زاهى وهبى فى "انتظار الغريبة": كلما تعانقنا ابتسم الذين ماتوا لأجل الحياة

الثلاثاء، 07 يناير 2014 08:35 م
زاهى وهبى فى "انتظار الغريبة": كلما تعانقنا ابتسم الذين ماتوا لأجل الحياة الشاعر اللبنانى زاهى وهبى
بيروت (رويترز)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يجد الشاعر اللبنانى زاهى وهبى فى الحب نافذة أمل وخلاص فى زمن تكثر فيه الحروب حتى تغدو قصيدته أشبه بصلاة فى محراب عشق يمتزج فيه السماوى بالأرضى، والإلهى بالبشرى، ويتماهى العاشق مع معشوقه فى لحظة ذوبان صوفية منقطعة النظير.

تلك لعبة بات الشاعر اللبنانى يتقنها بامتياز فى ديوانه الجديد "انتظار الغريبة"، الصادر عن منشورات دار الساقى فى بيروت، وهو الشاعر المنتمى إلى جيل الحرب الأهلية التى استمرت 15 عاماً وانتهت عام 1990، وما أعقبها من أزمات سياسية واشتباكات وانفجارات وحروب إسرائيلية، الذى عايش عتمة الملاجئ وسخونة المتاريس والخنادق.

يظهر هذا الذوبان بين العاشق والمعشوق حين يقول فى إحدى قصائده "إليكَ أتوبُ. أذوبُ. أتلاشى/ أمّحى فى نور نوركَ/ أسيرُ نحوك، أطير/ لا حرَّ الصيف ولا قرَّ الشتاء/ لا ابتسامات مارّة ولا بكاء/ فقط اسمكَ المتسع لمجرات/ قلبُكَ الأعلى من سماوات/ وجهُكَ الممتد على الأكوان/ تملأُ الدنيا وأحملكَ فى قلبى/ تسكننى وتفيض..".

يضم ديوان "انتظار الغريبة" ثلاثين قصيدة متنوعة الأحجام تتوزع على قسمين، الأول "عن الحُبّ"، والثانى "عن الحرب"، ويقع فى 110 صفحات من الحجم الوسط.

فى كتابه الشعرى الحادى عشر يواصل شاعرنا بناء عمارته الشعرية بروية وهدوء باحثاً خلف العبارة المباشرة عن دلالات أخرى وتأويلات كثيرة، وفى بحثه هذا لا نراه ينحو باتجاه لغة متقعرة، بل تظل مفرداته الشعرية التى تشكل أساس جملة أقرب إلى السهل الممتنع المحمل بكثير من نضارة الحياة اليومية ونداوة الصور الشعرية الملتقطة من أرض الواقع لتتحول فى متن القصيدة إلى أشبه بجوهرة نادرة أو حجر كريم.

يهوى الشاعر لعبة الانتظار المفتوحة على احتمالات كثيرة يعشق الترقب والمصادفات غير المنتظرة، حيث يمكن لامرأة عابرة أن تفجر فى داخله قصيدة مليئة بالحرائق والاشتعالات "تماماً كعود الثقاب القادر على إحراق غابة بأكملها" وكأنه يريد الإيضاح أن قصيدته لا تولد من العادى والمتوقع بل هى الابنة الشرعية للاحتمالات المفتوحة على أقصاها حين يتحول الشاعر صياد اللحظات الهاربة والمفاجآت الجميلة المدهشة.

وفى القصيدة التى تحمل عنوان ديوانه يقول وهبى "أنتظرك يا غريبة/ علّك فجأةً تأتين/ بلا موعد، بلا سابق عناق/ لا عطرَ سوى المسام/ لا زينة غير ابتسامة/ متخففة من ماض مضى/ من أعباء الآخرين وأورام الذات/ لا همَّ سوى رجفة غير متوقعة/ توقدها نظرةٌ مباغتة/ أو سلامٌ خاطف".

وتتعمق قصيدة الحب النثرية عند وهبى قصيدة تلو قصيدة وديوان تلو آخر حتى بات واحدا من شعراء الحب البارزين فى الوطن العربى، حيث الحب لديه مخلص ومطهر من آثام وأدران "لأنى أحبك/ أمتطى البرقَ/ أقودُ السحاب/ أمضى سريعاً كضربة ريح/ برماح اللهفة أطعنُ كلَّ غياب".

وأجمل ما فى الحب بصيغته الشعرية لدى شاعرنا أنه يبقى نافذة الخلاص من الحرب وندوبها الكثيرة التى لم تترك أثرها فى الجسد فحسب، بل امتدت وتعمقت لتطال الروح حيث من الصعب محوها وإزالتها إلا بالحب الحقيقى النادر القادر على ابتكار المعجزات والأعاجيب.

ففى قصيدة تحمل عنوان "أنثى الحروب" نراه يختتمها على النحو التالى "بالحب نقول: لا/ بالحب نعلنُ رفضنا وعدم الطاعة/ نخلخلُ جبروت الطغاة/ نُزيّنُ الشوارعَ والساحات/ نقولُ للأطفال تعالوا/ ليكن قلبى طائرةً ورقية وشفتاك حلوى العيد/ كلما التحمنا أكثر/ تراجعت الحرب/ خفتَ وهجُ الرصاص/ كلما تعانقنا/ ابتسمَ الذين ماتوا لأجل الحياة".

والحب عند وهبى ليس فقط مخلصا من الحرب وندوبها بل أيضا محاولة لرفض الظلم والطغيان وهو شكل من أشكال رفض الجور والاستبداد وفى قصيدته هذه يذكرنا بقصيدة أخرى له فى ديوان "راقصينى قليلا" يقول فيها صراحة "كلما كثُر الحب انبعثت كواكب ومجرات.. زدْ نقاءً يخفُّ وزنك زدْ عشقاً يُسرَ بك" وكأن الحب لديه قادر على فعل كل شيء وعلى تحرير الجماعة كما يحرر الفرد.

ويتساءل الشاعر "فى الزمن الصعب كم نحن فى حاجة ماسة إلى الحب فى مواجهة أمواج الحقد المتدافعة المتلاحقة حاملة معها الموت والخراب والشر المستطير. فهل يقوى الشعر فعلا على مواجهة كل هذا أم أن الشاعر يحمله أكثر مما يحتمل؟".

بعد أن يحكى عن وقوعه ورفاقه فى الحرب "وقوعَ العاشقين" قائلا ان "براءة الحرب تشبه أحياناً براءة الحب" نراه يرفع الصوت جهارا نهارا رفضا للحرب ولطقوسها ووقائعها وأهوالها سائلا الذين يستسهلون الحرب ويدعون إليها "ماذا تعرفون عن الحرب/ عن صقيع الخوف ووحشة الترقب/ ماذا تعرفون عن سُبابة مرتجفة على الزناد/ عن برودة الموتى وجحوظ العينين".

ويصرخ بصريح العبارة "تباً للحرب، تباً للخراب/ تباً لمُنظّرين يفرّون قبل هطول المطر/ لطليعة ثورية دائماً على عجل/ وبنادق يعلوها الصدأ" ليصل إلى القول " نحن حُفاةُ القرى والأحلام/ نرسمُ غداً جديداً ولا نسأل/ على أنقاض شبابنا/ نُشيدُ بيوتاً جديدة/ على أسماء شهدائنا نقيمُ حدائقَ وأغنيات/ من جوف دمعاتنا نقطف وردا وابتسامات/ نمشى الهوينى ونُغنّى: تباً للحرب، تباً للخراب".

وبالفعل فإن القصيدة التى تحمل عنوان "ماذا تعرفون عن الحرب؟" تمثل درة التاج فى ديوان وهبى الجديد وتكشف عن مقدرة سردية عالية لديه، حيث يصوغ بسلاسة فائقة حكايته وحكاية أبناء جيله مع الحروب الأهلية التى لا تنتج سوى الموت والخراب.

ولعله فى هذه القصيدة يحاول أن ينقل إلى الأجيال اللاحقة العبر والخلاصة التى خرج بها من معايشته الطويلة للحرب الأهلية فى لبنان التى أكتوى بنيرانها اللبنانيون ويكادون أن يقعوا فى جحيمها من جديد فيقول "كانت الحربُ قصيدةً وأغنيةً قبل أن تقعَ فعلاً/ كانت هتافاً ورصاصاً ومعسكرات تدريب/ كانت ثياباً مرقّطة وأسماءَ مستعارًة وجثامين على الجدران وقارعة الأحزان".

وكما يبرع فى كتابة القصيدة الطويلة المسهبة نراه كذلك يبرع فى قطف الومضات الشعرية وكتابة القصيدة المكثفة المؤلفة من كلمات قليلة لا تتجاوز أحيانا أصابع اليد الواحدة كما فى قوله "حبّذا لو تنثرين ملحّك على جليد وحدتى" أو فى قوله "أتعثرُ بظلّى كلما أشرقتْ شمسُ محياك" وهو فى هذا النوع من القصائد القصيرة جدا الشبيهة بشعر الهايكو اليابانى يقدم عصارة جهده الشعرى القائم كما أسلفنا على التقاط اللحظات الشعرية من الوقائع اليومية التى يحياها كإنسان ثم يصهرها فى وجدان الشاعر ووعيه.

لدى شاعرنا هناك إصرار على مسحة صوفية باتت جلية واضحة فى أعماله الأخيرة، حيث التماهى مع المعشوق الأكبر والتجلى فى لحظات ترتقى بالواقع إلى أعلى وتحرره من ماديته لتمنحه أبعادا روحية تتدفق لديه تدفق شلال هادر أو تنساب على مهل كما ينساب جدول صغير فى حقل كثير الزهور والفراشات وهو بين واقعيته وصوفيته يعيش قلقا وجوديا واضح المعالم جلى السمات.

ولعل قصيدة "لم آت بعد" هى الأكثر إفصاحا عن هذا القلق حين يقول "نعم، لم آت بعد/ هذا الجسدُ ليس لى/ هذا الشيبُ فى الصدغين/ والحكمةُ فى الرأس/ كلُّ هذا ليس لى/ لستُ كاتب هذه القصيدة ولا قارئ الفنجان/ فى كفّى حياةٌ أخرى/ طالعى على نجمة غير الأرض".

وكما فى كل قصائده فإن وهبى يعلن انحيازه للأنوثة بلا مواربة منتصرا لأنوثة الحياة مبشرا بالخلاص عبر هذه النافذة بالذات نافذة الأنوثة المنقذة من الحروب والويلات التى أنتجتها قرون متراكمة من حكم الذكورة وطغيانها.

وها هو الشاعر يسأل مباشرة "لمَ الصباحُ بلا امرأة تؤنّثُ نهارى من أوله" مؤكدا أن صباحا "بلا وجه امرأة كافيين العالم كله لا يكفيه" وكأن المرأة هى الدافع ليس فقط على الاستيقاظ واستقبال النهار من بدايته بل على الحياة برمتها حيث تغدو هذه الحياة غير ممكنة بلا المرأة وحضورها المخلّص وهنا نتذكر قوله فى قصيدة سابقة "الحُبُّ جرسُ استيقاظى كلَّ صباح".




لمزيد من أخبار الثقافة ..

أنباء عن فوز رواية "رجوع الشيخ" بالمركز الأول بجائزة ساويرس

إبراهيم نصر الله: قائمة البوكر الطويلة تبعث الفرح وتحفز على العطاء

"الفيل الأزرق".. عالم الجريمة ينافس لأول مرة فى البوكر 2014







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة