حسن زايد يكتب: مصر وزمن الخيارات الصعبة

الأحد، 26 يناير 2014 02:18 م
حسن زايد يكتب: مصر وزمن الخيارات الصعبة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعيش مصر بعد ثورتيها زمن الخيارات الصعبة، ففى أعقاب ثورة يناير كان عليها أن تختار خارطة طريق تحدد المسار المرغوب فيه الذى به تتخلص من أمراض النظام القديم، وترسى قواعد وأسس الجمهورية الجديدة، فإذا بها تختار بين طريقين: الأول: تعطيل الدستور وتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، باعتبار أن أية ثورة كى تكون كذلك فلابد لها من إسقاط الدستور.

الثانى: تعديل الدستور القائم، وتشكلت لجنة إخوانية المذهب والهوى لتعديل الدستور، وجرى التعديل بعد دس مواد مسمومة به تخدم على اتجاه سياسى بعينه كالمادة 28 التى تحصن قرارات اللجنة الإنتخابية ضد أى طعن، وقد جرى الاستفتاء على هذه التعديلات بعد وضع المجتمع المصرى فى مأزق الاختيار بين أمرين: الأول: التصويت بـ" لا "، وكان هذا يعنى إسقاط دستور 1971 بالكلية، ووضع دستور جديد للبلاد، الثانى: التصويت بـ" نعم "، وكان ذلك يعنى المضى فى الخطة المرسومة، وهذا الوضع فى حد ذاته طبيعياً وليس مأزوماً ولا يمثل مأزقا فى الاختيار، وإنما المأزق الأزمة فى الدعاية السابقة على عملية الاستفتاء، والتى قامت على توظيف الدين فى العملية السياسية، فأصبح الاختيار "لا " يعنى الكفر والضلال ورفض الشريعة واتباع سبيل غير المؤمنين، والاختيار " نعم " يعنى اختيار الشريعة والانحياز لله ورسوله واتباع سبيل المؤمنين.

وعندما تبحث عن تفسير موضوعى لهذا الموقف لا تجد سوى المخطط الذى يهدف إلى استغلال الزخم الشعبى الناتج عن الطموحات الثورية فى التغيير، فإسقاط الدستور ووضع دستور جديد يعنى وقوف كافة القوى السياسية على أرضية مشتركة على قدم المساواة فى التمثيل فى الجمعية التأسيسية وبالتالى إخراج دستور يتسم بالتوازن.

وهو ما لا يروق لأصحاب اتجاه تسييس الإسلام لأنه يخرجهم عن المخطط المرسوم بوضع دستور يتوافق مع توجهاتهم السياسية وما يريدونه من البلاد فى إطار مشروع الخلافة الإسلامية، ثم جاءت انتخابات مجلس الشعب ونسجت على ذات المنوال فأخرجت لنا ذات القماش، أغلبية لأصحاب الإسلام المسيس تشكلت منها الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، ثم جاءت الانتخابات الرئاسية وحدث ذات الانقسام بين قوى مدنية مفتتة لا تملك مخططاً واضحاً، وقوى دينية متماسكة تملك مخططاً واضحاً تعرف من خلاله ما تريد، انتهت الجولة الأولى بالإعادة بين مرشحين: الأول: قادم من رحم النظام الذى قامت عليه الثورة، وما يصاحب ذلك من خشية الانتكاسة الثورية.


وقد جرى انتخابه ممن كان لديه مخاوف حقيقية من أصحاب الإسلام المسيس، ولم يميلوا إلى مغامرة التجريب على الجانب الآخر، إلى جانب بقايا النظام السابق. الثانى: قادم من رحم الجماعة الأم للإسلام المسيس بأتباعها وأنصارها ومن لف لفها ودار فى فلكها، مضافاً إليهم القوى المدنية التى نأت بنفسها عن المرشح المدنى باعتباره محسوباً على النظام السابق، ومالت إلى التجريب على مضض فى جانب الجماعة، وقد قدم أصحاب الإسلام المسيس نموذجاً فذاً للدولة الفاشلة فى مآلاتها لو استمرت.


ودخلت البلاد فى طريق مسدود، ووجدت نفسها إما أن تقبل هذا النظام وترضخ له راغمة، وإما أن تطيح به وتستعيد توازنها وتصحح مسارها، ومرة أخرى تجد الدولة المصرية فى مواجهة خيارين لا ثالث لهما، الخيار الأول: وهو خيار الرضوخ لخيار الجماعة وهو أن تحكم أو تواجه الدولة خيار شمشون، مصحوباً بابتزاز رخيص من قوى خارجية لها مصلحة فى تركيع الدولة المصرية، والمساومة على استقلال إرادتها، وسيادتها الوطنية. الخيار الثانى: وهو خيار مواجهة إرهاب الجماعة وعنفها، ومواجهة ابتزاز القوى الخارجية ومراهنتها على استقلال الإرادة، والسيادة الوطنية، وتمصير القرارات السياسية للدولة المصرية، فاختارت مصر الخيار الثانى رغم ما ينطوى عليه من مخاطر مؤلمة، وتنازلات أكثر إيلاماً، مخاطر داخلية متمثلة فى عنف الجماعة وإرهابها، ومخاطر خارجية من التنظيم الدولى، والقوى الأخرى التى لها مصالح مع استمرار نموذج الدولة الفاشلة الذى قدمه الإخوان.


وراهنت الدولة على صلابة المجتمع المصرى فى مواجهة مخاطر الداخل والخارج، ومضت فى إعمال خارطة المستقبل، وكان أول استحقاقاتها إعداد دستور جديد للبلاد والاستفتاء عليه ومواجهة المخاطر التى قد تعيق إتمام هذه الخطوة، والحيلولة بينها وبين الوصول إليها. ولم يتبق من الخارطة سوى استحقاقين فقط هما الانتخابات البرلمانية، والانتخابات الرئاسية، ولم يحسم بعد أى الاستحقاقين سيسبق الآخر، وإن كان الاتجاه إلى تقديم الانتخابات الرئاسية، فإن تقدمت الانتخابات البرلمانية فستصبح لدينا ثنائية الاختيار ما بين الانتخاب بالنظام المختلط ــ القائمة والفردى ــ والانتخاب الفردى، وإن تقدمت الانتخابات الرئاسية فسنقع صرعى الثنائية مرة أخرى، ولكن هذه المرة بين المرشح المدنى، والمرشح ذو الخلفية العسكرية، ولأى من الاختيارين مخاطره، فالمرشح المدنى قد يكون هشاً ضعيفاً عاجزاً، نتيجة فقدان الخبرة والمعرفة، وكذا الكاريزما التى تؤهله لإدارة مؤسسات الدولة. ومصر لا تحتمل الاختيار على سبيل التجريب فى هذه المرحلة، لأنها لا تحتمل الفشل. والمرشح ذو الخلفية العسكرية قد تتوافر لديه مقومات الخبرة والمعرفة فى إطار الإدارة، وقد يمتلك الكاريزما المكتسبة نتيجة التربية العسكرية المنضبطة، ومن ثم قد يكون قادراً على إدارة مؤسسات الدولة. إلا أنه يخشى منه الميل إلى الدكتاتورية. وتبقى هذه الثنائية قائمة طالما لم يعلن الفريق عبد الفتاح السيسى ترشحه للرئاسة، فإن ترشح فسيكون حتماً المرشح الأوفر حظاً من بين كل المرشحين.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة