المتوسط ، العشوائيات








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة