محمد جاد الله

غرباء على طريق الثورة

الجمعة، 24 يناير 2014 08:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هو زميل وصديق قديم لى.. التقيته دون موعد مسبق فى كل أحداث ومواقف الثورة التى عشتها، منذ أحداث موقعة الجمل الأولى وحتى يوم الثالث من يوليو٢٠١٣ أمام قصر الاتحادية، حتى تعودنا على ألّا نتواعد أبداً للقاء.

رأيته لأول مرة فى الميدان بجانبى فى أوائل فبراير ٢٠١١ وهو يقبض فجأة على يدى لنتشارك فى لجنة تأمين المتظاهرين عند مدخل ميدان التحرير من جهة شارع طلعت حرب، والتى عُرفت آنذاك بلجنة رقم ٧.

وفى أوقات الراحة كنا نتقاسم علبة الكشرى ونتبادل الأحاديث الودية مع نقيب الجيش المشرف على تأمين المدخل "ماجد بولس"، الذى عرف لاحقاً بأسد التحرير، لدوره فى إنقاذنا بشجاعته من إصابات أو موت محقق على يد معتدين على المتظاهرين السلميين، ثم جرت بنا الأيام والأحداث بعد مغادرة الميدان فى ١١ فبراير ٢٠١١، وحتى يومنا هذا.

ولا أنس اليوم الذى خرجت فيه محبطاً من لجنة استماع بائسة مملة فى مجلس الشعب أثناء أحداث محمد محمود الثانية، وكان الحضور فيها يتبادلون المزايدات الفارغة بينما الدماء الزكية تسيل على بعد مئات الأمتار منهم، لأجد صديقى قد أصيب فى عينه ببلية خرطوش كادت تودى بها، بينما يحاول كعادته التهدئة بالكلم الطيب وقوة الضمير، تارة بين شباب المتظاهرين وتارة بين قوات تأمين وزارة الداخلية.

اصطحبته مسرعاً لقسم العيون فى مستشفى قصر العينى، لنجد حين دخلنا شباب يضعون زميلهم المصاب إصابة خطيرة، على سرير بجوار جندى أمن مركزى أصيب هو الآخر بأصابة خطيرة فى عينه، وبجوار الجندى وقف ضابطه شاب يربت على رأسه بحنو وهو يصرخ متحدثاً فى هاتفه، يسب ويلعن الوزارة التى نقلت اللواء المصاب فى الواقعة إلى مستشفى الشرطة، وأهملت سائقه الجندى البسيط المصاب فى عينه.

ساعتها تبادلت وصديقى النظرات ونحن لا نحصى الذين يجب أن نلعنهم فى موقف عبثى كهذا، كنا لا نهتم من منهما الجانى؟ ومن منهما المجنى عليه؟ فهما سواء فى نتاج التجريف والظلم، وتكررت مواقف مشابهة عشرات المرات ونحن لا نملك أمامها إلا ضحكات حسرة مختلطة بالدموع.

وكان كل منا يجتهد فى كل الأحداث والأيام العصيبة التى شاركنا فيها خلال ثلاث سنوات بعدها فى حل النزاعات القائمة والتهدئة بين المتظاهرين بعضهم بعضاً وبين المتظاهرين وقوات الداخلية، وما يعنينا كان دائماً هو حماية الشباب من لحظات اليأس والتهور. أو من غدر الآخر أثناء الصراع.

حاولنا أن نقنع المتظاهرين بتغيير طريق المسيرات المتجهة إلى ماسبيرو قبل المذبحة فلم نفلح. حاولنا أن ننقذ حياة ضحايا مضرجين فى دمائهم فى أحداث مجلس الوزراء، وأحداث كثيرة غيرها.. فلم نوفق.

حاولنا بحيل مختلفة تغيير طريق مسيرات كثيرة، كى لا تصطدم بمسيرات أخرى لتيارات معارضة لها، حتى إننا ضغطنا على أنفسنا وتحدثنا مع معارف لنا داخل اعتصام "ميدان رابعة"، لينقلوا رسالة تحذير مخلصة لمن يسيطرون على المنصة هناك، من عواقب خطاب بث الكراهية البدائى للآخر، فلم يعيرونا آذاناً صاغية.

لم ننتمِ يوماً لحزب أوجماعة.. ولم نسع يوماً لارتقاء منصة خطابة فى ميدان.. وكنا نؤخر أنفسنا خلف المندفعين على طريق المصلحة الشخصية والشهرة، ونحن مشفقين عليهم مما ينتظرهم من نتاج طبيعى لعدم الإخلاص.

كنا بعد كل موقعة دامية تكلل فيها جهودنا لوقف العنف بالفشل، نغسل وجوهنا الملتهبة من آثار الغاز المسيل للدموع التى تصيبنا ونحن نساعد أطباء المستشفيات الميدانية فى إنقاذ ضحايا الصراع الغشيم، ثم نتوجه لنكون بين كل أطياف السياسيين والقادة والوزراء والنواب، وبين من سماهم الإعلام بالنشطاء السياسيين.. سواء من كانوا منهم فى الحكم.. أومن أصبحوا.

كنا نفرض أنفسنا على حواراتهم واجتماعاتهم، كى نبحث بين الوجوه عن حكماء وطاقات تساعدنا فى مسعانا، كنا نخاطب ضمائرهم.. ولا نسعى لأن ننازعهم طموحاتهم فى اقتناص فرص الوقوف أمام الكاميرات والحديث عن الثورية والبطولة.

وكانوا يتعاملون معنا بحرص شديد لأننا كنا بالنسبة لهم مبهمين الهوية، فنحن لسنا بشباب ولسنا بشيوخ.. نتحدث عارضين أفكار الإصلاح كالقادة، بينما لا نتقدم لننافس أحد منهم على القيادة.. نقدم مشاريع متكاملة ومبادرات تطوير، وتكوين لفرق حل نزاعات ووساطة وموائمات.. ونحن لا نملك أى آداة إلا الثقة فى نوايا الخير للوطن، وهم يتحدثون عن حشد ضد الآخر واستقطابات ومكاسب ومناورات سياسية.

كنا نحرص ألا نُصنف أو نستثار سياسياً، كى يدرك هؤلاء يوماً أن السائرين على طريق البناء لا تهزمهم أو تثنيهم خطوب الفتن عن هدفهم، كنا كالماء بينهم لا لون أو طعم أو رائحة سياسية.. نتحدث لغات إنسانية أخرى غير لغة "السياسة".

كانوا وما زالوا لا يدركون (إلا قليلاً منهم)، أن وجوهنا لا تحمل أقنعة، كى تسقط يوماً، فبقينا دائماً كالغرباء بينهم.. عرفنا أغلب من ذاع سيطهم وقت الثورة، لكننا لم نفش يوماً سراً أو نتاجر يوماً بأحد ممن تعروا إنسانياً أمام ناظرينا.. مبدين سوآتهم الفكرية أونقاط الضعف والقوة فى نفوسهم وعلمهم.

وعلى الرغم من ذلك بقينا دوماً كالغرباء بينهم، هذا هو الطريق الذى ارتضيناه لأنفسنا، منذ بداية الثورة وحتى يومنا هذا.. لأننا ببساطة لا نعرف لنا طريقاً غيره للمساهمة فى إعادة بناء وطننا وشعبنا المنهك،ولم نتنازل يوماً عن الموضوعية ونحن نرى كل ما كافحنا من أجله على طريق بناء دولة حديثة، يتحول إلى قطع من الهباء، يزين المتناحرين بها قاعات العروض السياسية.

إلى صديقى وكل الغرباء على شاكلتنا أقول عن القادم مواسياً:
إن طريق بناء الوطن ذاته هو الهدف.. فلا يجب ليأس أن يتملك منا بعد كل ما تعلمناه فى زمن الثورة عن أنفسنا وعن كل آخر فى المجتمع.. فنحن لم نعارض إلا لخير مصر وشعبها.. ولم نكن يوماً طرفاً فى الهدم.. لم نكن خصوماً إلا فى الحق..

فقط لنرفع رؤوسنا كى نرى بوضوح مواضع أقدامنا فى المستقبل، ثم نمضى على طريق بناء الوطن.. فهذا شأن الغرباء على هذا الطريق..








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

باسل عبد الحميد

طوبى للغرباء

عدد الردود 0

بواسطة:

وجيه جمال

على الضرب سائرون

عدد الردود 0

بواسطة:

منى

طوبى للغرباء

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد محمود علوفة

التغيير بدأ ولكنه لم يتم

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة