قال الدكتور عبد المنعم تليمة، الروائى الكبير، إن طه حسين عندما صاغ بيان النهضة كان متميزًا وبديعًا وكان بيانًا مستنيرًا فى الإبداعات الأدبية، منهجه امتد ليكون منهجًا لتراث الفكر كله، وسعى سعيًا لوضع مصر فى قلب العالم لجعل حضارة مصر القديمة ممتدة وخالدة ومؤثرة فى تطور الإنسان العام، وكان يغلب كل الأشياء لتنل غايتها، عمل على الأمور الإبداعية والفلسفية والحضارية.
جاء ذلك خلال ندوة تحت عنوان "طه حسين رائد التنوير" ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ45، بحضور الدكتور عبد المنعم تليمة والدكتور جابر عصفور والمفكر الكبير السيد ياسين.
وقال المفكر الكبير السيد ياسين: "عندما كنت فى المدرسة الابتدائية دخلت امتحانًا تحريريًا وبالتحديد مسابقة اللغة العربية وكان سبب نجاحى هو أعمال طه حسين، ومنذ هذه اللحظة أحببت طه حسين.
وأشار ياسين إلى أن طه حسين ألقى محاضرة باللغة الفرنسية بعنوان الكاتب فى المجتمع المعاصر، وتحدث عن دور المثقف فى المجتمع وفوجئت بأنه يقدم تحليلاً ثقافيًا نادرًا لتحويل المثقفين إلى الكتابة الإسلامية وكتب عن السيرة النبوية، مؤكدًا أن طه حسين قدم للمسلمين نبيهم عندما كتب على هامش السيرة، بصورة عقلانية متخلصة من هوى القدماء، وبعدها أخرج توفيق الحكيم حياة محمد ولكن حسين أكمل المشوار إلى نهايته مثل الوعد الحق التى تشكل مكتبة إسلامية كاملة بنظرة عقلية متحدثة.
ومن جانبه قال الدكتور جابر عصفور: "أحب الأشياء إلى قلبى الحديث عن طه حسين وعن فكره الذى يتأسس على 5 عوامل وهى "العقلانية، الحرية، النزعة الإنسانية، العدل، النظرة المستقبلية".
وأوضح عصفور أن العقلانية عند طه حسين، هى الرجوع وتحكيم العقل بداية من الإيمان بالله وكان الفكر العقلانى عنده المصدر التراثى الإسلامى، يرجع إلى التراث الفلاسفة المسلمين والشك هو أولى الخطوات ليصل إلى بر اليقين، وأضاف له الميراث الفلسفى الفرنسى ثم عاد إلى مصر وأول ضجة كانت هو استخدامه لنظرية العقل، هكذا بدأ من أول ثمرة وهو الشك وبدأ بالعصر العباسى ولكن طه حسين كان يقرأ فى كتب التاريخ وأثبت أن ما كان يقال عن العصر العباسى كان خطأ.
وأكد عصفور أن طه حسين انتقل بعد ذلك إلى الشعراء العباسيين وكان الشك فى هؤلاء الشعراء أن شعرهم غير حقيقى ومأخوذ ثم انتقل إلى شعراء الغزل الإسلامى ثم إلى الشعر الجاهلى وانفجرت الدنيا وتم سحب الكتاب من الأسواق وتم استجواب وزير المعارف وذهب حسين إلى محمد نور النائب العام وآنذاك وتم التبرئة وقال لا عقاب لمن يبحث ويجتهد وهكذا كانت العقلانية التى استخدمها.
وأضاف عصفور أن الصدام الثانى عندما تأسست جماعة الإخوان وكانت تفرض آراءها وكان لابد أن تهاجم طه حسين على أنه كافر ومنحرف وعندما كتب حسين مستقبل الثقافة فى مصر هاجمه حسن البنا هجوم شديد، ونتيجة هذا الهجوم رأى طه حسين أنهم على جهالة دينية وأن العقل هو الأساس فى الأشياء وأول ما خلق الله هو العقل، فلابد أن يحاربهم بالعقل ليلجأ إلى التاريخ الإسلامى والسيرة النبوية وتمت صياغتها بالعقلانية ليقدم السيرة النبوية التى لا تخالف مع العقل ورفض فكرة احتكار العقل فخاطبهم بسلاحهم باستخدام العقل ومن هنا تكلم عن عمر بن الخطاب والفتنة الإسلامية.
وأضاف عصفور أن العقلانية لا تكتمل إلا مع الحرية وأن طه حسين الكاتب السياسى لم يكن معروفًا لأن مقالته السياسية لم تجمع وجمعت عن مقالته عن التعليم والفكر السياسى ونجد أنه أشد المهاجمين للوفد والعداء بينه وبين سعد زغلول، وتحدث عن ديكتاتورية الأغلبية وهذه الحرية السياسية تعنى الديمقراطية وفى العلم تعنى حرية الباحث فى تقديم والبحث، وقال إذا تدخلت الدولة فى مجال الباحث فيذهب يبيع الفجل.
وأكد عصفور أن طه حسين رأى أن العلم لا يزدهر إلا بالحرية بالمعنى السياسى والعلمى ولكن فى الدينية والاجتماعية وحرية اختيار الأديان باستخدام العقل.
وأوضح عصفور أن الحرية عند طه حسين تقود إلى العدل المعرفى وليس من المعقول أن ينفرد الأقلية بالثورة وانحاز للمعذبين فى الأرض ونصير الفقراء والعدل لا يكتمل إلا بالجانب المعرفى، وينبغى أن تكون للجميع فالمعرفة لابد ألا تحتكره فئة وتكون متاحة للجميع ودعا عندما كان وزيرًا أن يكون التعليم كالماء والهواء لكل مواطن ومجانى لهم ولم ينطق إلى بعد تولى عبد الناصر.
وأضاف عصفور أن النزعة الإنسانية عند طه حسين هى أن أى جريمة لكل إنسان على الأرض فهى جريمة فى حق كل إنسان.
وأشار عصفور إلى أنه لا يوجد لدينا ثقافة المستقبل ونفكر دائمًا بالماضى ولا يوجد أى جديد إلا إذا رجعنا إلى الماضى وأكثر الكتب رواجًا فى المعرض هى الكتب التى تنظر إلى الماضى ولكن المستقبل لا وجود له، وطه حسين كان عنده النظرة المستقبلية وليس على أحداث الماضى وإذا قمنا بقياس المستقبل على الماضى فلن ننجز شيئًا، وحسين هو من بدأ بتأسيس المركز الثقافى فى مدريد، وأهمية العلاقات الثقافية بين الدول وكان يفكر دائمًا فى المستقبل ووضح ذلك فى كتابه "مستقبل الثقافة فى مصر"، وكتب طه حسين: "أنا لا أمل فى ثقافة مزدوجة ويتحد التعليم الدينى مع المدنى وهو ما جعل الأزهر يشن عليه هجومًا كبيرًا وهو الذى علمنا".