مصطفى نصر يكتب: تحقيق الذات

الأحد، 12 أكتوبر 2014 10:22 ص
مصطفى نصر يكتب: تحقيق الذات صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قال قريبى الذى يكبرنى بأعوام كثيرة، لقد اختار الله لى الأفضل فى كل شىء، فقد خُلقت ذكرا، والذكر أفضل من الأنثى، ونشأت وتربيت فى الصعيد، ولا أرى مكانا أجمل وأهم من الصعيد، ووجدت نفسى مسلما.

طبعا إعجابه بديانته، أمر عادى، فما زلت أذكر التحقيق الجميل الذى أفردته جريدة الدستور (الإصدار الأول) عن الفنان عبد الحليم حافظ، فسألت مسيحيا:

هل عبد الحليم حافظ سيدخل الجنة؟

فقال ببساطة شديدة: لأ طبعا، لأنه ليس مسيحيا.

أعجبنى هذا الرد كثيرا، فلو سألت هذا السؤال لبوذى، أوهندوسى أو أى ملة أخرى، سيجيبك نفس الجواب.

إننى أحسد قريبى هذا لأنه راضٍ عن نفسه كثيرا، بينما أنا غير هذا، فقد تمنيت أن أكون موسيقيا، وسنحت لى فرصة فى أول حياتى، لكننى لم أستغلها، فقد اختارونى لتعلم الموسيقى عندما التحقت بالتعليم الإعدادى، لكننى تركتها، لأننى لا احتمل "الحبسة"، فقد كان النظام أن نتعلم العزف على البيانو والكمان، وأصحاب الأجساد الرشيقة يرقصون الباليه ونعيش فى المدرسة منذ صباح يوم السبت حتى انتهاء يوم الخميس الدراسى، ومازلت حزينا لأننى لم أحضر امتحان آخر العام، لكى أرسب فى الامتحان فيطردونى منها. وقررت أن أعوض هذا بتعلم العزف على آلة الكمان التى أحبها كثيرا. ومرت السنوات دون أن أتعلم شيئا.

وأحببت الرسم، لكننى لا أعرف عن شيئا، أحس أن الرسامين أقرب إلى الملائكة لأن الله أعطاهم هذه الموهبة الجميلة النادرة.

لكن حدثت حادثة جعلتنى أقدر قيمة الكتابة والتأليف، فقد دخلت قاعة مظلمة يعرضون فيها الأفلام فى نادى السينما بالقاهرة؛ لكى أقابل صديقى محمود قاسم، فلم أجد إلا المقاعد الخالية والظلام، وقبل أن أخرج سمعت صوتا ينادينى، كان سامى السلامونى يجلس فى الظلام وحده. قال لى:

لقد أهديتنى روايتك الصعود فوق جدار أملس، أتذكر؟

نعم، كان هذا فى مهرجان السينما بالإسكندرية.

فقد ذهبت مع محمود قاسم لحضور ندوات المهرجان فى فندق كبير من فنادق الإسكندرية، فأهديت سامى السلامونى روايتى الوحيدة – فى ذلك الوقت - الصعود فوق جدار أملس، وظننت أن هذه النسخة، ستذهب كمئات النسخ التى أهديتها دون طائل، لكن الرجل قرأها وأعجب بها، فقلت له:

- إننى حزين، فلدى أكثر من رواية ولا أجد من ينشرهم لى.

كنت قد كتبت روايتى الجهينى و جبل ناعسة منذ سنوات طويلة ولا أجد من ينشرهما لي.

فقال فى حدة:

ما الذى يحزنك، ماذا تحتاج لكى تحقق ذاتك وتكتب رواية؛ سوى الورق والقلم، بينما الممثل فى حاجة إلى أشياء كثيرة جدا، نص، ومصور ومخرج وموسيقى... إلخ.

وحكى لى بأنه حاصل على شهادة فى الإخراج، ولا يستطيع إخراج فيلم، لأنه فى حاجة إلى أموال كثيرة.

كان هذا فى الوقت الذى تقرر فيه نقله من مجلة الإذاعة والتليفزيون مع الناقد الأستاذ جلال العشرى إلى عمل بعيد عن الصحافة، ففى خريف الغضب الذى غضب فيه السادات على الكل، تم إعداد قوائم للتخلص من صحفيين يعارضون النظام، فحشر الذين أعدوا القوائم أسماء الصحفيين الذين يسببون لهم مشاكل، والذين لا يمشون على هواهم.

تذكرت ما حكاه لى أحد الأصدقاء، بأنه كان يجالس مخرج إذاعى مشهور، ثم وقف ممثل من ممثلى الصف الثانى أو الثالث أمام الباب، ونادى المخرج، لكنه لم يرد عليه، فقال صديقى له:

- كلم، الرجل يناديك منذ وقت طويل.

فقال فى صوت خافت: سيبك منه.

فاضطر الممثل أن يمشى.

قلت لنفسى وقتها: لقد كان سامى السلامونى محقا، فيمكننى أن أحقق ذاتى، وأمارس عملى الذى أحبه وأنا جالس فى حجرتى، وسط كتبى، وأمام جهاز الكمبيوتر، أى سعادة أعيشها، لا أحتاج إلى مخرج، ولا مصور ولا أى شىء من هذا القبيل، بل يمكننى أن أنشر أعمالى وأنا فى مكانى، أرسل ما أريده عن طريق النت، أو البريد.












مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة