كريم عبدالسلام يكتب: قصائد 25 يناير

الأحد، 26 يناير 2014 06:43 م
كريم عبدالسلام يكتب: قصائد 25 يناير احتفالات 25 يناير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء


فى الأيام التى تلت 25 يناير 2011، قضيت ساعات متفرقة من الليل والنهار مع أصدقاء قابلتهم لأول مرة، فئات مختلفة وأعمار مختلفة، حكايات إنسانية، مآس صغيرة، جاءوا من قراهم ومدنهم وشوارعهم الضيقة فى الضواحى لا يجمع بينهم سوى هدف واحد رائع: إسقاط الديكتاتور، الهدف الذى كان يعنى لكل منهم باختصار أربع أمنيات غالية «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية»، وحول نار الخشب أو الوجبات الخفيفة وبين موجات الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش ثم مرحلة السيطرة على الميدان، كان كل واحد يحكى عن طموحاته، وعن أمنياته وعن أصدقائه الذين فقدهم أو عن اللجان الشعبية أمام بيته.

كان الأمل كبيرا والدماء التى سالت تجعل من الحلم واقعا لا يمكن التنازل عنه، وتحول شبح الخوف من السلطة الاستبدادية الأمنية المرعبة فى عهد مبارك إلى طاقة غضب هائلة، والآن بعد ثلاث سنوات على هذه الأيام العظيمة فى تاريخنا، مازالت أمنياتنا الأربع «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية» مجرد أمنيات، وكأننا لم نقم بثورة عظيمة سالت فيها دماء طاهرة، وكأن الملايين التى هتفت بسقوط الديكتاتور لم تخرج بعد، كما ظلت طاقة الغضب الهائلة فى نفوسنا على حالها..

فى السطور التالية قصائد أصدرتها بعنوان «قنابل مسيلة للدموع» خلال ثورة 25 يناير 2011

بلدٌ تحت البلد
خرجنا، أولادا وبناتا
شيوخا وعجائز
نبحث عن بلد تحت البلد
نادينا،
يابلدنا، تعال.. تعالَ
من أجل أن يرضى، غنينا له ورددنا الأناشيد
من أجل أن يرضى، أحرقنا البخور وتلونا الطلسمات ومفاتيح الحكمة
بلدنا يا بلدنا تعال.. تعالَ
بشعرك المجعد
وابتسامتك الأسيانة
تعالَ تعالَ
بجسدك المنهك وروحك الخارجة توا من الأسر
بلدنا يا بلدنا الذى أفاق من الغيبوبة
أشعلنا النار لتدفئتك
وجلسنا تحت قدميك نحكى لك
حكايات التغريبة التى ابتلعتنا
وسيرة الغول الذى قهرناه بأيدينا العزلاء.

بطاقة شخصية
كان من الضرورى أن يحمل بطاقة شخصية
هذا الصبى المجهول الذى سقط بيننا
بطلقة فى الفم
نعم، الفم الذى كان يهتف منذ قليل
اخترقته رصاصة
وفى طريقها للخروج من مؤخرة الرأس
حطمت الأسنان وشقت اللسان
وأسكتت الصوت الحر
ثم انهار الجسد على صدرى
كما لو أن يد مصارع قذفت به تجاهى.

مع الثوار ذلك أفضل جداً
العامل الذى زحف إلى ميدان التحرير من الجوع
مصطحبا أطفاله الثلاثة
يبتسم لأن أطفاله يجدون الطعام
والأيدى تحمل إليهم الحلوى
احترف وأطفاله بيع المناديل الورقية فى إشارات المرور
وفكر أن يحرق نفسه أمام مجلس الشعب
لكنه الآن مع الثوار
يحمل المصابين على كتفه
ويقدم يده لمن يحتاج المساعدة
ويهتف من قلبه بسقوط الطاغية
الذى سلبه وأطفاله رغيف الخبز
لا يعرف ماذا سيفعل بعد انتهاء الثورة
حتى الآن،
أطفاله الثلاثة ينامون داخل خيمة من البلاستيك
ويضطجع هو خارجها.

ألم أقل لكم
مثل نبى نصره الله بمعجزة باهرة
ظل يتيه على زملائه، عندما انهار الديكتاتور
وأغلق بيديه المرتعشتين ملف التوريث إلى الأبد
ألم أقل لكم
ألم أقل لكم إن القاهرة بعيدة عن دمشق
عندئذ شعر المكذبون الذين قضوا عمرا داخل اليأس
بالخجل
وأطرقوا وهو يحتكر الغناء طوال الليل
دون أن يقدر أحد منهم على إسكات صوته الردىء.

لياقة الجلادين
يارب
امنحِ الجلادين والطغاة أعمارا طويلة طويلة
امنحهم يارب صحة جيدة جيدة
ولياقة ذهنية عالية عالية
وقبضات قوية قوية
زودهم يارب بقدرة لا نهائية على التحمل
لأننا ننوى محاسبتهم على جميع جرائمهم.

بعينٍ واحدة
عندما عاد إلينا
فى الثانية عشرة مساء
هلل الثوار وهتفوا بحب مصر
الشاب الذى تلقى أكثر من رصاصة مطاطية
وحملناه إلى المستشفى الميدانى
الشاب الذى انفجرت عينه أمامنا
وهو يطالب بالعدل
لم يذهب إلى بيته،
فور أن قال له الطبيب:
تستطيع أن تمشى، لكن الضمادة ستظل على عينك
عاد إلى ميدان التحرير
ليطالب بالعدل بعين واحدة.

أيها الموت.. أنا أبومحمد
أيها الموت
أنا أبومحمد
أريد ابنى،
أريد ابتسامته ولحيته النابتة وعناده
أيها الموت،
أريد ابنى لأقول له لا تذهب مع الثوار، فيذهب
وأخرج وراءه
لأتلقى الرصاصة فى صدرى بدلا عنه
أيها الموت،
أريد ابنى
ماذا يفيدنى اعتقال من أطلق النار بأعصاب باردة؟
ماذا أفعل بكلمات العزاء
وليس بينها «كن فيكون»؟
ماذا أقول لحبيبته التى تمسك بقلبها المنفطر؟
أيها الموت،
أريد ابنى يخاطبنى
لأنى لا أستطيع النظر فى عينى أمه
لأنى لا أملك إجابة عن أسئلة إخوته
محمد، تعالَ
وأنا أنزل القبر بدلا عنك
أيها الموت،
أنا أبومحمد
وأريد ابنى.

أين يختبئون من أنفسهم؟
الذين أطلقوا الرصاص المطاطى فى العيون
القناصة، الذين صوبوا بِغِلًّ رصاص 12 ملى على الرأس والقلب
وسائقو المدرعات الذين تعمدوا دهس الثوار تحت العجلات
اختفوا جميعهم فجأة
واختبأوا فى المجهول
بينما ظل الشهداء شهداء
والجرحى جرحى
وأصبح الجميع مؤيدين للثورة
هؤلاء القتلة
أين يختبئون من أنفسهم؟

كيف يلتهم الديكتاتور طعامه
كيف يسعى الديكتاتور إلى إجهاض الثورة؟
يلقى خطابا عاطفيا يتمنى فيه أن يموت على أرضه
التى اعتقلها ثلاثين عاما
كيف يسعى الديكتاتور لإجهاض الثورة؟
ينظم تجريدة من الهمج
ليطعنوا الثورة من الخلف
كيف يسعى الديكتاتور لإجهاض الثورة؟
يطلق عملاؤه الرصاص على معنى الحرية
كيف يسعى الديكتاتور لإجهاض الثورة؟
يحرق الحقول ويهدم المنازل ويسمم النهر
ثم يقف فوق تلة عالية
ويردد فى الجهات الأربع:
أنا.. أنا
أنا.. أنا.

أيهما تفضل أيها الديكتاتور
أيهما تفضل أيها الديكتاتور
أن تتنحى أم يحترق البلد؟
النار يا بنى تميز الخبيث من الطيب
والمعادن النفيسة تصفو مع اللهب
أيهما تفضل أيها الديكتاتور
أن تتنحى أم تندلع حرب أهلية؟
يابنى، قل أولمبياد شعبى
وآمن أن البقاء للأصلح
فى نهائى الأولمبياد تعرف الأقوى والأنقى
هل يمكنك معرفتهما قبل ذلك؟
أيهما تفضل أيها الديكتاتور
أن تتنحى أم تضرب الشعبَ مجاعة؟
يا بنى، جوعوا تصحوا
ماذا تفعلون بكل هذه الترهلات فى أجسادكم؟

الذى ظل يغنى طوال الليل
كأنه كان يعرف
«حسام» ابن العشرين عاما
الذى ظل يغنى طوال ليلة «جمعة الغضب»
«بقرة حاحا»
و«مصر يا أما يابهية»
ويطعم النار بحنان الأم
حتى نمنا على شدوه العذب
كأنه كان يعرف
أن النهار الجديد سيكون الأخير
وأن الدماء ستغطى وجهه ورأسه
كأنه كان يعرف أنها فرصته الأخيرة
لذا ظل يغنى طوال الليل
ويطعم النار بحنان الأم.

نظام الرمل
عندما صرخنا «يسقط الديكتاتور»
اكتشفنا أن سجونا رهيبة مصنوعة من الرمل
وأن مدنا كاملة مبنية من الرمل
وأن القادة المرعبين
والطغاة القساة
والعساكر ذوى العربات المصفحة
والسياسيين المفوهين
والحزبيين التجار
مجبولون من الرمل
وأن الرمل لم يكن يحتاج حتى ينهار
إلا إلى موجة صاخبة من البحر
الذى غافل الجميع واستقر فى ميدان التحرير.

ردٌ ساحقٌ
طفل الشوارع الذى انضم للثوار
وتعلم أن يحلم بالمدرسة مرة أخرى
ضرط ضرْطة ًطويلة
عندما رأى الرجل البدين الأصلع فى التلفزيون
يتكلم عن خطأ الثوار الشباب
وعن ضرورة الاحتكام إلى صناديق الانتخابات
من أجل تغيير الديكتاتور.

ماذا سنفعل الآن
ماذا سنفعل بعد أن تشرق الحرية
من ميدان التحرير
لا معنى أن نعود لبيوتنا وأن نحكى
عن انتصارات حققها الشعب
كم مرة سنحكى
وكم مستمعا سيطلب منا الإعادة.
تمنينا سرا أن يظل الديكتاتور على عناده
وأن نبقى فى ميدان التحرير إلى الأبد
نصنع اللافتات المعارضة على عجل
ونتبادل الأطعمة وشعارات الحرية
تمنينا أن يظل كل منا يحكى عن نفسه لإخوته الثوار
إلى ما لا نهاية
وأن نجلس معا على الأرض ونغنى للوطن،
فى أمسيات باردة
تحت حراسة الدبابات.

الصبى المجهول
الذى هرولنا به إلى المستشفى الميدانى
كان ينزف بغزارة
وتختلج أعضاؤه وحواسه بين أيدينا
مثله كنا نرتعش ونحن نرقب الطبيب
يصارع الملاك الذى يرفرف فوق رأسه
وعندما فتشنا ملابسه
لم نجد أى أوراق تثبت هويته
فتحسس كل منا بطاقته الشخصية
ورفعها عاليا فى مواجهة الضياع بعد الموت

زهور الشهداء
الربيع كسر الشتاء
قال الثورى المخضرم
ودخل فى أغنية حماسية
بينما السماء تمطر على رؤوسنا
إذا لم تصدقونى
انظروا إلى الزهور الحمراء التى تزين صدور الشهداء والجرحى
زهور يانعة كبيرة الأوراق
قبلوها يا بنات
قبلوها يا شباب
زهور الربيع المقدس
الذى كسر الشتاء.









مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة