أحمد المسلمانى يكتب: "ما بعد إسرائيل"..1 -2 نظرية المؤامرة تسيطر على العالم من اليابان والصين والفلبين إلى الأرجنتين.. مرسى مضى على طريق كامب ديفيد

الأربعاء، 08 يناير 2014 08:31 م
أحمد المسلمانى يكتب: "ما بعد إسرائيل"..1 -2 نظرية المؤامرة تسيطر على العالم من اليابان والصين والفلبين إلى الأرجنتين.. مرسى مضى على طريق كامب ديفيد أحمد المسلمانى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التقيت خالد مشعل فى قطر وإسماعيل هنية فى غزة وكنت أسمع منهما فى جميع المرات صدى متعدداً لصوت واحد هو صوت السادات

الرئيس الجزائرى «أحمد بن بيلا» حدثنى طويلا عن إدراكه هو والرئيس عبدالناصر وقادة عصره لجوهر الصراع مع إسرائيل

أخبرتنى الأميرة فريال أنها تنزل فى القاهرة عند ابنتها ياسمين أو فى أحد الفنادق.. حيث إنها لا تمتلك منزلاً فى القاهرة

«جارودى» لم يكن عنصريا وكان يفرّق بين الصهيونية واليهودية، لكن الدعاية المضادة لمشروعه الفكرى المؤثر كانت طاغية وغالبة

ليس الهدف من هذه السطور تقديم دراسة تاريخية وافية، ولا تقديم متفرقات انطباعية عابرة، بل توسّط الهدف غايتين بعيدتين، فبدا الكتاب عاجلا لمن يأملون الفحص والتمحيص، وجاء وافيا لمن ينشدون فضائل الاختصار. ليس الهدف أيضاً تقديم رأى قاطع فى الحرب أو السلام.. فى ضرورة التسوية أو فى حتمية القتال، بل توسط الرأى وجهتين بعيدتين، بين صراع قد لا يزول، وسلام قد لا يكون.. وبينهما واقع قد لا يدوم. إنها قراءة لا كتابة، أفكار لا أحكام.. من منصة القارئ لا من سلطة القضاء.

شرّفنى السادة القراء بالإقبال الكبير على كتاب «ما بعد إسرائيل» حتى نَفَدت عشر طبعات فى عشرة أسابيع تقريباً.

وقد رأيتُ أن الطبعات التالية - ابتداءً من الطبعة الحادية عشرة - يجب أن تشمل مقدمةً جديدة فى زمنٍ متجدِّد.. ورسوماً توضح بعضاً ممّا التبس من التاريخ والجغرافيا، وصوراً تحاول بثَّ الحيوية بين سطورٍ عتيقة.

الشرق الأوسط الجديد.. جداً كنتُ فى العاصمة الليبية طرابلس فى ربيع عام 1997 حين التقيت رئيس جمهورية زامبيا الأسبق «كينيث كاوندا». والذى كان ملء السمع والبصر فى أفريقيا طيلة زمن الرؤساء عبدالناصر والسادات ومبارك، فهو أول رئيس لجمهورية زامبيا المستقلة من 1964 حتى 1991. وعمل كثيرا من أجل إنهاء التفرقة العنصرية فى أنجولا وجنوب أفريقيا وتولى منصب الأمين العام فى حركة عدم الانحياز بعد الرئيس عبدالناصر وقبل الرئيس الجزائرى «هوارى بومدين».. واتخذ موقفاً معادياً لإسرائيل بعد حرب 1967.. وطالب بإقامة دولة فلسطينية.

لكن الرئيس «كاوندا» الذى كان بهذا الحضور على المستوى الخارجى افتقد لاحقا لكل درجات الحضور على المستوى الداخلى.. فقد أصبح «الرئيس» فاقداً لجنسية الدولة التى كان يحكمها!
غادر «كاوندا» السلطة عام 1991 وبعد ثمانى سنوات وبضغوط من الرئيس الجديد «فريدريك تشيلوبا» تم سحب الجنسية من الرئيس السابق.. وأصبح «كاوندا» أول رئيس فى العالم ينتمى لطائفة «البدون».. أولئك الأشخاص الذين لا يحملون جنسية!

كان الأمر بالنسبة لى لافتاً وغريباً.. إنه لقاء نادر مع «الرئيس البدون» كينيث كاوندا!
وبعد سنوات أخرى تعرّفت على الأميرة «فريال فاروق».. الابنة الكبرى للملك فاروق الأول آخر ملوك مصر.. وحين توثقت الصلة بيننا أخبرتنى الأميرة فريال أنها تنزل فى القاهرة عند ابنتها ياسمين أو فى أحد الفنادق.. حيث إنها لا تمتلك منزلاً فى القاهرة.

كان الأمر بالنسبة لى - مرة ثانية - لافتاً وغريباً.. إن الأميرة التى كان جدُّها قد أعلن امتلاكه لكل الأراضى المصرية.. وامتلكت هى مع عائلتها ما يعادل مساحة دولة صغيرة.. باتت لا تمتلك شقة صغيرة فى عاصمة بلادها!

وفى مناسبة ثالثة التقيت فى أبوظبى الشريف «على بن الحسين» وكان يستعدّ ليكون ملكاً على العراق عشية سقوط نظام الرئيس صدام حسين، وقال لى إنه الوريث الوحيد للأسرة المالكة العراقية.. وراح الشريف الطموح الذى كان يلْقَى دعماً بريطانياً ورفضاً أمريكياً يحدثنى عن الملكيّة كحلّ وحيد لما يجرى فى العراق.

مرّت عشر سنوات على لقائى بالملك المحتمل ولايزال يردد: «إن العراق لم يعش الطمأنينة منذ غياب شمس الملكيّة.. الملكيّة هى الحل».

كان الأمر بالنسبة لى - مرة ثالثة - لافتاً وغريباً.. غادر الشريف «على بن الحسين» بلاده رضيعاً فى الثانية من العمر وأراد العودة ملكاً بعد حربٍ وغزو.. كان الطريق إلى المملكة الجديدة واضحا فى ذهن الشريف «على بن الحسين» وهو يحكى لى واثقاً وثابتاً.. لقد أحسست أننى أمام فصول رواية أقرأها وأشاهدها فى آن.. وكأنّ الشريف يردد العنوان الشهير لرائعة بهاء طاهر «أنا الملكُ جئتْ».. لكن بغداد لم تشهد مجىء الملك.. ولا مجىء العراق!

كنتُ أتأمل تلك الكثبان الرملية المتحركة فى العالم العربى حين تذكرت تلك المشاهد الثلاث: رئيس بلا جنسية وأميرة بلا مسكن ووريث بلا عرش!

ولقد جاءت أحداث الثورة المصرية فى يناير 2011 ويونيو 2013 لتذهب إلى أبعد.. فقد خرج الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» من قصر الرئاسة إلى السجن وخرج الرئيس السابق «محمد مرسى» من السجن إلى قصر الرئاسة.. ثم غادر «مبارك» السجن إلى الإقامة الجبرية وعاد «مرسى» من القصر إلى السجن.. فى نموذج نادر ومثير لتقلّبات الأيام وطبقات الحكّام.

لاحظت وطأة تلك التحولات ذات يوم على وجه السيد «سامى شرف» وزير شؤون الرئاسة فى عهد الرئيس عبدالناصر.. التقيت الوزير «سامى شرف» فى ليبيا بصحبة وزير الحربية القوى الفريق أول «محمد فوزى».. كنّا ثلاثتنا نجلس على مقاعد خشبية فى نوبة استراحة أثناء السير.. وكان لقاؤنا بالرئيس الليبى الراحل «معمر القذافى» انتهى قبل قليل.. قال لى الوزير «سامى شرف» إن الفريق أول «محمد فوزى» لا يحظى بأى تقدير لدى الرئيس الأسبق مبارك ونظامه، وهو رجل متواضع لا يحتاج إلى شىء.. وكما تراه جالسا الآن.. يمكن أن تراه واقفاً ضمن طابور خبز فى القاهرة أو فى انتظار تاكسى أمام نادى هليوبوليس.. إنه بالغ التواضع لا يحتاج إلى شىء.. ولكن الزهد فى الحياة لا يعنى الزهد فى التقدير.

ثم مضى الوزير «سامى شرف» يقول: «إننى أكاد أمنع نفسى من التفكير والتأمل.. وأحاول وضع نهاية لكل موجة من انفلات الفكر والذهن.. إننى لا أفهم ما الذى يحدث؟.. ما هو المنطق فى صعود وهبوط القادة والأوطان؟.. كيف حلّ هؤلاء محلّ هؤلاء؟.. وكيف مضى هؤلاء إلى هذا الطريق ومضى هؤلاء إلى هذا المصير؟.. لا.. لا أظن أن المنطق يمكنه أن يفسر ما يجرى حولنا.. إنها المؤامرة ولا شىء غير المؤامرة».

لقد عادت «نظرية المؤامرة» من جديد لتحتل موقعاً مميزاً بين نظريات التفسير فى حقبة ما بعد 25 يناير.. بحيث باتت كل القضايا والموضوعات تضع سيناريو المؤامرة فى مقدمة التصورات والاحتمالات.

وبات السائد فى الفكر السياسى العربى أن العالم يقف ضدنا، وأن الخارج يستهدف إضعاف بلادنا، وأن المؤامرات الدولية تقطع طريقنا.

وتقديرى أن هذا الفكر هو صحيح تماماً، لكنه ناقص تماماً.. ذلك أن الحقيقة ليست أن «العالم ضد العرب» بل الحقيقة هى أن «العالم ضد العالم».

ولقد سبق أن كتبت سلسلة مقالات هى نواة كتاب قادم - بمشيئة الله - بعنوان «العالم ضد العالم». وكانت رؤيتى فيما كتبت أنه أيا كان موقعك فى العالم.. فى اليابان أو فى الصين أو فى الهند.. ومن الفلبين إلى الأرجنتين.. فى كل جنبات الأرض ستجد نظرية المؤامرة حاضرة وحاصلة.. وستجد كل دولة لها من الأعداء القريبين والأعداء البعيدين من يتربّصون بها ويعملون على إضعافها أو هدمها.

وعلى ذلك فلم تعد مهمة الساسة الوطنيين هى الحديث عن المؤامرات، وإنما تفكيك المؤامرات.. إن الأمر أشبه بمعلومات مؤكدة بأن هناك عبوات ناسفة توجد أسفل الوطن.. والواجب ليس الحديث عن وجودها بل العمل على إبطالها.

إن الحديث عن وجود مؤامرات ليس بالاكتشاف النادر، فقد باتت المؤامرات فى العلاقات الدولية ضمن معالم الزمان والمكان.. وأصبح إبطالها وتجاوزها المهمة الأساسية لرجال السياسة ورؤساء الدول.

ولقد كانت مفاجأتى كبيرة حين التقيت الرئيس السودانى «عمر البشير» قبل سنوات فى صحبة الدكتور «أحمد زويل».. وكان الرئيس «البشير» يروى لنا أبعاد المؤامرة التى تستهدف تقسيم السودان.. وكان الدكتور «زويل» مذهولا، وكنت بدورى مفزوعا والرئيس يقول: «إنهم يخططون لتقسيم السودان إلى شمال وجنوب.. ثم بعد ذلك يقسّمون السودان مرة أخرى إلى شرق وغرب.. فى كسلا ودارفور.. ثم دولة فى الشمال النيلى تكون امتداد دولة النوبة المصرية السودانية.. إنهم يخططون ولن يهدأوا حتى ينجحوا فى تقسيم السودان إلى خمس دول»!

لقد مضت سنوات قليلة على هذا اللقاء.. وجرى التقسيم الأول للسودان بانفصال دولة جنوب السودان.. ولا يزال الرئيس «البشير» يحذر من الانقسام الثانى!

إن ما جرى فى السودان منذ وصول الرئيس «عمر البشير» والدكتور «حسن الترابى» إلى السلطة عام 1989 يدخل فى إطار «اللا معقول».. فقد كَانا رجل الدين ورجل السياسة يدعوان إلى الخلافة الإسلامية من إندونيسيا إلى المملكة المغربية.. ولم يكن أى منهما يقبل بدولة إسلامية تقل مساحتها عن تلك القارة الممتدة من جاكارتا إلى الدار البيضاء.. لكن حلم الخلافة ضاق إلى الدولة.. ثم ضاقت الدولة إلى ما دون الدولة.

وبعد أن تسلّم الاثنان السلطة والسودان دولة واحدة.. إذا هى دولتان، وتمضيان إلى خمس.. ولايزال الرئيس يحذر من سيناريو المؤامرة!

الأمر نفسه فى عواصم عربية عديدة.. تحوّلَ القادة والمسؤولون إلى موظفين فى مصلحة «الإنذار المتأخر» ولقد وجدت ذلك فى ساسة وصنّاع قرار التقيتهم على مدى سنوات، وفى دولة واحدة مثل لبنان سمعت جميع من قابلت يتحدثون عن المؤامرة على بلادهم بحيث لم يوجد وزير أو نائب واحد إلا ويبدأ حديثه بنظرية المؤامرة. إنها حالة تشبه شعراء العصر الجاهلى حين كانوا يبدأون قصائدهم بالبكاء على الأطلال ثم يمضون إلى موضوع القصيدة!

سمعت ذلك من «سليم الحص» و«فؤاد السنيورة» و«سعد الحريرى» و«نجيب ميقاتى».. والأربعة كانوا رؤساء حكومات، وسمعته أيضاً من العماد «ميشيل عون» حين التقيته فى واشنطن فى خريف عام 2005.

كان العماد «عون» رئيساً للحكومة العسكرية فى لبنان ثم غاب وعاد إلى السياسة بعد خمسة عشر عاماً قضاها فى المنفى. وكانت عودة الجنرال مثيرة فى الطريقة والطريق.
أثناء المنفى كان «عون» يرى المؤامرة على لبنان ماثلة فى سوريا وحزب الله.. وقام بالتحريض لأجل معاقبة دمشق.. ودعا الكونجرس لفرض عقوبات على سوريا وحليفها اللبنانى.

ولكن الجنرال سرعان ما عاد إلى عكس ذلك تماماً.. وأصبح حليفاً أساسياً لسوريا وحزب الله.. ومؤخراً أيّد «عون» التدخلات الإيرانية فى الخليج، وطالب بدعم مناهضى الحكم فى البحرين.

التقيتُ العماد «ميشيل عون» عام 2005 فى فندق فورسيزونز واشنطن.. حدثنى طويلا عن حجم المؤامرات على بلاده، لكنه كان فى ذلك الوقت فى قلب التحوّل يعيد النظر فى خياراته وتحالفاته.. واختار الانتقال من التحالف ضد إيران إلى التحالف مع إيران.. وفى المرتين كان يقول: «إن الطرف الآخر هو الذى يخطط للمؤامرة»!

وربما يتوجّب الإنصاف هنا القول بأن التفسير المتقلب لنظرية المؤامرة.. وتحوّل «المتآمر» من النقيض إلى النقيض ليس بالظاهرة العربية، بل هى ضمن ظواهر السياسة العالمية.. فمفهوم «العدو» يتحول بالضرورة مع تحولات الزمان وتوازنات المكان.. والمصالح الشخصية بدورها تلعب دوراً رئيسياً فى وصف العدو وتوصيف المؤامرة.. فالحسابات العامة لرجال السياسة وأقطاب السلطة إنما تدور مع الحسابات الخاصة.. تذهب حيث تذهب وتعود من حيث تعود.

وأذكر أننى قابلت فى باريس «تايفون فين توى»، إمبراطورة فيتنام السابقة، وقد عرّفنى عليها الدكتور «إيلى حاتم» رئيس الجمعية الفرانكفونية فى فرنسا، حدثتنى الإمبراطورة عن الإمبريالية الأمريكية وسياسة واشنطن الاستعمارية البغيضة، وعن ضرورة التصدى العالمى لمحاولات الولايات المتحدة السيطرة على العالم.

وقالت لى: «ما الذى تريده أمريكا من العالم؟ لماذا تنتهك القوانين الدولية؟ ولماذا تعترض حقوق الشعوب فى الحرية والاستقلال؟».. ومضت الإمبراطورة طيلة العشاء الذى استغرق ثلاث ساعات تطعن فى السياسة الأمريكية، وتؤكد أن واشنطن عاصمة الشرِّ فى العالم.
لكن الإمبراطورة لم تكن فى الواقع على هذا النحو من النزاهة والإنسانية.. إنما كانت تكره أمريكا لحساب فرنسا!

لقد تعاقـَبَ على فيتنام احتلالان كبيران.. الاحتلال الفرنسى ثم الاحتلال الأمريكى.. وكانت الوطنيّة الفيتنامية تقضى بالوقوف فى وجه الاحتلالين معاً. لكن الإمبراطورة الفرنسية الأصل كانت مع احتلال وضد آخر.. إن الإمبراطورة السابقة تعارض واشنطن لصالح باريس وتناهض الاستعمار الأمريكى لصالح الاستعمار الفرنسى.. إنها تعارض الإمبريالية لصالح الإمبريالية!

لقد باتت «الازدواجية» سمة «أساسية» من سمات العلاقات الدولية المعاصرة.. شأنها شأن «المؤامرة».. ولا يجد المرء معنى كبيرا لما اعتاد الساسة العرب وصفه للقوى الكبرى والهيئات الأممية بأنها «تكيل بمكيالين»، وتقديم ذلك باعتباره «اكتشافاً مثيراً».. على الرغم من أن الأمر ظاهر وساطع يمكن للسياسيين حديثى الولادة أن يدركوه فى دقائق معدودة!
ومن الطبيعى أن تعمل كل القوى على تثبيت تلك «الازدواجية» وابتكار الإطار الأخلاقى لها. لقد أصبحت «الازدواجية» النمط السائد عالمياً فى السياسة والقانون.. فى الاقتصاد والأدب.. وأضحت مع الوقت أكثر قوة وثباتا من قيم الصدق والعدل والمساواة!

وحين حاول الأديب الألمانى «جونتر جراس» كسر تلك الازدواجية.. ثار الطرف الآخر.. وانطلقت موجة من الهجوم لم يسبق أن تعرض لها أديب ألمانيا الأشهر منذ الحرب العالمية الثانية!

فى عام 2012 أصدر «جونتر جراس» الحائز على جائزة نوبل فى الأدب ديوانه المهم «ذباب مايو».. وقد تضمن هذا الديوان قصيدة بعنوان «ما ينبغى أن يقال».

فى قصيدته تلك انتقد «جونتر جراس» تغاضى العالم عن امتلاك إسرائيل ترسانة سلاح نووى، فى الوقت الذى يلاحق فيه إيران لمجرد وجود برنامج نووى سلمى لديها.

وكانت رؤية «جراس»: «من واجبى أن أقول ذلك قبل فوات الأوان».. «لن أسكت بعد اليوم على تجاوزات إسرائيل ورعاية المجتمع الدولى لها».

وعلى إثر صدور الديوان انطلقت حملة واسعة للهجوم على «جراس» وقاد الحملة الإعلامى الألمانى «هنرى برودر» الذى اتهم «جراس» «بمعاداة السامية» وقال: «إن جراس له دائماً مشكلة مع اليهود». وشنّت مجلة «دير شبيجل» هجوماً عنيفاً واتهمت «جراس» بتأييده السابق لهتلر، وأنه كان عضواً فى إحدى المنظمات النازية.

وبالتوازى معها، قالت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية: «إن جونتر جراس يحاول الهروب من جرائمه التاريخية».. وأصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بياناً قالت فيه «إنها قصيدة رديئة».. وقال «نتنياهو» الذى تحول فجأة إلى ناقد أدبى: «إن قصيدة جونتر جراس معيبة»!
لم يصمت «جراس» بالطبع وقام بمواجهة الحملة بثبات وقال: «إن تهمة معاداة السامية لا أستغربها».. ثم زاد انفعاله فهاجم الصحافة والسياسة فى ألمانيا ونقلت عنه الصحف: «إن الحرب التى أتعرض لها لا تشير إلى وجود صحافة حرة وحياة ديمقراطية فى ألمانيا».

وبالتوازى مع أزمة قصيدة «جونتر جراس» ألغت وزارة التعليم الإسرائيلية تدريس قصة «القنديل الصغير» للأديب الفلسطينى «غسان كنفانى».. وهو الأديب الذى اغتالت إسرائيل جسده فى عام 1972، ثم اغتالت أدبه فى عام 2013.

ثمة نموذج جامع لـ«التحول» و«الازدواجية» معاً.. إنه نموذج السياسى الفرنسى العنصرى «جان مارى لوبن».. الذى عاش حياته كلها يهاجم المسلمين واليهود ثم اختتم حياته مهاجماً للمسلمين وداعماً لليهود.

التقيت «جان مارى لوبن» فى قصر عتيق على أطراف باريس.. وكنتُ قبله قد التقيت وزير خارجية فرنسا الأسبق «رولان دوما» فى منزله المطل على نهر السين فى قلب العاصمة الفرنسية.. وكان ظنى أنّى سأجد فى «لوبن» ما وجدته فى «دوما» من الخبرة وسعة الاطلاع... لكن ظنى خاب كثيراً بعد أن جلست لساعات طويلة مع «لوبن» أرهقت خلالها الأستاذة «نادرة الديب» التى عانت كثيراً فى الترجمة بيننا. وجدتُ السياسى الشهير - الذى حصل على المركز الثانى فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2002 وكاد أن يصبح رئيساً للجمهورية الفرنسية - فارغاً تماماً.. لا فكر ولا فلسفة ولا مبادئ.. فقط حفنة مقولات هائمة تفتقد المعرفة والأخلاق معاً.

كانت الرؤية العنصرية لـ«لوبن» هى العداء للمسلمين والعداء لليهود سواء بسواء.. ونَسَبَ إليه البعض قولَه: «لقد اشتريتُ منزلى فى الريف حتى أتمكن من مشاهدة الأبقار بدلاً من رؤية العرب».. ونسب إليه آخرون هجوماً على اليهود يحمل الكثير من السخرية. إن «لوبن» المعادى للعرب والمسلمين كان شديد العداء لليهود.. وخاض معارك كثيرة من جرّاء تقليله من قيمة الهولوكوست.. وهو صاحب التشكيك الشهير: «إن الهولوكوست وقاعات الإعدام بالغاز التى استخدمها هتلر والنازيون ضد اليهود مجرد تفاصيل فى التاريخ».

مضت سنوات على لقائنا وبدأ «جان مارى لوبن» التحوّل.. ثم استكملت ابنته «مارين لوبن» التحوّل الكبير. ورثت رئاسة حزب الجبهة الوطنية.. وخاضت الانتخابات الرئاسية عام 2012، وحققت مفاجأة كبرى بحصولها على المركز الثالث بعد الرئيس «فرانسوا أولاند» والرئيس السابق «نيكولا ساركوزى»!

تهاجم «مارين لوبن» العرب والمسلمين باستمرار.. لكنها لم تعد تهاجم اليهود.. بل أصبحت تمدح اليهود وتكيل العداء للمسلمين!.. دافعت عن «نتنياهو» و«ليبرمان»، وساندت مواقف إسرائيل ضد الفلسطينيين.. وقالت للتليفزيون الإسرائيلى: «أنا لست ضد اليهود ولست ضد الصهيونية ولا ضد إسرائيل.. لست معادية للسامية.. إن الذين يقفون وراء معاداة السامية فى فرنسا هم المتطرفون المسلمون»! وهكذا تحولت «مارين جان مارى لوبن» من الهجوم على المسلمين ومعاداة اليهود إلى التحالف مع إسرائيل ومعاداة الإسلام.. وكان اللافت هو حصولها على أعلى نسبة حصل عليها اليمين المتطرف فى تاريخ فرنسا!

إن المنحَى الذى اتخذه آل «لوبن» لم يكن مقبولاً بأى حال، ليس فقط بعدائهم للعرب والمسلمين ولكن أيضاً بعدائهم لليهود - قبل التحول - فقد كانوا يعادون اليهودية كدين واليهود كبشر، ولكنهم لا يعادون إسرائيل كدولة استعمارية ولا الصهيونية كأيديولوجيا عنصرية.

كان آل «لوبن» عنصريين ضد الدين الإسلامى والدين اليهودى.. ولكنهم لم يهاجموا سياسات إسرائيل ولم يدافعوا قط عن حقوق الشعب الفلسطينى. لم يكن فى بحر العنصرية نقطة واحدة أخلاقية.. خلافاً للفكر العربى الإسلامى الذى يفرّق بين إسرائيل وبين اليهود، فالعداء العربى هو عداء للصهيونية وللسياسات الإسرائيلية ولكنه لا يمتد للعداء لليهود أو لليهودية.

وأذكر أن تلك التفرقة كانت حاضرة منذ البداية لدى قادة الصراع العربى الإسرائيلى.. وحين التقيت الرئيس الجزائرى «أحمد بن بيلا» حدثنى طويلاً عن إدراكه هو والرئيس عبدالناصر وقادة عصره لجوهر الصراع مع إسرائيل. وقد نشرت فصلاً كاملاً فى كتابى «خريف الثورة» بعنوان «محاوراتى مع الرئيس أحمد بن بيلا».. وكان من بين ما نشرت ما قاله لى الرئيس «بن بيلا»: «أنا أعتبر اليهود أقاربنا، وقد عشت معهم، عشت مع يهودى فى بيت واحد، وكنت آكل من ذبائحهم، وعندى زملاء يهود من أيام الدراسة هم أفضل أصدقائى إلى الآن.. هؤلاء هم اليهود الذين نعرفهم.. لكن أن يأتوا بالكيان الصهيونى إلى هنا.. هذا غير مقبول.. هذا استعمار.. وأى استعمار يجب أن يزول.. إن الصهيونية ليست اليهودية بل هى شكل استعمارى غربى بعيد عن الدين وعن التاريخ.. إننا نحن العرب والمسلمين لسنا عنصريين.. إن روجيه جارودى - مثلاً - مثقف عنصرى.. إنه لا يفصل بين العداء لإسرائيل وبين العداء لليهود.. نحن لا نعادى اليهود، نحن نعادى إسرائيل».

والواقع أن «جارودى» لم يكن عنصرياً، وكان يفرّق بين الصهيونية وبين اليهودية، لكن الدعاية المضادة لمشروعه الفكرى المؤثر كانت طاغية وغالبة. وربما اطلع الرئيس «بن بيلا» على جانب مما نشرته صحافة الغرب عن «جارودى» دون أن يتيسر له الاطلاع على مشروع «جارودى» صافياً وبعيداً عن الاشتباك. وتقديرى أن مفكرين كباراً بوزن «روجيه جارودى» و«ناعوم تشومسكى» فى العالم الغربى، وبوزن «حامد ربيع» و«عبدالوهاب المسيرى» فى العالم العربى قد أثّروا - مع غيرهم - فى إرباك الفكر الصهيونى، وكانوا رافداً أساسياً فى دفع حركة المؤرخين الجدد ومن بعدها حركة الروائيين الجدد - فى إسرائيل - للمراجعة وإعادة النظر. لقد مثّلت «الأخلاقية العالمية» ضغطاً هائلاً على «اللاأخلاقية الصهيونية».. وكان «جارودى» مركز ثقل فى الضغط والحصار.

ظهرت حركة المؤرخين الجدد فى إسرائيل فى الثمانينيات للتشكيك فى الرواية الرسمية للصهيونية والرواية الرسمية لإسرائيل، وقد واصل بعضهم وواجه التضييق عليه فى النشر والعمل.. وارتد بعضهم وعاد إلى البيت الصهيونى طائعاً ومزايداً.

وقد جاءت من بعدهم حركة الروائيين الجدد فى إسرائيل.. مثل «أمير غوتفرون» و«غابريللا أفيجور» و«ألون حيلو» و«يوخل براندس» و«نوازيت».. وهم يحملون توجهات تخالف الرواية الصهيونية الرسمية التى مثلّها جيل الروائيين الصهاينة مثل «أ.ب. يهوشع» و«عاموس عوز».

وقد حظيت رواية «غابريللا أفيجور» وعنوانها «الأحمر القديم» باهتمام كبير.. فهى تعرض بداية الاستيطان ونشأة الصراع بين المستوطنين الإسرائيليين والسكان الفلسطينيين، وكيف سرق المستوطنون الأرض من سكانها.. وهو ما دعا صحيفة «هاآرتس» لشنِّ حملة على الروائية وروايتها.

كما حظيت رواية «ألون حيلو» وعنوانها «بيت دجانى» باهتمام مماثل، وهى تعرِِض لسرقة المستوطنين أراضى الفلسطينيين واستخدام العنف والجريمة فى تنفيذ السرقة للأراضى والمنازل.. فى أحداث يراها الروائى «عملية استعمارية بحتة».

وقد واجه «ألون حيلو» هجوما فى صحف إسرائيل من الساسة والنقاد.. ويذكر الباحث «جعفر هادى حسن» الذى رَصَدََ الظاهرة بتفصيل أن خطورة ظاهرة الروائيين الجدد تتأتى من كون الروايات أوسع انتشاراً من الدراسات، ولاعتبارات توزيع الرواية.. فإن الروائيين أكثر حضوراً من المؤرخين.

وفى الحالتين، فإن ظاهرة «المؤرخين الجدد» ومن بعدها ظاهرة «الروائيين الجدد» قد زادتا من مساحة الشكوك حول النظرية الصهيونية.

لقد عادت الأطروحات التى سادت القرن العشرين للنقاش من جديد.. الإخوان والليبراليين.. التيار المدنى والتيار الدينى.. كأنها فصل مكرر مما كان بين الإخوان والوفد قبل ثورة 1952 وما بين الإخوان واليسار بعد ثورة 1952.

لقد تكررت أيضا بعض المواقف مع تبدل المواقع، فقد كانت جماعة الإخوان المسلمين فى السابق تطرح خيار القتال والمواجهة.. وترفض طريق التسوية والسلام، ولطالما خاضت الجماعة صراعا ثم صداما مع الرئيس «السادات».. رفضاً لطريق التسوية ودعماً لطريق الجهاد وتخويناً لطريق «السادات».. ولكن الرئيس السابق «محمد مرسى» مضى على طريق كامب ديفيد.. وزاد عليه برعاية اتفاق هدنة بين حماس وإسرائيل ورسالة دافئة إلى الرئيس الإسرائيلى أثناء اعتماد سفير جديد لمصر لدى تل أبيب. كما أن مرشحى الرئاسة المصرية عام 2012 من تيار اليسار لم يكن لديهم جديد بشأن العلاقة مع إسرائيل. وحين التقيت السيد «إسماعيل هنية» فى غزة والسيد «خالد مشعل» فى قطر.. كنت أسمع فى جميع المرات صدى متعددا لصوت واحد.. هو صوت «أنور السادات».



لمزيد من التحقيقات والملفات..
طلاب الإخوان يخطفون جندياً ويحرقون "بوكس شرطة" أمام مدينة جامعة الأزهر.. والأمن يقتحم المدينة.. وتكثيف للقوات بجامعتى القاهرة وعين شمس.. و"الإرهابية" تتظاهر ضد مادة "مكافحة الإرهاب" بـ"حلوان"

الإرهاب يدفع بالمدنيين إلى ساحة المواجهة.. الجيش الثالث يكثف جهوده لملاحقة خاطفى القيادات العمالية.. مصدر عسكرى: الصاعقة والمظلات بسيناء تشاركان فى عمليات البحث.. وتحريات مكثفة من المخابرات الحربية

"الحكومة" تتخذ إجراءات أمنية مشددة لتأمين الاستفتاء على الدستور.. مصادر: تعليمات بالتعامل بقوة مع أية محاولات إخوانية لتعطيل العملية.. ووزير الشباب: الدفع بالآلاف لتنظيم اللجان والتسهيل على المواطنين







مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى

حقيقى انا بحسدك على ثقافتك الرفيعة و المُطلعة ..

اشكرك..

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى

استاذ

بصراحه مش لا كلام اوصفك بيه

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة