"تدافع الناس لحضور جلسات المحكمة حيث كان محمود محمد طه جالساً على طاولة منصة الاتهام، والقاضى المهلاوى يفتتح الجلسة آمراً المتهم محمود محمد طه بالوقوف، فيرفض محمود الانصياع لأمر المحكمة ويقول بأنه لن يتعاون مع هذه المحكمة؛ فيقول له القاضى دعك جالساً، ويستطرد القاضى بأن المحكمة لم تطلب منك التعاون، وإنما هنالك دعوى مرفوعة ضدك وتطلب المحكمة أن تدفع بنفسك تلك التهم الموجهة إليك.
ومن بعد تُليت الاتهامات على المتهم الرئيسى محمود محمد طه فأقر واعترف بأن قوانين سبتمبر لعام 1983 مخالفة للشريعة الإسلامية، ومخالفة للدستور وأنها أذلت الشعب السودانى وفرقت الأمة؛ وأنها أساءت إلى البلاد؛ وأنها لا تصلح لإنسان القرن العشرين وطالب بإلغائها، وهنا حكمت المحكمة عليه بالإعدام شنقا "رواية أحمد طه محمود أحد الشهود العيان على محاكمة محمود محمد طه عام 1985 نعيد نشرها فى ذكرى رحيله لنتذكر به مفكرا وقف شامخا أمام المقصلة فى مشهد تكرر عبر تاريخ عربى لا يمكن نسيانه أو تجاهله، البعض وصفه بالحلاج كمفكر لاقى نفس المصير والبعض وصفه بـ"عمر المختار" كسياسى مناضل، قتله الجهل والاحتلال فيما يصر البعض على اعتباره مشروعا قائما بذاته مشهودا له فى سلسلة التنوير الفكرى والنضال السياسى فى دولة السودان.
محمود محمد طه الذى تفرق دمه بين الإخوان المسلمين فى السودان الرافضين للتجديد ونظام النميرى القامع للمعارضين السياسيين وبين فتاوى جاءته من شمال بلاده من مجمع البحوث الإسلامية بردته وضرورة شنقه تأتى ذكرى رحيله والجرح لا زال مفتوحا إثر قضية فى حق الإنسانية فى المقام الأول وفى حق الثقافة والحضارة فى المقام الثانى.
"طه" خاض حقلى السياسية والفكر بنهم وإخلاص وخرج بمشروعه التجديدى للتراث الإسلامى وبحزب يرأسه وهو الحزب الجمهورى السودانى، الذى وقف مدافعا عن استقلال السودان فى وجه الاستعمار الإنجليزى والتدخل المصرى فى الشئون السودانية.
وتحت شعار تاريخى "الحرية لنا وسوانا" عارض طه عددا من المشكلات الاجتماعية والتشريعية التى عانى منها الشعب السودانى، منها على المستوى الاجتماعى رفض عادة الخفاض الفرعونى – الختان – وعلى المستوى التشريعى ما سنه التشريع السودانى من قطع يد السارق استنادا على نصوص دينية.
ووفقا لما توصل له طه بأن التفسيرات المنغلقة للنصوص الدينية هى العامل الرئيس فى قمع الفرد باسم الدين فقد كتب مؤلفه "الرسالة الثانية للإسلام" ليحدث ضجة واسعة خاصة بعدما حصر ثمانية قضايا رأى أنها ليست أصولا فى الإسلام، هذه القضايا هى الجهاد، الرق، الرأسمالية، عدم المساواة بين الرجال والنساء، تعدد الزوجات، الطلاق، الحجاب، المجتمع المنعزل رجاله عن نسائه.
ولم يكتف محمود محمد طه بإعلان رفض ثمانية أصول اعتمادا على أدلة عقلية وتشريعية، بل أعلن كذلك فى كتابه "الرسالة الثانية للإسلام" أن الإسلام برسالته الأولى لا يصلح للقرن الــ21 مبشرا بالرسالة الثانية للقرآن والتى رأى أن النبى محمد أرجأ تفسيرها إلى أن يجىء زمانها حتى يتطور مجتمع البداوة وتستطيع العقلية العربية الفاعلة اكتشافها وتفسيرها داخل النص القرآنى ذاته.
وبين هذه الآراء المثيرة لسخط الإسلاميين آنذاك وموقف سياسى تبناه خلال الحزب الجمهورى السودانى المعارض تجاه انقلاب النميرى على السلطة انفتح فكّى الطاعونين على آخرهما للفتك به، طاعون الإخوان المسلمين الرافضين للتجديد وآرائه المنبثقة عن العقل، وطاعون القمع العسكرى الذى قطع دابر المعارضة بيد من حديد فور تولية السلطة.
تفرق دمه بين القبائل خاصة بعدما أعلن رجال الدين ردة الرجل وإحلال سفك دمه فى الوقت الذى أيد فيه النميرى – الرئيس السودانى الأسبق- تنفيذ الإحكام الإسلامية – ليصطاد عصفورين بحجر واحد، الخلاص من محمود محمد طه واسترضاء مؤقت للإخوان فى سبيل استمرار قمع المعارضين.
وخرج بيانا لجنة الإفتاء بمجمع البحوث الإسلامية ورابطة العالم الإسلامى آن ذاك كضوء أخضر للسلطات السودانية كى تسفك دم المفكر السودانى بدم بارد.
لمزيد من أخبار الثقافة
"ثقافة القليوبية" تحتفل بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير وشهدائها
إقليم القاهرة الكبرى الثقافى يحتفل بثورة 25 يناير
عروض فنية شعبية بقصر ثقافة بورسعيد