عمرو جاد

البحث عن قوارب الاقتصاد المصرى الغارقة

الأحد، 26 يناير 2014 03:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يحظى الاقتصاد المصرى فى كل أزماته بنظرة تفاؤلية تظل هى المحرك الرئيس لأى محاولة أخرى للنهوض، هذا التفاؤل لا يأتى فقط نتيجة للشعور الوطنى بالأمل، فالاقتصاد قطار جاف المشاعر لا يهتم بمن يشيرون له على الجانبين إنما يستمتع به من يتوقعون وصوله للمحطة التالية ويستعدون لذلك، هذا التفاؤل ينبع من أن كل الشروط الأساسية متوفرة فى مصر، لكى تصبح قوة اقتصادية شابة سواء كانت موارد طبيعية أو موقع جغرافى أو أيدٍ عاملة، أين الخلل إذن؟.. الحقيقة تقول إن الاقتصاد المصرى يقع فى المنتصف بين شقى رحى إحداهما سياسية تتمثل فى النظام السياسى ومواءماته وأهدافه الشعبية والعقل الذى يجلس على قمته، الآخر اجتماعى يمثله ضغوط البطالة وأنظمة الدعم ومتطلبات الناس اليومية وآمالهم فى مستقبل أكثر عدالة وثراء، ومن أجل أن يصبح الاقتصاد قويا ليتحمل الضغط على جانبيه مما هو سياسى واجتماعى، يجب أولا أن يتخلص من إرثا قديما من القوانين والتشريعات التى لم تعد مناسبة لحركة التمدد العالمى لرؤوس الأموال، والتى تماهت فيها الحدود الجغرافية أمام آلة المصالح الهادرة.

الفقراء فى هذه الحالة هم الأكثر ضررا، كما أنهم الأقرب تطلعا لمستوى أفضل من هذا، هم يرون بلادهم تمتلك موارد رهيبة، ويشهدون بأنفسهم على سوء الإدارة، ورغم ذلك يحمل كل منهم أمل خفى بأن القادم ربما يكون أفضل، حتى وإن صرح بالشكوى من تردى الأوضاع، وعار على أى نظام أن يكون بسطاؤه أكثر تفاؤلا من مسئوليه، فالمواطن قد لا يهمه نوعية الفكر الاقتصادى الذى تتبناه الدولة، لا يفرق بين الاشتراكية واقتصاد السوق، يهمه فقط أن البديهيات التى يراها يجب أن تتحول إلى نتائج يلمسها فى جيبه، لا يرفض أن تقلب الدولة كل صفحاتها مادام هذا سيعود عليه بالنفع.

ولكى يتسنى لنا طى صفحة هذا الفشل المتكرر لمحاولات يجب أن ندرك جيدا أهمية إصلاح المناخ التشريعى الاقتصادى، والذى للمصادفة قد لا يرتبط عفويا بشكل النظام السياسى، قد تشير بعض الإحصائيات المحلية إلى أن الفساد فى مصر زاد بعد ثورة 25 يناير بنسب قد تصل إلى 30% فى بعض المؤسسات، نظرا لانشغال الإدارة العليا بالتوترات السياسية، وللإنصاف فإن ثمة جهود تبذل قد يبدو بعضها غير كاف، لكن لو سار الأمر بالوتيرة التى أبدتها حكومة ما بعد 30 يونيو؟، فسيصبح لدينا بيئة تشريعية اقتصادية مالية جيدة خلال أشهر قليلة، وهنالك جهود تبذلها اتحادات وجمعيات مستقلة للضغط من أجل إصلاح المناخ التشريعى الاقتصادى فى أسرع وقت تزامنا مع التحول السياسى فى البلاد.

ولأول وهلة يُنظر لهذه المطالب إذا ما جاءت من نخبة كهذه تبدو وكأنها مجموعة من أصحاب المصالح يبحثون عن مكاسب قانونية فى مجالات عملهم، وكأن أحدهم يطالب بإزالة عقبات تعيقه عن مواصلة الربح دون النظر للعواقب السلبية التى ستصيب المجتمع، وتدشن تيارات فكرية حملات شرسة للهجوم على رجال الأعمال والهيئات الاقتصادية الخاصة المطالبة بتلك التعديلات، وهذا الهجوم وإن كان يحمل فى بعض طياته نبلا فى النوايا، إلا أنه كثيرا ما يقوم على مصالح مضادة، ما يعنينا هنا أن هذه الصفحة يجب أن تنتهى من تعاملنا مع مجتمع الأعمال على طريقة ما كان يسمى فى مفردات الاشتراكية "بارونات النهب" الأغنياء الجشعين الذين يعيشون على دماء الفقراء، للتخلص من هذه الصفحة يلزمنا عقد اجتماعى جديد ومصالحة نفسية بين أفراد المجتمع، والدولة هنا منوط بها مراقبة تعاملات الأغنياء لحماية باقى المجتمع من أى تعاملات يشوبها الطمع قد تلحق ضررا ببقية الأفراد.

هذا الدور الذى يجب أن تلعبه الدولة فى حماية المجتمع من طمع الأغنياء، وحماية الأغنياء من الكراهية الهدامة، لا يلغى حتمية الاستماع للمطالب الملحة حاليا بالتصالح مع من لم تثبت منه أى جناية من المستثمرين الذين تعثروا ماليا أو قانونيا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهى مطالب فى أغلبها منطقية ولن يضير الحكومة شيئا من الاستماع إليها، بفعل الأمر الواقع أحيانا، وبمنطق المصلحة التى تغلب على دعوات الانتقام السياسى، المصلحة تقول حسبما يذكر أسامة صالح وزير الاستثمار "إن التصالح مع 50 مستثمرا أسفر عن 46 مليار جنيه فى 5 أشهر"، هذه صفحة يجب طيها بسرعة إذن، لأنها ترتبط أيضا بثقة الأوساط الاستثمارية الخارجية فيما يخص تشريع "احترام التعاقدات" والذى أعلنت الحكومة المصرية أنها بصدد إصداره خلال أيام.

ونهر الاقتصاد المصرى بقدر اتساعه، يضيق ويختنق عندما يأتى الذكر على قوارب الدعم الغارقة فى التعقيد، حيث لا ينفك المسئولون نهارا فى الحديث عن عدم المساس به، ويقضون ليلتهم فى البحث عن الطريقة المثلى للمساس به، ولا يملك مسئول واحد شجاعة المصارحة ليقول للناس إن مشاكل مصر المالية يساهم فيها سوء توزيع الدعم بنسبة تزيد عن 60%، وحين واتت أحدهم الشجاعة ليتحدث عن حجم الكارثة، كان قد خرج من منصبه، حيث اعترف وزير البترول الأسبق أسامة كمال بأن دعم الطاقة الحقيقى يصل إلى 280 مليار جنيه من إجمالى الموازنة العامة، رغم أن المعلن هو رقم الـ130 مليارا، التى سبق وأعلمها هو نفسه حينما كان فى الخدمة، هذه الشجاعة المتأخرة والتناقض الفج، يستلزمان منأى حكومة قادمة أن تطوى هذه الصفحة المليئة بالموازنات السياسية، والتعقيدات الشعبوية، وتراكم الفشل حتى صار عرفا بقوة القانون.

لم يعد مقبولا اليوم بعد ثورتين أطاحتا بنظامين كان يدعى كلاهما الانشغال بتوفير لقمة العيش للبسطاء، أن نظل نجلد أنفسنا بمبررات من عينة أن الزيادة السكانية مطردة، ونلهث للحاق بمتطلباتها، وأن الموارد شحيحة، والفساد متجذر والقوانين متهالكة، لقد استهلكنا خلال السنوات الثلاث العجاف الماضية، ما يقرب من 19 مليار دولار "133 مليار جنيه"، وهو رقم كبير قد لا نستطيع تعويضه خلال الفترة القادمة، لكننا نستطيع أن نؤسس لقواعد اقتصادية خلاقة وصارمة، مدعومة بإرادة حقيقية للبناء، نحن مطالبون بطى الفشل الماضى ليس فقط للبحث عن مستقبل أفضل، ولكن أيضا لتمسك بما تبقى لنا من الحاضر على أمل أن نلحق فيه خيرا.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة