تذكرون جميعًا ذلك المشهد من فيلم ( الطريق إلى إيلات) عندما دوى الانفجار معلنًا تدمير ميناء العدو، فما كان من الجميع إلا أن هلل بالنصر.. عدا شخص واحد فقط !
والغريب أن هذا الشخص كان من الفريق المنتصر، لكنه كان مصابًا بنزلة برد حادة فأجبره قائده على البقاء على الشاطئ ليراقب الميدان بينما هو جالس مستريح، وهكذا تم تنفيذ العملية ونجحت بالفعل دون مشاركة الجندى الباسل المباشرة! ورغم أن الجندى لم يكن لديه إحساس بالتقصير من جانبه، إلا أنه ما إن سمع وشاهد الانفجار المدوى على الشاطئ الآخر معلنًا نجاح العملية حتى حدث شىء غريب جدًا.. ضرب الأرض بقبضته وهو يصرخ: "يا ريتنى كنت معاهم!".
هذا المشهد العبقرى يجسد تمامًا، وبتطابق مذهل، حال الثورة المصرية الآن!
ولكن قبل أن نعرف كيف دعونا ننظر إلى موجتى الثورة فى 25 يناير، و30 يونيو.. كى نحدِّد بالضبط من هو ذلك الشخص الذى لم ينل شرف المشاركة المباشرة.. أقصد: على الأرض!
إذا استبعدنا المستفيدين من نظام مبارك بصفتهم ينتمون إلى الجانب الذى قامت عليه الثورة، سنجد أن الذين لم ينالوا شرف المشاركة على الأرض ومواجهة رصاص الغدر فى الفترة من 25 الى 28 يناير هم ثلاث فئات:
الفئة الأولى: المتفرجون على ثورة 25 يناير الذين خافوا من المجازفة بحياتهم .
الفئة الثانية: المصريون الموجودون بالخارج .
الفئة الثالثة: التيار المتشدد .
نأتى إلى ثورة 30 يونيو وبالمثل اذا استبعدنا فلول الإخوان وأنصارهم بصفتهم الجانب الذى قامت عليه الثورة ، نجد أن هناك فئتان جديدتان لم تنل شرف المشاركة على الأرض أضيفا للفئات الثلاث السابقة وهما:
الفئة الرابعة: بعض ثوار يناير. وقد أحس أصحاب هذه الفئة أن قيادة أو صدارة المشهد الثورى تنسحب منهم إلى حركة تمرد التى بدت أكثر تعبيراً عن الإرادة الشعبية ، فجذبت بعض الثوار إضافة إلى ملايين المصريين إليها وتمكنت من حشدهم فى جميع أنحاء مصر يوم 30 يونيو.
الفئة الخامسة: الذين لم يشاركوا فى مسيرات 30 يونيو. وهم متدينون بسطاء كانوا يؤيدون 30 يونيو بعقولهم بينما ظلت قلوبهم أسيرة أكذوبة أن جماعة الإخوان الإرهابية تمثل الإسلام، برغم أنها باطلة شرعًا ككل الجماعات المشابهة.
وهكذا أصبح لدينا أيها السادة خمس فئات من شعبنا تعانى (فى غالبيتها) إحساسًا ضاغطًا بالعار والتقصير والتهميش والفشل والغيرة وهو نفسى مؤلم لا ينبغى تجاهله أو التقليل من شأنه، وهو نفس إحساس ذلك الجندى الذى لم ينل شرف المشاركة المباشرة فى العملية الناجحة! هذا الإحساس المؤلم قد دفع أصحابه إلى "الغيرة الثورية" فأعلنت عن نفسها فى صورة المزايدة على الثورة ومهاجمة خارطة الطريق بضراوة هستيرية، وكأنها مؤامرة يجب إفشالها بجميع أطرافها : شباب تمرد، ومن تبعهم من صفوف الثوار، الإعلام، الدستور ، الجيش والشرطة وقائديهما، بل وتزيد بعضهم الجرعة بأن يتحدّون العسكريين فيتظاهرون أمامهم ليذكروهم –الآن- بملفهم الأسود قبل 25 يناير! بينما يتساقط شهداء الجيش والشرطة كل يوم فى حربهم ضد الإرهاب الأسود !
والأخطر من هذا أن هذه الفئات دخلت فى مواجهة مع الشعب المصرى نفسه بتجهيله والسخرية منه ومن إرادته وتلاحمه مع جيشه وشرطته ومؤسساته ، هذا الشعب الذى تركهم يهتفون باسمه يومًا ونصرهم – فقط - عندما وجدهم يعبرون عن إرادته! وكل ذلك يضيف إلى وزن فلول نظام الإخوان ويعرقل خارطة الطريق التى شاركت هذه الفئات الخمسة نفسها فى صياغتها ومباركتها مع الشعب، فكان طبيعيًا أن يلفظهم الشعب كما لفظوه، وهو ما يضيف إلى مرارتهم علقمًا، ويدفعهم إلى المزيد من الغيرة والمزايدة والشماتة فى شهداء الجيش والشرطة والرقص على الدم، وهى صفات بشعة لا تنتمى أبدًا الى ثوار يناير الشرفاء المفعمين بقيم النبل والإنسانية!
وهنا أقول لهذه الفئات الخمس، إننا فقدنا ما فيه الكفاية من الوقت والدم وأن البناء فعل ثورى أيضًا أعظم وأصعب من فعل الهدم!
وأننا لسنا بصدد تحقيق مطالب الثورة الآن لأننا لازلنا فى مرحلة "إجراءات" تأسيس الدولة التى يعقبها مرحلة تحقيق المطالب. وليعلم الجميع أن كلٌ منا كان ولا يزال له دوره المهم والمشرف فى إنجاح هذه الثورة، وأنه أمام سلامة الوطن يجب أن تذوب الخلافات ونتكاتف على البناء، فلا داعى للغيرة ولا مجال أبدًا للمزايدة..
الثورة مستمرة.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة