طوال عام من حكم الإخوان المسلمين، وقبلها خلال المرحلة الانتقالية، شهد المجتمع أوضاعًا مؤسفة، من التخوين والتكفير ومحاولات الإرهاب الفكرى وتشويه الآخر، الذى مارسه الكثيرون، كان غالبيتهم من المنتمين إلى تيار الإسلام السياسى، وبدلاً من النقاشات التى تتسم بالموضوعية والعقلانية وتبادل الحجج، كنا نشهد تراشقًا بالاتهامات الأخلاقية.
وانطلاقًا من أن أية معالجة حقيقية لقضية العنف أو الإرهاب ذات الأصول الدينية، لا يمكن أن تكون بحثًا حقيقيًا دون دراسة الجذور التاريخى لنشأة وتكوّن هذه الممارسات السلبية، عبر تاريخنا الحضارى والثقافى، وذلك لأن كل ممارسة تتسم بالعنف تقوم بالأساس على إطار من الاعتقاد النظرى الخاطئ، فالعنف يبدأ من الفكرة والمعتقد، قبل أن ينتقل إلى الممارسة والسلوك، خاصة إذا كان يستند فى أساسه إلى عقائد إيمانية ودينية، طرح الدكتور أحمد محمد سالم، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة طنطا، دراسة حول "إقصاء الآخر" الذى تناول خلالها "صناعة التكفير فى علم العقائد".
وتهدف الدراسة، التى نشرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة مؤخرًا، ضمن إصداراتها الخاصة، إلى البحث فى الأسس النظرية للعنف، وهى "صناعة الإقصاء" وتأسيس العقلية الإقصائية، حيث يرى "سالم" أن ما نشهده فى الوقت الراهن هو امتداد لعنف وإقصاء وتكفير فى تاريخنا القديم، لذا ينبغى العودة إلى هذه الجذور التاريخية لاستكشاف بنية العنف.
وتركز الدراسة بشكل أساسى، على بيان قضية إقصاء الآخر فى مدونات الفرق والملل والنحل لأهل السنة، فى محاولة للإجابة على تساؤلات ملحة، أهمها ما هو الإقصاء؟، وكيف تمت صناعته فى مدونات الملل والنحل، وكيف انتقل الإقصاء إلى ممارسة للعنف فى الواقع.
وانقسمت الدراسة، إلى 4 محاور مهمة، تناول الأول الإقصاء فى توظيف السنة، والذى يشرح الكاتب من خلاله كيف استغل أصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة الاستشهاد بالسنة النبوية لتدعيم عقيدتهم فى مواجهة أصحاب المذاهب الأخرى، لإقناع الناس أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، وأنهم وحدهم أصحاب الحق والهداية، واصفًا ذلك بـ"توظيف الأحاديث الشريفة أيدلوجيًا فى قضية الإقصاء بين المذاهب الإسلامية."
أما المحور الثانى، فهو "الإقصاء بين تشهير وتسفيه الآخر وتمجيد الذات"، حيث يرى الكاتب أن مدونات الملل والنحل، اعتمدت على "آليات للتشهير والتسفيه برموز وشخصيات وأفكار الفرق والمذاهب الإسلامية المغايرة لهم، وتم عرض آراء هذه الفرق فى صورة فضائح وتشنيعات، وليس كآراء فى العقيدة مغايرة لآرائهم"، وذلك بهدف التشهير بهذه الفرق وفضح آرائهم لمنع الناس من الانضمام إليهم، أو ترغيبهم فى الخروج عن عقائد تلك الفرق ومحاصرة تلك المذاهب المغايرة"، مشيرًا إلى أنه انتشر فى كتب الملل والنحل، السب والشتم للفرق الأخرى فى أمور أخلاقية، كالحمق والزنا وشرب الخمر، وكان ذلك جزءًا من حصار هذه الفرق وزرع الكراهية ضدهم بين الخاصة والعامة.
فيما تناول المحور الثالث "الإقصاء وتكفير الفرق المغايرة"، والذى يقول فيه "اعتمدت كتب الملل والنحل لأهل السنة على تكفير الفرق المغايرة لها، كأهم وسيلة من وسائل إقصاء هذه الفرق"، موضحًا أن "التكفير هو حكم شرعى يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم والخلود فى النار"، مشيرًا إلى أن "مدونات الملل والنحل لأهل السنة، من سلف وأشاعرة وظاهرية، قد أرست دعائم لإقصاء الآخر من خلال تكفيره، وإخراجه من الملة، خشية انتشار هذه المذاهب بين المسلمين ورغبة فى ترسيم المذهب السنى، كمذهب يملك الحق والصدق والحقيقة ضد كل المذاهب المغايرة"، لافتًا إلى أن هذا الأسلوب استخدمته فرق أهل السنة نفسها من سلف وأشاعرة وماتريدية وظاهرية، حين اختلفوا حول من يملك الحديث، نيابة عن أهل السنة والجماعة، فتبادلوا التكفير والقدح والطعن فى آراء بعضهم البعض.
ويرى الكاتب أن هذه الفرق استخدمت التكفير للهدف نفسه، الذى استخدمت به التشهير والتسفيه، وهو "محاصرة الفرق المغايرة وتكفير أتباعها وإخافة الناس منها".
وفى نهاية هذا المحور، يطرح الكاتب تساؤلاً مهما، وهو "متى وكيف يتحول الإقصاء من اللوم والتوبيخ والتشهير والتسفيه والتكفير إلى العنف وإراقة الدماء؟، وهو السؤال الذى يجيبه المحور الرابع للدراسة، والذى جاء بعنوان "من الإقصاء إلى العنف" (تسييس الدين).
ويوضح الكاتب، فى هذا المحور، أن مسألة التقادح بين الفرق الإسلامية، تظل فى حدود اللوم والتوبيخ والتشنيع والفضح والتحقير المتبادل، والتكفير، وكلها من أشكال العنف المعنوى، إلى أن يدخل طرف ثالث وهو الصراع على السلطة السياسية، الذى يحول العنف من الإطار المعنوى إلى المادى"، ويضيف: "السياسة توظف فرقًا ضد أخرى، أو مذهبًا ضد آخر، وهنا ينتقل العنف النظرى إلى عملى، ومادى، بسبب تسييس الدين".
ويتابع: "لقد انقسمت الأمة الإسلامية على نفسها بسبب الفتنة الكبرى بين عامى (35 و41 هـ) وظهرت الفرق السياسية المتمثلة فى الشيعة والخوارج والسنة، وبالتالى، فإن معظم الفرق الإسلامية يرجع أصلها إلى أسباب سياسية والتنازع على الحكم"، مشيرًا إلى أن هذا يعنى أن السياسة كانت أصلاً والدين غطاءً، حيث نشأت هذه الفرق والمذاهب نشأة سياسية، ثم اتخذت صبغة دينية، لما للدين من أثر ومكانة فى النفوس، فصار كل حزب سياسى فرقة دينية وصار الذين يقتتلون سياسيًا، يقتتلون دينيًا، وبدلاً من أن يتحاجوا بنتيجة أعمالهم السياسية تحاجوا بالكفر والإيمان، والجنة والنار، وأدى هذا الاختلاف إلى التعصب والتحزب وانتشار العداوة والبغضاء ونشوب الحروب ووقوع القتال".
لمزيد من اخبار التحقيقات..
◄ الأحزاب السياسية تشيد بلقاء الرئيس بالشباب.. المؤتمر: اللقاء خطوة جيدة لطمأنتهم بأنه لا عودة لنظام مبارك.. والمصرى الديمقراطى: على الدولة الاستجابة لمطالبهم وتحقيق أهداف ثورتى 25يناير و30يونيو
◄ فى تقريرها السنوى.. "هيومن رايتس": انتهاكات حقوق الإنسان تواصلت خلال "عهدى مرسى والحكومة المؤقتة".. والاستفتاء شارك فيه 20.5 مليون ناخب بموافقة 98.1%... والمادة (11) "تلزم بالمساواة بين المرأة والرجل
◄ قيادات الإخوان تتساقط فى المحافظات.. ضبط اثنين من كوادر الجماعة متهمين بحريق مركز حوش عيسى.. والقبض على موظف وطالب بتهمة التحريض على العنف بقنا.. وتجديد حبس السيد حزين عضو مجلس الشورى السابق
"إقصاء الآخر" دراسة تكشف الجذور التاريخية للإرهاب ذى الأصول الدينية.. تشويه الآخر والتكفير من أساليب إقصاء الآراء المخالفة.. أستاذ الفلسفة الإسلامية يحذر: تسييس الدين يحول العنف المعنوى إلى مادى
الأربعاء، 22 يناير 2014 03:51 ص