عطر الأحباب..عُرض أولا باسم «ليلة القدر»فاحتج عليه بعض المسلمين والمسيحيين منذ 62 سنة!.«الشيخ حسن»..أجرأ فيلم فى تـــــــــــــاريخ السينما المصرية.. محمد نجيب يأمر برفعه من دور العـرض بسبب الاعتراضات

الجمعة، 10 أكتوبر 2014 10:32 ص
عطر الأحباب..عُرض أولا باسم «ليلة القدر»فاحتج عليه بعض المسلمين والمسيحيين منذ 62 سنة!.«الشيخ حسن»..أجرأ فيلم فى تـــــــــــــاريخ السينما المصرية.. محمد نجيب يأمر برفعه من دور العـرض بسبب الاعتراضات من فيلم ليلة القدر
إشراف - ناصر عراق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى..

لعله أجرأ فيلم فى تاريخنا السينمائى، إذ طرح على الملأ قضية العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وما يكتنفها من خفايا مكتومة أو مشاعر مسكوت عنها، ولم يكتف الفيلم النادر بالجسارة فى طرح المعضلة الدينية فحسب، بل تجرأ على اقتحام أحاسيس العشق والغرام بين فتاة مسيحية وشاب مسلم، لذا لم يحاول صناع السينما أن يقتربوا من هذه المنطقة الشائكة بعدما تعرض هذا الفيلم لمشكلات لا حصر لها، ففيلم «الشيخ حسن» الذى أنتجه وأخرجه وكتب له السيناريو وقام ببطولته النجم القديم حسين صدقى عرض للمرة الأولى فى عام 1952، تحت اسم «ليلة القدر»، ويبدو أنه أثار حفيظة المتشددين من أتباع الديانتين- وبالمناسبة فى كل عصر توجد نسبة من هؤلاء المتشددين- فأعلنوا غضبهم، فاضطر اللواء محمد نجيب إلى إصدار أمر بوقف عرضه وسحبه من دور السينما «تذكر ما فعله رئيس الوزراء إبراهيم محلب مع فيلم (حلاوة روح) وتأكد أن المنع لا يجدى على الإطلاق، وها نحن نشاهد الشيخ حسن، كما يشاهد الملايين حلاوة روح فى موقع اليوتيوب»!
...

لكن ما قصة الفيلم؟ وكيف ظل محبوسًا فى الأدراج لا يشاهده الناس إلا حين اشترت القنوات الفضائية حق عرضه، أى أننا حرمنا من مشاهدته طوال ستين سنة تقريبًا! تعال نتجول سريعًا فى ذلك الزمن ونطل على أجرأ فيلم مصرى فى القرن العشرين.

نقطة البداية

أظنك تتفق معى على أن العطب اعترى العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى أوقات معينة من تاريخنا الطويل، إذ كان هناك دومًا متطرفون على الجانبين يحاولون إضرام النار فى هذه العلاقة المستقرة، وقد استغل الاحتلال الإنجليزى سذاجة بعضنا ودس السم بيننا، إلا أن العقلاء كانوا أكثر من السذج والمتآمرين وتجلى ذلك فى ثورة 1919 عندما أصر العاقلون من رجال الديانتين على تأكيد أن الدين لله والوطن للجميع، وأن وحدة عنصرى الأمة فوق كل اعتبار، وهكذا عادت العلاقة إلى وضعها الطبيعى.
فى عام 1952 اقتحم حسين صدقى دائرة الخطر، وقرر أن يقدم فيلمًا يناقش فيه هذه العلاقة، لكن قبل أن نتحدث عن الفيلم يجب أن نقترب من حسين صدقى الفنان، ذلك الرجل النادر فى تاريخنا السينمائى، إذ كان ممن يعتقدون أن السينما أقوى سلاح لنشر الفضيلة والأخلاق من وجهة نظره، وعليه أقدم على تأسيس شركة إنتاج «أفلام مصر الحديثة» لينجز العديد من الأفلام التى تتوافق مع مفهومه عن السينما والأخلاق الفاضلة، وكان فيلم «ليلة القدر» أحد هذه الأفلام، حيث كتب فى رأس الأفيش «الهلال والصليب يلتقيان فى ليلة القدر»، مع صورة تصور الرمزين الدينيين، كما لم يجد حسين صدقى أية غضاضة فى أن يصف نفسه فى أفيش الفيلم بأنه الفنان المؤمن، وأظن أنها المرة الأولى والأخيرة التى يعلن فيها فنان على أفيش أنه من المؤمنين!
...
عرض فيلم «ليلة القدر» فى 1952 أو 1953 لا يوجد كلام نهائى فى المراجع، لكن احتجاج المتشددين من رجال الدين- مسلمين ومسيحيين - كان عنيفا، فاضطر اللواء محمد نجيب قائد مجلس قيادة الثورة آنذاك إلى أن يأمر برفع الفيلم من دور العرض، لكن عناد حسين صدقى وإصراره دفعاه لأن يضيف 7 دقائق تخفف- فيما يبدو- من غلواء المحتجين، ثم قام بتغيير اسم الفيلم إلى «الشيخ حسن» فسمحت السلطات بعرضه مرة أخرى فى 4 أكتوبر من عام 1954.

الفيلم.. وزمنه

بلغ عدد سكان مصر فى عام عرض «الشيخ حسن» نحو 19 مليون نسمة، وكان الشعب قد نسى الملك فاروق ومباذله، واطمأن إلى ضباط يوليو الذين استولوا على السلطة قبل ذلك بعامين، واتخذوا قرارات واضحة لصالح الملايين من الفقراء، كما أن السينما المصرية قدمت فى ذلك العام- 1954 - أكبر عدد من الأفلام طوال القرن العشرين، حيث وصل العدد إلى 68 فيلمًا، أما حسين صدقى فقد مضى على عمله بالسينما نحو 17 عامًا منذ لعب بطولة أول أفلامه وهو «تيتاونج» عام 1937.
...
فى اللقطة الأولى من الفيلم تقترب الكاميرا من حسين صدقى وهو يقف فوق منبر المسجد مرتديًا الزى الشائع لرجال الدين وهو يعظ الناس بمضار الخمور والحشيش والكوكايين، بوصفه طالبًا فى السنة النهائية بكلية الشريعة، لنكتشف فى لقطة تالية أن أباه- عبد الوارث عسر- يدمن تعاطى المخدرات، وبالمناسبة عبد الوارث هو من كتب حوار الفيلم، كما أن عبد المنعم شاكر شارك فى تأليف القصة مع حسين صدقى.

بمرور الوقت نكتشف أن هدى سلطان جارته فى الحى الشعبى مفتونة به، لكنه منشغل عنها بحب لويزا- ليلى فوزى- ابنة الخواجة جورج، التى ستبادله الحب وستهجر أسرتها المسيحية وتتزوج به!
تعاقبها الأسرة بقسوة، وتطردها من رعايتها، فتمرض لويزا، فيضطر الشيح حسن إلى طلاقها حتى ترضى عنها أسرتها وتستردها، لكنها تموت بعد أن تنجب للشيخ حسن طفلة.
...
ملاحظات مهمة

هناك عدة ملاحظات بالغة الأهمية ينبغى أن ننتبه إليها ونحن نشاهد هذا الفيلم الآن.. منها.. فى بداية الفيلم نعرف أن الأحداث تدور فى شهر رمضان، ونشاهد المسحراتى يدعو الناس إلى الاستيقاظ فى ليلة القدر لأن كل الطلبات مجابة من الرحمن فى هذه الليلة، لذا تشدو هدى سلطان بأغنية تطلب فيها من الرحمن فى هذه الليلة المباركة أن ينتبه الحبيب إلى غرامها به، فتقول: «إن كان هوايا ذنب ما اقدرش اتوب منه/ أستغفرك يا رب وأطلب رضاك عنه/ يا رب ليلة القدر حنن شبيه البدر/ ويكون عليا ندر/ أسلمه أمرى واوفى له طول عمرى».

لقد شدت هدى سلطان بهذه الأغنية فى ليل رمضان وهى ترتدى قميص نوم يكشف ذراعيها وبلا غطاء للرأس.. ترى.. هل يمكن أن يتجرأ أحد الآن على تقديم مشهد يتضمن أغنية كهذه فى ليلة القدر؟ هل سيسلم من انتقادات المتشددين؟ أم أنه سيتعرض لاحتجاجات واتهامات تشكك فى إيمانه؟
...
الملاحظة الثانية تتمثل فى الخواجة جورج- إستيفان روستى- حيث يصفه مدرس اللغة العربية- الممثل لطفى الحكيم- لتلميذه حسين صدقى هكذا «ده راجل تقدر تقول إنه مصرى تقريبا.. لأنه عاش هنا طول عمره وأولاده بيتكلموا عربى زينا تمام»، أى أن الخواجة جورج ليس مسيحيًا مصريًا، بل واحد من المسيحيين الأجانب وما أكثرهم فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين، وقد بدا ذلك واضحا فى لكنة استيفان وزوجته دولت أبيض، حيث إنها لم تكن مصرية خالصة، بعكس ابنته لويزا التى تتقن اللهجة المصرية.

هنا يجب أن نقول إن حسين صدقى لجأ فى قصته إلى شخصيات مسيحية لكنها غير مصرية حتى يتجنب المزيد من المعارك المتوقعة، خاصة أن ليلى فوزى- لويزا- قبل موتها اعترفت للقس- منسى فهمى- بأنها مسلمة ونطقت الشهادتين، فما كان من الرجل الطيب إلا أن يقبل جبينها، ويعطى المولودة لأبيها لتربيها جارته هدى سلطان، بينما يعلن حسين صدقى لأسرة لويزا المنهارة التى طالبته بالذهاب وقطع العلاقات.. يعلن بلهجة خطابية تحتشد بنصائح عودنا عليها: «العلاقة بيننا لم تنقطع بل زادت».
...
باختصار.. هذا فيلم نادر وجرىء برغم النغمة العالية للمواعظ التى يتفنن حسين صدقى فى إلقائها على المشاهدين عن قناعة حقيقية بدور الفن فى تهذيب المشاعر ورفعة الأخلاق، وإن كانت هذه القناعة ينقصها الحس الاجتماعى الذى يفسر لنا «لماذا يوجد شر؟ وهل يقتصر الشر على تناول الخمر وتعاطى المخدرات فقط؟».
...

...


موضوعات متعلقة..


محمد غنيم يكتب : كتب مصرية طورت الفكر الإنسانى.. الجبرتى والحكيم وبدوى وهيكل وحمدان مفكرون ومبدعون أناروا لنا الطرق المظلمة

محمد محسن ابو النور يكتب : 82عامًا على رحيل أمير الشعراء.. أحمد شوقى.. أعجوبة صنعت الخلود ومجدت البشر

محمد سالم يكتب: 97 عاماً على ميلاده..أحمد مظهر.. مؤسس مدرسة الفروسية فى السينما المصرية








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

مجنون عطر الأحباب

مستوى عطر الأحباب

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة