كان الدكتور طه حسين، عميد كلية الآداب، يخرج من مكتبه متأبطا ذراع سكرتيره توفيق شحاتة، وفى البهو سمع من ينادى: «يا فلان»، فطلب من سكرتيره أن يأتى بمن ينادى، فسأله: ماذا تفعل؟ فقال: «أنادى على صاحبى»، فقال العميد العظيم: أنت فى مسجد لا يصح فيه أن تنادى أو ترفع عقيرتك، وفصله أسبوعا، وكان ذلك عام 1931، والعهدة فى هذه القصة على الخبير التربوى الدكتور كمال مغيث.
أستدعى هذه القصة المعبرة بمناسبة ما حدث يوم الأحد الماضى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، حيث اقتحم طلاب الإخوان فى الجامعة حفل تأبين العالم الجليل الدكتور عبدالملك عودة أحد عمداء الكلية ومن رواد الدراسات الأفريقية فى مصر.
فى مشهد الاقتحام وقائع مؤسفة لا تمت إلى النضال الطلابى بصلة منها طالب مفتول العضلات ملثم الوجه، وفى يديه عصا يدق بها على «طبلة» ضخمة يحملها له طالب آخر، وفى المشهد تجلس الدكتورة باكينام الشرقاوى الأستاذة بالكلية ومساعدة محمد مرسى وقت أن كان رئيسا وبطلة فضائح سياسية كثيرة فى قصر الاتحادية، أبرزها مسؤوليتها عن إذاعة الاجتماع الفضيحة الذى عقده مرسى مع أهله وعشيرته لمناقشة قضية سد النهضة، كما يجلس الدكتور سيف الدين عبدالفتاح الأستاذ بالكلية وأحد مناصرى ومنظرى المعزول، والمعروف أن «الاثنين» نزلا من قبل مع طلاب الإخوان فى جامعة القاهرة فى مظاهرة احتجاجية.
وبقدر وصف ما فعله طلاب الإخوان فى يوم الأحد، وما يفعلونه منذ بدء العام الدراسى بأنه يتنافى مع حقائق النضال الطلابى تاريخا وحاضرا، فإنه من المسخرة أن يتم فى حضور الأستاذين «سيف» و«باكينام»، دون أن ينطقا بكلمة إدانة واحدة لتلك التصرفات الهمجية، فى حفل لتأبين «عالم» جليل، قدم لمصر ما تعجز أن تقدمه جماعة الإخوان كلها، وعلى رأسهم أساتذة الجامعة المنتسبون إليها، أو من يتباكون على الديمقراطية ويتحدثون عن «هوامشها» مثل الدكتور عمرو حمزاوى الأستاذ فى نفس الكلية، والذى كتب فى مقاله بالزميلة «الشروق» أمس الأول: «الفعاليات الطلابية تشكل اليوم عماد القوى الديمقراطية»، فإذا كان ما يحدث فى الجامعة يصفه ويتعامل معه أساتذة بهذا الشكل، فكيف يكون حال الطلاب إذن؟ وكيف يتعامل هؤلاء «الأساتذة» مع ما فعله الدكتور طه حسين عام 1931؟
قيل إن الاقتحام جاء لمنع حضور الدكتور بطرس غالى لحفل التأبين، ولو كان هذا صحيحا فإنه يعد مسخرة بامتياز، فالرجل من الأساتذة السابقين والأوائل فى الكلية، وممن زاملوا الدكتور عبدالملك عودة فيها، وفى مجال الاهتمام بأفريقيا وقت أن كان «غالى» رئيسا لتحرير مجلة «السياسة الدولية»، ثم وزيرا للدولة للشؤون الخارجية، وإذا كان هذا هو المنطق الحاكم، فليقم الطلاب المعارضون للإخوان بمظاهرات لعزل الأساتذة المؤيدين لـ«الجماعة» من التدريس لهم، ولتذهب الجامعة إلى الجحيم.
كان الدكتور عبدالملك عودة رحمه الله عالما جليلا قدم لمصر دون أن يأخذ شيئا، وما حدث فى حفل تأبينه أضاع فرصة أن يعرف الطلاب بعضا من روائحه الوطنية الزكية، وهذا ما تريده جماعة الإخوان التى لا ترى فى الصورة غير نفسها.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الأدب فضلوه عن الخيانه و العماله
اللى مستنى الأتحاد الأوروبى و أمريكا تنفعه .. زيه .. زى .. اللى مستنى مرات أبوه تدلعه