وفاء أحمد تكتب: مدينة عاقلة وليست فاضلة

الأربعاء، 22 يناير 2014 04:23 ص
 وفاء أحمد تكتب: مدينة عاقلة وليست فاضلة الفيلسوف الفارابى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الكثير منا قد سمع مصطلح "يوتوبيا" أوما يسمى بـ"المدينة الفاضلة" ومن المعروف أنها أحد أحلام الفيلسوف اليونانى الشهير أرسطو، الذى كان يحلم بمدينة يحكمها الفلاسفة، ظنا منه أنهم الأقدر على حكمها وفقا لمعايير وأسس واضحة وثابتة، تعمل على حفظ النظام والاستقرار وتحقيق العدل والمساواة بين البشر. وهى من وجهة نظره مدينة مثالية لا يوجد بها شر أو ظلم أو أى نوع من الجرائم.

والمدينة الفاضلة من وجهة نظر الفارابى, الذى كان يؤمن بنظرية أرسطو, هى المدينة التى تتحقق فيها السعادة لجميع الأفراد على أكمل وجه. ويعتمد الفارابى فى بنائه لهذه المدينة على مبدأ التعاون بين الأفراد، والأهم من ذلك التعاون هو أن يكون قائما على التخصص، إذ أن "كل ميسر لما خلق له"، وهو قد قسم المدينة حسب التخصصات إلى ثلاثة أقسام: أولا مجموعة القادة والحكام ورجال الدين، وثانيا مجموعة العسكريين والجنود والمدافعين عن المدينة، وأخيراً مجموعة الصناع والفلاحين الذين ينتجون للمدينة ويوفرون لها ما تحتاجه من طعام وكساء ولوازم تحتاجها فى حياتها اليومية.
وفى الحقيقة لا أميل كثيرا إلى رأى أرسطو الذى يحلم بحكم الفلاسفة, فالفلاسفة تفكيرهم نظرى بحت، وقد يميلون إلى الشطوط والمغالاة فى الأفكار أحيانا. أما بالنسبة للفارابى فرؤيته هى الأقرب للتحقيق، فهو يؤمن بمجتمع متكامل وشرط التكامل التعاون. والتعاون والتعارف هو فى الأساس الحكمة من خلق الله للبشر وجعلهم مختلفين, يقول سبحانه وتعالى فى سورة الحجرات "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وشدد الفارابى أيضا على ضرورة التخصص وأداء كل شخص لما خلق له، وهذا أيضا أخبرنا به الله فى سورة الزخرف, يقول سبحانه وتعالى:"وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".

فالله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين، وميز كل فرد منا فى أشياء معينة, وفضل بعضنا على بعض, فاصطفى منا الرسل والأولياء الصالحين, ليس من أجل التعالى والغرور، ولكن من أجل أن يحتاج كل منا للآخر، ويعين كل منا الآخر. وقد خلقنا أيضا بقدرات مختلفة ونسب ذكاء متفاوتة تؤهل كل منا لأداء عمل ما. وخلاصة الموضوع, ومن وجهة نظرى, أرى أننا لا نحتاج الى مدينة فاضلة لأنها لا توجد إلا فى الخيال، فالله قد خلق الخير والشر, وأنزل آدم إلى الأرض لإعمارها، وأنزل معه الشيطان وأعوانه, فكيف يُعقل أن تقام على الأرض مدينه فاضلة بلا شر وبلا جرائم، وهناك الشيطان وهوى النفس، والله سبحانه وتعالى أخبرنا أننا خير أمة، ولكن بشروط: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإيمان بالله, يقول سبحانه وتعالى فى سورة آل عمران: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون".

ويخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن "كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". إذ نحن بحاجة إلى "مدينة عاقلة" وليست فاضلة, مدينة يعرف أفرادها الصواب ويحاولون الوصول إليه والحفاظ عليه قدر المستطاع, ويدركوا الخطأ ويحاولون الابتعاد عنه أو معاقبة فاعليه قدر الإمكان أيضا. ولابد من وجود الثواب والعقاب, فلا وجود لمدينة بلا أخطاء، وإلا ما خلقت النار لمعاقبة المذنبين والعصاة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة