د. عمار على حسن يكتب: السلفية فى مصر.. هل هى عصية على الإصلاح الدينى؟

الأربعاء، 29 يناير 2014 05:23 ص
د. عمار على حسن يكتب: السلفية فى مصر.. هل هى عصية على الإصلاح الدينى؟ د. عمار على حسن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعيش السلفيون عموما حالة من الغرور، متصورين أن ما هم عليه هو «صحيح الدين» أو أنهم «الفرقة الناجية» ويتيهون بينهم وبين أنفسهم، وأحيانا على غيرهم جهارا نهارا بهذا، إلى درجة أنهم هتفوا ذات يوم فى ميدان التحرير: «ارفع راسك فوق.. أنت سلفى».

فى الحقيقة فإن من يطالع أبجديات التيار السلفى ومساراته قد يستقر فى يقينه أن «الإصلاح الدينى» بات أمراً ضـروريا كى يكون مستقبل العرب والمسلمين مختلفًا.. فكثير من المشكلات التى تعترض طريق التقدم، والأزمات التى تنشب بين حين وآخر، سياسية كانت أو فكرية، سببها أنه يوجد طيلة الوقت من يستدعى الماضـى إلى الحاضـر، ليس للاستفادة واتخاذ العبر أو تلمس طريق الأصالة إنما لإزاحة الراهن تماما، وكأنه دنس ورجس ومتخلف ومتوقف، لحساب ما جرى فى القرون الغابرة باعتباره بالضـرورة مقدسًا وطهوراً ومتقدمًا ومنطَلقًا، وهذا التصور يغفل تمامًا أن للقدماء أخطاءهم الشديدة، التى سجلها المؤرخون الثقات.

و«الإصلاح الدينى» فى هذا المقام لا يعنى بالطبع تعديل الدين ولا تبديله، لكنه يعنى إعادة التفكير فى الأنماط الفاسدة من «التدين» التى تحوّل الدين إلى أيديولوجيا أو فلكلور أو تجارة أو عُصاب نفسـى أو أساطير، وتغربل فى الوقت نفسه الكثير من «علوم الدين» التى تستعين، اقتباسًا واقتطافًا وإحالة واستعادة، لكتب السابقين من الفقهاء أو الرواة، وإضفاء قداسة عليها.

وبالنسبة للتيار السلفى فإنه لن يطور أفكاره وتصوراته إلا إذا نظر بجدية وتجرد وعلمية فى أمور أربعة، هى:
1 - وضع حد فاصل بين الوحى والتاريخ؛ فالأول أصل يُبنى عليه، والثانى تجربة يمكن الاعتبار بها، دون أن تكون قاعدة للقياس أو معياراً للحكم على الأفعال والتصـرفات والآراء اللاحقة، ودون أن تمنح أى قدر من القداسة لأى سبب أو ذريعة.

وضع حد فاصل بين النص والخطاب، أى بين القرآن كنص محكم نهائى واحد، وبين أى من الروايات المتعددة القابلة للمراجعة والغربلة أو الآراء الفقهية التى هى إنتاج بشـرى تجب مراجعته ونقده باستمرار.
2 - وضع حد فاصل بين المبادئ أو القيم العامة والأساسية التى حددها الإسلام وبين وسائل التجسيد الاجتماعى والتاريخى لها، بحيث يصبح الباب مفتوحًا على مصـراعيه أمام تجديد الوسائل من دون جور على المبادئ أو تحريف لها، ولا يتم الاقتصار على وسائل ثابتة والتجمد عندها، فبعضها إن كان قد ثبت جدواه فى الماضى، وأفلح فى الوصول إلى الأهداف والغايات المرجوة، فقد لا يكون صالحًا لزماننا هذا.
3 - وضع حد فاصل بين مكانة الرموز الدينية التاريخية، حتى لو كانوا من الصحابة، وبين قدسية المبادئ التى أقرها الإسلام، فالشخص يستمد مكانته من الالتزام بالمبدأ والعمل على خدمته، فإن انحرف عن هذا فقدَ مكانته. والإسلام لا يجعل لشخص حجة عليه، إنما هو حجة على الجميع، والرجال يُعرفون بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال.

ومن حيث المبدأ يتحدث السلفيون بطريقة تبين أنهم لا يخاصمون هذه الحدود الأربعة تمامًا، وأنهم حريصون على البحث عن «النابع» أو الأصل وليس «الوافد» أو الدخيل، لكنهم حين يشـرعون فى ترجمة هذا التصور فى خطاب، أو محاولة تطبيقه فى الواقع المعيش، يقعون فى أخطاء فادحة، سواء من حيث خلط «الإلهي» بـ«البشـرى» وتماهى «النص» مع «الخطاب»، وإنكار اختلاف السياق الاجتماعى بما فيه من مشكلات وتحديات عن تلك التى واجهها الأقدمون.

وهناك تجمعات سلفية بدأت تطرح تساؤلات حول بعض هذه الإشكالات، لاسيما فى ظل حالة الانكشاف الفاضح لها فى البلدان العربية التى تقدم فيها السلفيون خطوات واسعة نحو السلطة السياسية. فهؤلاء حين عرضوا التصورات الراكدة فى أذهانهم على الواقع المعقد، متوهمين أن بوسعها أن تذلّل الصعب وتيسّـر العسير وتقدم إجابات شافية وكافية على الأسئلة المتجددة، فشلوا بشكل واضح وفاضح، وبدأ بعضهم يعطى «مصالح» الناس وزنها الذى تستحقه، ويوسع باب الاجتهاد حتى يلحق بها.

وقد ظهر هذا الأمر جليا فى الحالة المصرية بعد ثورة يناير 2011، حيث وجدت النخبة السياسية النابتة من أرض التيار السلفى نفسها فى اندهاش، يصل إلى حد الصدمة، حين تعاملت وجها لوجه مع المشكلات الحياتية للجماهير، ومع أطروحات سياسية لم يدر بخلدهم يوما أنهم سيناقشونها، ومع مسائل فنية فى الاقتصاد والقانون، كانوا يتصورون أن ما لديهم فى الكتب القديمة يغنيهم عن الاهتمام بها.

وإزاء هذا التحدى الكبير أخذ السلفيون يقطعون رحلة جديدة نحو التعلم، فراحوا يجوبون على أهل الاختصاص فى القانون والاقتصاد والعلوم السياسية والإدارة، ليعرف عنها من لم يرد أبدا على هذه الحقول المعرفية والمجالات الحياتية، ويعمق من لديه فكرة عنها ما عنده، حتى يصبح مؤهلا لدوره الجديد، كنائب فى البرلمان، أو مسئول إدارى كبير، أو وزير أو مساعد لرئيس الجمهورية أو أى مناصب أخرى يسعى التيار السلفى إلى حيازتها فى الوقت الحالى والمستقبل المنظور.

والسير فى هذا الاتجاه من شأنه أن يؤثر على السلفيين إيجابيا من زاويتين أساسيتين:
الأولى: أن التعرض لدراسات وتقارير وكتابات حول المشكلات المعاصرة يفكك مع مرور الوقت التصورات المنهجية الجامدة فى أذهان السلفيين والتى تراكمت فى رؤوسهم من مطالعة الكتب القديمة والتعامل مع بعض ما فيها، لاسيما الوارد عن شيوخهم الأساسيين، باعتباره الأعلى حجة والأقوى منطقا والمفارق لزمانه وما لديه القدرة على التعامل مع أسئلة زماننا، فالدراسات الحديثة مبنية على مناهج علمية جديدة، هى بنت عصرنا، لا شك أنها ستتسرب رويدا رويدا إلى عقول النخبة السياسية السلفية، وتجعلهم قادرين، ولو بعد مدة، على أن يضعوا المقولات القديمة محل مساءلة ومراجعة.

الثانية: أن مضمون هذه الدراسات ينطوى على أفكار وتصورات مغايرة لما كان يتم تداوله فى الزمن القديم، وهو الزمن السلفى الذى لا يكف عن الحضور والمزاحمة، ومع استقرار هذه المضامين فى النقاش الراهن للسلفيين وحاجتهم الدائمة إلى ترديدها، يبدأ خطابهم فى التغير، شاءوا أم أبوا، وسيؤمنون بعد حين أننا فى زمن مختلف يحتاج إلى فقه جديد، وأن العلماء ليسوا فقط من يحفظون الكتب القديمة عن ظهر قلب ويرددونها بامتنان، بل إن هؤلاء ليسوا سوى «حفظة متعالمين» وأن للعلم آفاقا أخرى، وأن «أهل الذكر» أوسع من علماء الدين، إذ إن كل مجال له العارفون به والمجيدون فيه.

وفى البداية قد يتعامل السلفيون مع هذه المعطيات من باب «التحايل» أو من باب الاستجابة لظروف ضاغطة تجبرهم على تغيير بعض خطابهم وجزء من تدابيرهم، لكن بعضهم سيكتشفون بمضى الوقت أن التحايل غير مجد، وأن الصدق مع النفس يقضى بالتسليم بضرورة أن يتغيروا، وأن يستلهموا الحكمة من أى مكان أو زمان أو إنسان لأنها ضالتهم التى يجب ألا يكلوا ولا يملوا من البحث عنها.

فمن حيث الواقع لا رجعة عن المصطلحات والمفاهيم الجديدة التى أخذ السلفيون يرددونها، فهم يتكلمون الآن عن «الحزب السياسى» وليست «الفرقة» وعن «البرلمان» وليس «أهل الحل والعقد» وعن «الديمقراطية» وليست «الشورى» وعن «الانتخابات» وليست «البيعة»، وكل هذه المفاهيم الجديدة بنت التجربة السياسية الغربية، التى يهاجمون المعجبين بها فى مصر وغيرها من التيارين الليبرالى واليسارى، ويرمونهم بأنهم «متغربون».

نعم يقول شيوخ السلفية فى مصر لأتباعهم إنهم مضطرون لقبول هذا النظام أو تلك الآلية كى يُسمح لهم بتكوين أحزاب والدخول إلى غمار السباق السياسى بمختلف مساراته، وأنهم لا يؤمنون بكل هذا، فإن تمكنوا فسينقضون عليه ويبنوا نظام الحكم المتوائم مع أفكارهم أو ذلك الذى يعيد إنتاج تجربة «السلف الصالح»، لكن مع توغلهم فى أعماق الممارسة السياسية، ودخولهم فى تحالفات وارتباطات سياسية، وتفاعلهم مع العالم من حولهم، سيجدون أنفسهم قد قبلوا تدريجيا وبشكل دائم ما ظنوا أنه مجرد آليات عابرة استخدموها أو وظفوها بشكل براجماتى لفترة مؤقتة.

لكن سيظل دومًا هناك من يرفض التغيير، وينعت كل من تغير نحو الأفضل بأنه فرّط فى الشـرع أو ابتدع فى الدين وجدّف به، وسيجد من ينصت إليه فى إعجاب وولع، ويتبع خطاه فى صمت وعَمَى، لتبدأ حلقة جديدة من مسلسل السلفية، فتبرق عقب خفوت، وتتمدد بعد انكماش، وتهز قلوب كل الذين يعتقدون أنها «الحل السحرى» لمشكلات الواقع وأزماته التى لا تكف عن التجدد والتعقد والتوحش.

وسيظل دوما هناك «سلفيون جهاديون» يروق لهم حمل السلاح فى وجه المختلفين معهم فكريا أو سياسيا أو دينيا أو مذهبيا، ومثل هؤلاء كمرض «السكرى» لا شفاء يرجى منه، لكن يمكن للجسد أن يقلل من آثاره السيئة وأخطاره إن أحسن التعامل معه فى صرامة وانضباط، ولعل مصر قد ابتليت بهذا الفصيل الذى شرع فى سلسلة من الأعمال الإرهابية، لكنه سيندحر فى النهاية، وينضم إلى الخاسرين فى صفوف تيار لم يتعلم شيئا من الشعب، الذى أثبت فى ثورتين عظيمتين أن الحنجرة أقوى من القنبلة.





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد ناصر

المقال يفتقد للموضوعية العلمية

عدد الردود 0

بواسطة:

mosfo

بحث عقيم

عدد الردود 0

بواسطة:

المواطن الصريح

علاج السلفيه البتر

السلفيه اعيت من يدويها

عدد الردود 0

بواسطة:

نور

أستاذ

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري مش ملتحي

كلام أفلام

عدد الردود 0

بواسطة:

ahmed ali

لا لا ، أنت كده بتعطل علي البزنس !

-

عدد الردود 0

بواسطة:

طارق محمد عبد الرحمن

الى رقم 4 المواطن الصريح

اتق الله ايها المواطن الصريح

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

رائع جدا

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

رائع جدا

عدد الردود 0

بواسطة:

آسلام القمحاوي

لا مكان ولا مستقبل لهم............

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة