الثروة المعدنية هى القاطرة الحقيقية للتنمية، متوسط ما تشارك به الثروة المعدنية فى الناتج القومى للدول العربية يتراوح من 18% إلى 22%، بينما فى مصر كل ما تشارك به هو 0.9% أى أقل من 1% بالرغم من وجود تنوع كبير ووافر من معادن وخامات وأحجار زينة وعناصر نادرة وشحيحة، تحتوى مصر على 120 موقعًا للذهب، وأكثر من مليار طن من الرمال البيضاء تدخل فى صناعة الزجاج وأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية. هذه الرمال البيضاء تكفى العالم كله دون أن تقوم أى دولة فى العالم بالانتاج لمدة 30 سنة، ويوجد خام الحديد باحتياطى محتمل حوالى مليار ونصف مليار طن، والفوسفات باحتياطى محتمل حوالى 2 مليار طن، وكذلك الإلمنيت باحتياطى مؤكد 43 مليون طن، ويستخدم فى صناعات استراتيجية مهمة مثل صناعة هياكل الطائرات وصناعة سبائك الصلب، وكذلك النيوبيوم والتنتالم باحتياطى مؤكد حوالى 131 مليون طن ويمثل ثلث الاحتياطى العالمى، ويستخدمان فى صناعات استراتيجية مهمة مثل أجزاء من مركبات الفضاء، والأقمار الاصطناعية، وهياكل الصواريخ، وآلات الدفع والاحتراق بها، هذا بالإضافة إلى العديد من الخامات الأخرى.
نشرت صحيفة "المصرى اليوم" بتاريخ 21/1/2014 تحت عنوان "توافقاً مع الدستور: تعديل قانونى المنافسة والثروة المعدنية" وفيه "أكد رئيس الهيئة العامة للثروة المعدنية، إجراء تعديلات فى مشروع قانون الثروة المعدنية.. ليتوافق مع المادة "٣٢" من الدستور الجديد.. وأن التعديل تضمن زيادة مساحة المنجم الصغير فى باب التعريفات بمشروع القانون لتصل إلى ١٦ كيلومترًا مربعًا بدلاً من كيلو متر مربع، لإعطاء الهيئة المرونة والسرعة اللازمتين لإصدار التراخيص، تشجيعًا للاستثمار دون الحاجة إلى عرضها على مجلس النواب.."، أما ماجاء بالمادة "32" من دستور 2014 فتنص على "يكون منح حق استغلال الموارد الطبيعية أو التزام المرافق العامة بقانون ولمدة لا تتجاوز ثلاثين عامًا. ويكون منح حق استغلال المحاجر والمناجم الصغيرة والملاحات، أو منح التزام المرافق العامة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر عامًا بناء على قانون". وبالربط بين ما صرح به رئيس الثروة المعدنية من تعديل للقانون ليتوافق مع المادة الدستورية نلاحظ مايلى:
أولا: أنه التفاف على الحقيقة، حيث عرف المنجم الصغير بأنه ذو مساحة لا تتعدى 16 كيلو مترًا مربعًا بدلاً من المقترح السابق الذى نص على كيلو متر مربع، وحسب ما جاء فى تعريف المنجم الصغير فى مؤتمر إقليمى للأمم المتحدة عقد فى أنقرة فى تركيا فى الأسبوع الثالث من سبتمبر 1988 وحضره ممثلون لأكثر من 50 دولة عربية وآسيوية وأفريقية من بينها مصر، أستقر الرأى على تعريف المنجم الصغير بأنه: الذى يتطلب أقل من مليون دولار كرأس مال استثمارى، ويستخدم 10 أشخاص أو أقل فى الموقع، وينتج أقل من 50 ألف طن من الخام سنويًا، ويحقق عائدًا سنويًا أقل من 1,5 مليون دولار، وعمره الافتراضى 5 سنوات أو أقل.
2- منجم السكرى الذى يستغل حاليًا وأنتج فى ثلاث سنوات 34 طن ذهب بحوالى 12 مليار جنيه مصرى يقع على مساحة أقل من نصف كيلو متر مربع.
3- بوضع نص المادة الدستورية وتعديل رئيس الهيئة لإعادة تعريف المنجم الصغير جنبًا إلى جنب يتضح أنه لاعلاقة بالتعديل مع الدستور، حيث إن الدستور وضع الخطوط العريضة للمناجم الكبيرة والصغيرة ولم يعرفها، وتركها للعرف التعدينى والقوانين الدولية التى لم يقرأها المسئولون.
إذن ما الهدف من التعديل وربطه بالدستور؟ الإجابة كما جاءت على لسان رئيس الهيئة وهى "إعطاء الهيئة المرونة والسرعة اللازمتين لإصدار التراخيص، تشجيعًا للاستثمار دون الحاجة إلى عرضها على مجلس النواب". هذه الإجابة تبين الهدف منها وهو إطلاق يد رئيس الهيئة فى منح التراخيص دون المرور على مجلس الشعب، وهذا ينم إما سوء نية المُشرع أو جهله بقواعد التعدين الدولية، وهو مايفتح الأبواب الخلفية للفساد وتقنين نهب الثروة المعدنية.
ويعلم كل مبتدئ يعمل بالاستكشاف والتعدين أن الحصول على ترخيص البحث يسبق الحصول على ترخيص الاستغلال، وترخيص البحث يتطلب مساحة كبيرة تصل إلى 16 كيلومترًا مربعًا، لتحديد مكان الخام المطلوب استغلاله، وكما هو واضح فى موقع الخام بمنجم ذهب السكرى الذى يصل إلى حوالى "نصف كيلومتر مربع"، وهذا يتوافق مع المادة "8" من قانون الثروة المعدنية التى تنص على: "لا يجوز منح ترخيص البحث والاستغلال للمنطقة التى تزيد مساحتها عن 16كم2 وكذا لا يجوز منح تراخيص للبحث والاستغلال للمعادن الثمينة والأحجار الكريمة الإ بقانون"، وللأسف هذا خلط بين مساحات البحث الشاسعة وبين مساحة المنجم المحتوى على الخام. الهدف واضح هو القفز على المادة "8" التى تلزم طالب ترخيص البحث بمساحة تزيد على 16 كيلومترًا مربعًا بألا يكون إلا من خلال قانون من مجلس النواب. وربما أكثر من90% من المناجم سترخص كمناجم صغيرة للتحايل على القانون، ولسهولة الإجراءات. بمقارنة طرح رئيس الهيئة مع المادة 32 من الدستور اتضح أنه لاعلاقة لإعادة تعريف المنجم الصغير ومطابقته للدستور، والهدف منه هو تقنين نهب الثروة المعدنية بشكل قانونى، من وراء هذا؟ وما هدفه؟ وهل يكون نتاج ثورتين عظيمتين هو تقنين الفساد؟ وفى النهاية لدينا مشروع كامل بتعديل القانون 86 لسنة 1956 الخاص بالمناجم والمحاجر، وتعديله يدر فورًا دخلاً سنويًا قدره 24 مليار جنيه بدلا من 60 مليون جنيه حاليًا طبقا للقانون 86 لسنة 1956.
*أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
KASSEM MANSOUR
MINING MINISTRY IS MUST