أصدرت محكمة القضاء الإدارى بكفر الشيخ برئاسة المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى حكما لصالح ممرضة قضت فيه بإلغاء قرار وكيلة وزارة الصحة بكفر الشيخ فيما تضمنه من رفض إعفاء إحدى مشرفات التمريض من النوبتجيات والسهر بمستشفى بلطيم المركزى وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام وكيلة والوزارة ومدير مديرية الشؤن الصحية، ومدير المستشفى بعدم تكليفها بالسهر إعمالا لأحكام الدستور الجديد المعدل لسنة 2014 بكفالة التوفيق للمرأة بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل لتتمكن من رعاية زوجها الكفيف فى أناء الليل حرصا على حياته من المخاطر وهى مصلحة اجتماعية أولى بالرعاية والاعتبار وذلك على النحو المبين بالأسباب.
وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان وألزمت الجهة الإدارية المصروفات
وقالت المحكمة إن المشرع الدستورى ألزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف وكفل لها تمكينها من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل وما من ريب فى أن المغايرة فى العبارة بين الالتزام والكفالة تؤدى إلى المغايرة فى الحكم، فالتزام الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف هو التزام قابل للتطبيق بذاته دونما حاجة إلى تدخل المشرع العادى بينما كفالة الدولة لحق من حقوق المراة وعلى قمتها تمكينها من التوفيق بين واحبات الأسرة ومتطلبات العمل ليس قابلا للتطبيق بذاته وإنما يحتاج إلى تدخل المشرع العادى لوضع حدود لتلك الكفالة وتنظيمها لاحتوائها على حقين متقابلين، هما حق المرأة من ناحية وحق الجهة التى تعمل بها من ناحية أخرى ولكل من الحقين واجباته التى يجب رسم ضوابطها وموجباتها ليبين حدود تلك الكفالة على نحو يوازن فيه بين حقين متقابلين أحدهما خاص بالمرأة والآخر عام بطبيعة المرفق ذاته وطبيعة الأعمال التى يقوم عليها ذلك المرفق, لكن إزاء هذا الفراغ التشريعى لحدود كفالة الدولة لتمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل فإن القاضى الإدارى الحارس الأمين على الحقوق والحريات العامة لا يكون مغلول السلطة فى تقدير الاعتبارات التى تكون سندا إليه بل ينزل عليه رقابة المشروعية الحقة فى توازن دقيق لا إفراط فيه ولا تفريط بين حق المرأة فى القيام بواجبات أسرتها لاسيما إذا كان أحد أفراد الأسرة من ذوى الاحتياجات الخاصة وحقه فى الرعاية حفاظا على حياته من المخاطر وهى مصلحة اجتماعية وبين الاعتبارات التى تقتضيها متطلبات العمل فكل ذلك أمور يتعين أن تقدر بقدرها نزولا على حكم القاعدة الأصولية التى تقضى بترتيب المصالح على ضوء مدارجها.
وقالت المحكمة إن المرأة المصرية كانت سندا ركيزا للرجل فى كفاحه ضد الاستبداد على مدار ثوراته فى التاريخ خاصة منذ أوائل القرن الماضى حتى الآن سعيا لطلب الحرية وبلوغا لأواصر الديمقراطية.
وأضافت المحكمة: ضربت المرأة للرجل مثلا فى القدوة والوطنية وغدت مصباح الحضارة المصرية فى النضال والتضحية وكان دورها فى تنمية المجتمع عنصرا فاعلا ومؤثرا بعد أن ذاقت القهر والمهانة والاضطهاد فى عصور الظلام على الرغم من أنها الكوكب الذى يستنير به الرجل وبدونها لا تستقيم الحياة فى الحق تاج الخليقة ومكونة المجتمع فلها عليه سلطة المشاركة فلا يعمل فيه شىء إلا بها ولأجلها, ومن ثم كان حريا بالرجل بألا يستأثر بجنى ثمار الحرية وأن يهدد من أطماعه العاتية لتبسط المراة يديها الحانية فتشاركه قطوقفها الدانية وما من ريب أن ما تعطيه المرأة لأسرتها من الفضائل الكريمة وآداب السلوك يؤثر حتما على حسن اضطلاعها بالوظائف التى تقوم بها مما يستوجب على كافة سلطات الدولة الا تتغافل تجاة المرأة عن كفالة التوزان بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل وهو ما ارتقى به المشرع الدستورى ليضحى من الحقوق الدستورية اللأصيلة للمرأة.
وأكدت المحكمة أن المشرع الدستورى كفل للمرأة فى الدستور الجديد المعدل لسنة 2014 تمكينها من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل وأن هذه الكفالة الملقاة على عاتق الدولة ليس تمييزا لصالح المرأة تتقدم به على الرجل بل لحكمة تغياها المشرع الدستورى تمثلت فى أن المرأة تتحمل أعباء واجبات أسرتها بكافة دقائقها فى مشقة وعناء لا يستطيع الرجل تحملها ومن ثم فلا يجب أن يكون هذا الواجب الأسرى حائلا بينها وبين سعيها الطموح فى أداء العمل بما لا يخل بواجبات الأسرة على نحو ينال من تلك الواجبات أو ينتقص من حقوقها.
وتابعت المحكمة: على الرغم من أن الخصومة فى القرار الإدارى "عينية" تنصب على عين القرار الطعين فإنه قد تلاحظ للمحكمة أن القاسم المشترك بين من أصدر القرار المطعون فيه ومن شمله ذلك القرار هى المرأة باعتبار أن وكيلة وزارة الصحة بكفر الشيخ أصدرت ذلك القرار وهى امرأة مسئولة وأنه صادر بشأن مرؤسة هى المدعية برفض إعفائها من السهر بمستشفى بلطيم المركزى كون زوجها كفيف فمن واجب الانصاف فى هذا المطاف وفى ضوء ما كشفت عنه الدعوى انه يتعين على المراة ذاتها أن تغير ثقافتها تجاه نفسها وبنات جنسها حتى يتواكب ذلك مع عظيم رسالتها ونضالها وهى ما زالت تتلمس مواقعها لإثبات جدارتها وهى وإن كانت الأكثر عطفا وإيثارا وتضحية فإنه يجب أن يكون الرائد لديها فى أداء العمل المهارة والإنجاز لا الكيد والإيعاز, فظلم المرأة للمرأة أشد فى الوطئة وأنكى فى القسوة وهو ما تستنكفه الطبيعة الإنسانية الخيرة ومؤدى ذلك ولازمه مراعاة الواجبات الأسرية وكفالة التوفيق بينها وبين متطلبات العمل وهى الاكثر علما ودراية بموجبات الواجبات الأسرية حتى لا تجد نفسها وقد أمست على شفا جرف هار فتنهار به.
كما ذكرت المحكمة أن رفض وكيلة وزراة الصحة بكفر الشيخ قامت بإعفاء المدعية من السهر والنوبتجيات بمستشفى بلطيم المركزى كون زوجها كفيفا لا يستطيع الاعتماد على نفسه فى الليل مما يعرض حياته للخطر وهو من ذوى الإعاقة فى أصعب حالاتها ومشمول بالحماية الدستورية العالمية فى المواثيق الدولية، وكذلك بالدستور الجديد المعدل لسنة 2014 فان قرار وكيلة اذ استند إلى ان فقدان حاسة البصر لزوج المدعية ليس سببا طبيا يخصها يكون قد تنكب الصالح العام وما تمليه مبادئ العدالة ومكارم الأخلاق حيال الأوضاع الاجتماعية والإنسانية الجديرة بالمراعاة والاعتبار لما فيه من إخلال جسيم بحقين دستوريين اولهما حق الزوج الكفيف بأن ترعاه زوجته فى أناء الليل وثانيهما حق الزوجة العاملة من تمكينها بالتوفيق بين واجبات أسرتها وزوجها على القمة فى مدارجها وبين متطلبات عملها وان كان هذا الحق الاخير قد كفله المشرع الدستورى ويحتاج إلى تنظيم لحدود تلك الكفالة إلا أن المحكمة يهتز وجدانها وترتعد السماء بحسبان أن زوج المدعية يواجه الظلام الكونى فى الليل والظلام البصرى الذى ابتلاه الله عز وجل والمحكمة وهى الحارس الأمين على الحقوق والحريات العامة لا تقف مغلولة السلطة فى تقدير تلك الاعتبارات، بل تنزل رقابة المشروعية الحقة التى وسدها اليها الدستور فى توزان دقيق مما كان يتعين معه على السيدة وكيلة وزارة الصحة ألا تضع من العراقيل ما يحول بين قيام المدعية برعاية زوجها الكفيف بالليل بإجبارها كرها على السهر بالمستشفى بعيدا عنه مما يعرض حياته للمخاطر وهى مصلحة اجتماعية أوجب بالرعاية والاعتبار وكان يمكنها تكليف المدعية باحد الفترتين أثناء النهار وهو ماكان موضع إعفاء من وكيل وزارة سابق لمدة خمس سنوات سابقة, إلا أنها اعتبرت أن فقدان البصر ليس سببا طبيا يخصها مخلة بذلك بحق دستورى المتمثل فى تمكين المدعية بين واجبات اسرتها ومتطلبات عملها ومهدرة ايضا لحق دستورى آخر لذوى الإعاقة فى الرعاية طالما كافحوا للحصول عليه, ولا يخفى على أحد أن القرار الطعين يؤدى إلى تمزيق الأسرة وتفريقها عندما يجد الزوج الكفيف زوجته تتركه فى أحلك الأوقات, آخذا فى الاعتبار أن المدعية مشرفة تمريض وأن سد العجز فى الممرضات يكون من الممرضات أنفسهن وليس من مشرفات التمريض وبالتالى تكون وكيلة الوزراة قد انحرفت بسلطتها لقيام القرار المطعون فيه على اعتبارات غير صحيحة لم تستهدف المصلحة العامة التى تغياها المشرع بل كانت مدفوعة بعوامل شخصية بعيدة عن الصاح العام مخلة بذلك بالحقين الدستوريين سالفى الذكر وتكون قد اخفقت فى اختيار أنسب الحلول عند حل معضلات الأمور.
واختتمت المحكمة حكمها التاريخى بقولها: إنه عندما غلقت الأبواب فى وجه المدعية لجأت إلى محافظ كفر الشيخ الذى وجه بكتابه المؤرخ 15 أبريل 2012 إلى وكيلة الوزارة لإعفاء المدعية من السهر بالمستشفى تكريما لوالدة زوجها الكفيف التى حصلت على الأم المثالية على مستوى الجمهورية، إلا أن وكيلة الوزارة لم تضع موافقة المحافظ موضع التنفيذ بما ينال من حسن الإدارة الرشيدة بحسبان أنه لا يجوز لجهة أدنى أن تخالف ما تقرره جهة رئاسية أعلى مما يتعارض مع أصول الانسجام الإدارى والرئاسى الذى يجب أن يسود جميع الجهات الإدارية فى مصر.
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى ابا عن جد
يانهار اسود