كان أسعد أيام حياتى فى الطفولة يوم شم النسيم.. لأننا نذهب القرية ونقضى اليوم فى حقول الفل والياسمين، الزهور التى أعشقها وكنت أشعر وأنا فى الحقل وأقطف هذه الأزهار بيدى أننى فى جنة الله فى الأرض،، ولكن فى هذا اليوم حدث شىء مخيف حال بينى وبين هذه الزهور،، عندما ذهبنا لقطفها نبهوا علينا أن لا نقترب من تكعيبة اللبلاب، التى كان لابد أن نمر من جانبها حتى نصل لحقل الفل، فتساءلت لماذا؟ قالوا لأنها مليئة بالثعابين السامة،، فتوقفت فى ذهول أنظر إليها من بعيد !! وجدت تكعيبة مغطاة بأوراق اللبلاب بشكل كثيف جدا لدرجة جعلتها مكان مظلم لا يصل إليه ضوء الشمس، وكأنه كهف مهجور، وتغلب عليه خوفى الشديد من الثعابين على عشقى للفل والياسمين، ولم أستطع مجازفة أن أمر بجانبها وجلست فى مكانى أنظر إليها بخوف وترقب، حتى رأيته، نعم ثعبان طويل يمر تحت الأوراق يحاول اصطياد عصفورة صغيره وقفت على التكعيبة ولكنها طارت قبل أن يلدغها، وهنا دارت أسئلة كثيرة فى رأسى وكنت مصممة أن أجد لها إجابات، فسألت جدى لماذا تزرعون اللبلاب طالما إنه خطر هكذا؟ فأجابنى إننا نحبه لأنه ينمو بشكل سريع دون أى مجهود ويحمينا من حرارة الشمس فنستظل تحته فى الصيف، ولكن يجب أن نتابعه منذ البداية ونهتم به حتى لا تلتف الأغصان حول بعضها وتكثر حتى تصبح بيتا للزواحف الخطرة، فاللبلاب سلاح ذو حدين، ومر اليوم ولكن لم تمر التجربة والدرس من حياتى، لأنى وجدت اللبلاب فى أشياء كثيرة فى حياتنا خصوصاً العلاقات الشخصية والاجتماعية، فعندما نشعر بطيبة وحنان شخص فنقرر أن نتخذه صديقأ حتى يغمرنا ويغلف حياتنا بهذا الحنان دون أى حسابات ومراجعات لمساوئ هذا الشخص، وبالعشرة والتعود تبدأ رحلة التجاوز عن أخطائه وعيوبه، فإننا نراه يكذب فى هذا الموقف، وينافق فى موقف أخر، ويستهين بمشاعرنا وتتبدل مبادئه حسب ظروفه واحتياجاته، ومع ذلك نستمر تحت مسمى صديق العمر وكأنه حصن لا نستطيع اختراقه، وبالتدريج تتحول العلاقة إلى أغصان للبلابية تلتف حول حياتنا وتحجب عنا أى ضوء أو فكر أو رؤية جديدة للحياة فلا نرى إلا ورق اللبلاب، الذى فى بعض الحالات يصل أن يلتف حول رقبتا ويصيبنا بالاختناق اعتقاداً منه إنه يحمينا، ولا يمكن أن نتخلص منه فى هذا الوقت إلا بعد أن نتعرض للجرح والأذى لتملكه من حياتنا، ونجد نفس الشىء عندما تصيبنا سهام الحب، فقد مضت حياتنا ونحن نحلم بأشياء جميله سوف نعيشها مع من نحب، ونتخيل مدى عطائه ورقته وصدقه وننسج قصص لم تتعدى خيالنا عن هذا الحبيب، وعندما نصادفه نجذبه بشدة داخل حياتنا ونبدأ فى معايشة هذه الأحلام دون أى تقييم أو تهذيب لهذه العلاقة، فقط الاحتياج هو من يتحكم فينا، إلى ان يلتف هذا الشخص الذى لا يحمل ولو جزء من أحلامنا، يلتف حول حياتنا ويجعلها مظلمة مهجورة تسكنها المشاعر الموحشة، وللأسف الشديد لم تنته العلاقات اللبلابية فى حياتنا عند الغرباء !! لا بل كثيراً جدا نجدها من الأباء الذين يعطون لأنفسهم الحق فى محاوطتنا والالتفاف حولنا بشدة وإحكام بهدف حمياتنا فلا يملك الصواب والخطأ إلا هم وإلا يدرك الحكمة إلا هم ويحرموا علينا التجربة التى ستثقلنا بالخبرة والخطأ الذى سيعلمنا الصواب، ولتشعب هذا العلاقات فى حياتنا وتأثيرها القوى فينا أصبحنا نبحث عن أهداف جميلة وراقية ونطالب بها ونحارب من أجلها ولكن دون أدنى مسئولية أن نتابع هذه الأهداف والمطالب والأحلام ونبذل الجهود لتحقيقها وتهذيبها وتقييمها، فأقمنا الثورات وأشعلناها بمبادئنا السامية وطالبنا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية ولكننا كعادتنا لم نتابع من سيحقق هذه المبادئ وأعطينا كل ثقتنا التى تخلو من الخبرة إلى نبتة للبلابية فاسدة انتشرت بصورة هيستيرية وتكاثفت والتفت حول بعضها إلى أن حجبت عنا الشمس والأمل وأرادت أن تحبسنا فى كهوفها المظلمه وعندما حاولنا الخروج هاجمتنا بحياتها وثعابينها السامة التى خبأتهم بين أغصانها حتى يأتى يوم إطلاقهم علينا وإذا بهم يلدغون خيرة شبابنا ويبتلعون خيراتنا ويسممون كل من يحاول إنقاذنا.. وكأننا كتب علينا إما نحترق من شدة أشعة الشمس أو نموت فى كهوف مظلمة تحاوطها الأفاعى !! وبعد أن دب اليأس فى عقولنا وقلوبنا يلهمنا الله بالرفاعى الوحيد القادر على أن يخلصنا من الثعابين السامة ورغم أنه يتعرض للدغ منها لكنه أبدا لم يستسلم فقد قرر أن يحررنا، وواجبنا أن نعاونه بعد أن يقضى على هذه الأفاعى الخطرة أن نبذل قصارى جهدنا فى تهذيب أوراق اللبلاب وفصلها عن بعضها وبتر الفاسد منها لنسمح لضوء الشمس أن يخترق أرضنا مرة أخرى وينتشر الدفء والأمان، ونعود ونقطف أزهار الفل والياسمين.
زينب عبد الوهاب تكتب: ورق اللبلاب... والثعبان
الأربعاء، 29 يناير 2014 02:25 م