كانت تمشى فى طرقات الجامعة- كالعادة- مُصطحِبة خلف ظلالِها نسيما عطِرا.. وموسيقى تنبعثُ من إيقاع أقدامها.. تمُر عبر الرياحِ فتروى ظمأ الشوق الذى اعترانى منذ رؤيتها.. فتسقِطُنى أرضاً من حُسن تغنّجِها ودلالها.. وتٌميتنى ولهاً من فتنـتِها ولا تشعر بشابِ مثلى سيُجَنُّ من لهفٍ عليها.. فظللتُ أراقبُ طيفَها بخليط من الأسى والرهبة.. تارةً أهيم فى رقتِها وتارةً أفيقُ على عطرها الجميل.. ومِخلَب عينيها الذى يداعبُنى ويعصِفُ بهيامى إلى بلاد العطَش دون أى رحمة أو رفقٍ أو شفقةٍ.
وحين اتخذت قرار التقرب والمصارحة.. اختفت من ساحات الجامعة.. ظننت أنها ذهبت.. فلا أثر لها ولا لزميلاتها.. وجلست يائساً بين حوائط الهوى والسماء الراكدة.. أفكّرُ فى الرحيل وأضيقُ بالمكان ومَن فيه.. فإذ فجأة أرى زهرةً تلمِسُنى ويُشع من شفاهها التى تنعم بالسكوت آلاف الجُمَل والحروف.. فبرقت عينى وقلت مقتضباً " أنتِ هى هى؟ نعم نعم، هلا أخبرينى هل أنا فى حُلم؟".
أمطرت عيناها خجلا وقالت "صدقنى، كنت أشعر بك من قبل أن تشعُر أنت بى.. ودائما ما كنت أراقبك وأتبعك وأتابعك.. وعمدت كثيراً أن أوحى إليك بالتجاهل.. فكان غرورى يزداد كلما رأيت نفسى ملكةَ توجت بين كلماتك وأنى عروسُ زفها قلبك بمشاعرك الجميلة"، قلت وأنا فى دهشة مما أسمع " وكيف علمتى أننى أحبك، وأنى أقصدك أنتِ؟!".
قالت ضاحكة "يا حبيبى، قلتُ لك إننى كنت أراقبك دون أن تشعُر ولاحظت فى عينيك كثيراً من الكلمات.. وكل مرة كان يزداد يقينى حتى أخبرتنى العصفورة أن حبيبتك هى أنا!".
أمسكت يديها برفقِ ثم قلت "أنتِ تعنى أننى أيضاً حبيبُكِ؟".. قالت وهى تسحب يديها عنى "هل عندك شك؟" ثم ضحكت فى سكون.. فأمطرت تلك الكلمات على مسامعى ألحانا من السماء.. وتراقصت الأوراق على أغصانها.. وانسابَ ضوءُ النهار فى عينى كتدفق السلسبيل فى ينابيع الياسمين.. ثم قمت من نومى لأرى نفسى وحيداً.. فاحتضنت نفسى.. ثم قلت "غداً سأخبرها كل شىء".
صورة أرشيفية