فى حياتى لم أرى غباءً سياسياً أهلك صاحبه مثل غباء جمال مبارك وإخوان الشيطان.. الأول حاولت "أمه" زرعه فى جسد الوطن فلفظه الشعب، وطرده وأهله وتابعيه خارج القصر وألقاهم فى غياهب السجون، والمتابع لبدايات جمال مبارك كان على يقين أن نهايته محتومة رغم ما أنفقوه على تجهيزه للخلافة، ودعمه بمجلس وزراء مصغر (لجنة السياسات)، ومنحه سلطة اتخاذ قرارات مصيرية بالتزامن مع اختفاء الأب من المشهد الداخلى.
بالرغم من ذلك كله لم يستطع السيطرة على العرش لغبائه الذى أعماه عن الدور المهم والمكانة الكبيرة للجيش فى الحفاظ على الشكل السياسى لمصر، كما أعماه عن حساب قوة وفاعلية وتأثير المارد الشعبى الصابر الحليم عند "تقديره"، الهائج الثائر الكاسح الساحق عند "تهميشه"، فاسْتَكْبَر وتَجَبَّر واسْتَهْزَأَ وتَهَكَّمَ، وولى وجهه شطر أمريكا أملا فى الدعم والمساندة.
ومثلما فعل "جمال" فعل "الإخوان" ولكن بشكل آخر، فى البداية أظهروا أنهم وعوا الدرس وتمكنوا من حل معادلة وفك شفرة "معضلة" كرسى الحكم، "ففتح" مرسى صدره للشعب، و"نام" فى حضن المجلس العسكرى، وارتمى فى "حجر" أمريكا، فتبوأ عرش الفراعنة، ولكن لأنه وجماعته لديهم من الغباء ما يكفى لأن يكون مصدراً من مصادر الدخل القومى "حال تصديره"، اكتفوا بالوتد الأمريكانى، و"لسعوا" المجلس العسكرى على وجهه، وركلوا مؤخرة المعارضة، وأداروا ظهرهم لشعب مصر البطل، فكانت الفضيحة "أم جلاجل"، وتحول غضب الجيش لسياط ألهبت ظهورهم، وأتحد الخصوم فى جبهة الخلاص، وتمرد الشعب على الكاذبين الخونة، فأمسى وتد أوباما خازوقاً، وزُلزلت أبدانهم، وتشتت جمعَهم، وألقى الرعبَ فى قلوبهم، وخرجوا غير مأسوفا عليهم من الضمير والوجدان المصرى والعربى لسنوات بعيدة.
وفى الحالتين (جمال والإخوان) ثبت بالدليل القاطع أن "اللى متغطى بأمريكا عريان"، وأن فى مصر... "لا صوت يعلو على الإرادة الشعبية التى يحميها ويصونها ويساندها خير أجناد الأرض"، فالشعب والجيش بالفعل كيان واحد، فلا يستطيع الجيش قيادة البلاد دون شعب يؤيد ويبارك خطواته، ولا يستطيع الشعب حكم البلاد دون جيش قوى يدعم آماله وطموحاته.
الآن هذه السطور هى تذكرة وعظة لمن سيتقدم للجلوس على عرش الوطن، سواء كان من المؤسسة العسكرية (يعنى الفريق السيسى فالشعب لن يقبل بديلا عسكريا عنه)، أو من الأحزاب والقوى السياسية،... إيَّاكُمْ من إهمال الشعب واستبعاده من مشهد الحكم، إيَّاكُمْ من كبته وقمعه والتضييق عليه، إيَّاكُمْ والتغيير أو التدمير الممنهج لثوابته وعقائده السمحة المعتدلة، من يريد أن يحكم مصر فلا خضوع بعد الله إلا لشعبها العظيم، يسهر على راحته، ملبياً احتياجاته، متفانياً فى خدمته، مقدراً محترماً جيشه الباسل، وسنقول له كما قال لقمان لابنه: "وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِى الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.
وسنذكره بما قيل على لسان الحجاج بن يوسف الثقفى لطارق بن عمرو (حتى وإن كانت هناك شكوك فى صحته تاريخيا فيكفينا معناه).. يقول الحجاج لطارق: "لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل فهم قتلة الظلمة وقاهرى الأمم، وما أتى عليهم قادم "بخير" إلا احتضنوه كما تحتضن الأم رضيعها، وما أتى عليهم قادم "بشر" إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب، وهم أهل قوة وصبر وجلدة وحمل، ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فاتقى غضبهم، ولا تشعل ناراً لا يطفئها إلا خالقهم، فانتصر بهم فهم خير أجناد الأرض"...ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
محمد أبو طور يكتب: اللهم لا تجعل "غباء" الإخوان عدوى
السبت، 25 يناير 2014 10:12 م